تتعدد أنواع العمارة الإسلامية وفنونها وأشكالها واستخداماتها، وتُعدّ الأربطة أحد أنواع تلك الفنون التي تميزت بها العمارة الإسلامية والتي تجمع بين الوظيفة العسكرية والدينية، حيث كان المجاهدون يقيمون فيها استعدادًا للحرب أو للعبادة، ومن أبرز الأربطة رباط المنستير الذي يقع في ولاية المنستير في تونس.

ما هو رباط المنستير؟

يُعدّ رباط المنستير (بالإنجليزية: The Ribat of Monastir) أحد أهم الحصون الدفاعية الإسلامية وأقدمها في بلاد المغرب العربي كافة، والذي بناه الفاتحون العرب في الأيام الأولى للإسلام على طول الساحل الشمالي الإفريقي، وهو أبرز معالم مدينة المنستير التونسية، وتأسس عام 181 هجريًا الموافق 796 ميلاديًا في عصر الدولة العباسية على يد والي إفريقية (تونس حاليًا) القائد العباسي هرثمة بن الأعين بأمر من الخليفة العباسي هارون الرشيد الذي كان حريصًا على حماية البلاد، ولا سيما المناطق الساحلية، من الهجمات البحرية البيزنطية، وكان المشرف على البناء -حسب المنحوتات الحجرية المحفوظة في متحف اللوفر- هو أبو القاسم بن تمام.

تاريخ إنشاء رباط المنستير وتطويره

بدأ العمل في إنشاء رباط المنستير عام 181 هجريًا الموافق 796 ميلاديًا في عصر الدولة العباسية، وتمّت توسعة الجزء الشمالي منه خلال عهد دولة الأغالبة بينما تمّت توسعة الجزء الجنوبي منه خلال عهد الدولة الفاطمية عام 355 هجريًا الموافق 966 ميلاديًا، وتمّت توسعة مساحة القلعة وزيادتها إلى 4200 متر مربع في عهد الدولة الحفصية عام 828 هجريًا الموافق 1424 ميلاديًا.

وأُضيفت مجموعة من الدعامات والأبراج البارزة المتعددة الأضلاع والمستديرة بين القرنين 11 و13 هجريًا / 17 و19 ميلاديًا من أجل قطع المدفعية، حيث استمرت أعمال الإنشاء والتعديل والتطوير حتى عام 1115 هجريًا الموافق 1704 ميلاديًا ودُعّم الرباط بأبراج متعددة الأضلاع في زاويته الجنوبية الغربية وأُضيف برج مستدير في زاويته الشرقية الشمالية، وأُضيفت أبراج أخرى وبريجات في عهد المملكة التونسية الحسينية في أثناء أعمال التجديد التي أمر بها حسين باي بين عامي 1238-1250 هجريًا الموافق 1823-1835 ميلاديًا.

وصف رباط المنستير

يتخذ رباط المنستير شكل قلعة من أربعة مبانٍ تفتح على صحنين داخليين ومدعومة بأبراج مستديرة وأبراج متعددة الأضلاع، ويوجد داخله فناء محاطًا بأروقة تنفتح عليها الغرف، ويوجد في الطابق الأول منه قاعة صلاة تتألف من أسكوبين (الأسكوب هو الأروقة العرضية الموازية لجدار القبلة) وسبع بلاطات يتميز البلاط الأوسط منها بكبر عرضه مقارنة مع البلاطات الأخرى، ومن الجدير ذكره أن هذا النظام المعماري لقاعة الصلاة أصبح ثابتًا في جميع مساجد تونس.

ومن جهة الجنوب، يوجد في الطابق الأول قاعة تتألف من سبع بلاطات بينها أسكوبين، وهي مسقوفة بقبب نصف أسطوانية باستثناء البلاط الأوسط الذي يغطي نصفه الجنوبي قبة منخفضة كروية الشكل ولا يوجد به منحنيات عند الأركان، ويُذكر أن هذا الجزء من الرباط الذي بُني عام 355 هجريًا الموافق 966 ميلاديًا استُخدم لاحقًا رباطًا للنساء.

ويوجد في رباط المنستير حجرات صغيرة مخصصة للمجاهدين الذين كانوا يقومون بوظائفهم العسكرية ويؤدون صلاتهم في نفس الوقت حيث يحتوي الرباط على مسجدين بهما مجموعة من لوازم العبادة والصناعات التقليدية في العهد الوسيط.

بالإضافة إلى ذلك، يتكون مدخل الرباط من بوابة منعرجة تؤدي إلى الرباط الأصلي ويوجد على ارتفاع 20 مترًا برج مراقبة يشرف على ساحته المحاطة بالحجرات من ثلاث جهات، ويمكن الصعود إلى هذا البرج من خلال المدرج حلزوني الشكل الذي يتكون من حوالي مائة درجة.

معلومات عن رباط المنستير

  • أدّت أعمال التجديد والتدعيم المختلفة التي تتابعت بين القرنين 11 و13 هحريًا / 17 و19 ميلاديًا إلى عدم التجانس التام بين أسوار الرباط الخارجية.
  • يتجلى الأسلوب الزخرفي الزيزري الذي يميز العمارة الفاطمية في رباط المنستير من خلال المشاك الخمس التي تزين المدخل، وهي مشاك مسطحة تنتهي بأقواس نصف دائرية فوقها إفريز من الأشكال النباتية.
  • يتجلى أسلوب النقوش الذي يميز فن العمارة لدى الدولة الحفصية في النقوض التي تعلو البوابة المنعرجة والمكتوبة بخط النسخ.
  • بُني رباط المنستير لحماية مدينة القيروان، العاصمة الإسلامية في ذلك الوقت، ولعب دورًا مهمًا في مراقبة الأعداء وزحفهم وتقدمهم والتخلص منهم قبل تحقيق أهدافهم.
  • ساعد رباط المنستير في استقطاب العديد من الأسماء البارزة والمعروفة مثل أسد بن فرات فاتح صقلية والطبيب أحمد الجزار والإمام ابن يونس الفقيه المالكي.
  • اتُخذ برج المراقبة في الرباط منارةً تساعد البحارة في البحر وتدلهم إلى اليابسة، حيث كانت يتمّ من خلاله تبادل الإشارات الضوئية في الليل مع أبراج الرباطات المجاورة.
  • يُعدّ أكثر المعالم الدفاعية ضخامة نظرًا للتحسينات والتعديلات التي أُدخلت عليه على مر العصور، ولا يزال يحافظ على شكله المعماري حتى الآن.

رباط المنستير في الوقت الحالي

من المعروف أن مدينة المنستير تقع على شاطئ البحر المتوسط وتتوسد مياهه الصافية، لذلك لطالما كانت محط أنظار آلاف الوزار والسياح الذين يأتونها من تونس وخارجها للتمتع بجمالها وزيارة رباط المنستير الذي يُعدّ أحد العلامات المميزة لها على مر السنين، حيث يستقطب الكثيرين والكثيرين للاستمتاع برونقه التاريخي والمعماري ولأنه يشرف على كورنيش المدينة الساحرة وشاطئها.

ويُذكر أن صحن رباط المنستير يحتضن عدّة فعاليات وأحداث خلال فصل الصيف جزءً من مهرجان المنستير الدولي.

لمعرفة المزيد عن المباني الدفاعية في العمارة الإسلامية، ولا سيما الأربطة، اطلع على هذا المقال.