حضارة وادي السند هي واحدة من أقدم ثلاث حضارات في العالم بجانب كل من حضارة بلاد ما بين النهرين وحضارة مصر القديمة، وهي واحدة من أولى الحضارات العظيمة وأكثرها انتشارًا، والتي بدأت قبل أكثر من 4500 عام، حيث يعود تاريخ ظهورها للعصر البرونزي عام 3300 قبل الميلاد أو قبل ذلك، وتستمر حتى عام 1300 قبل الميلاد تقريبًا ثم تبدأ في الانهيار حتى تختفي تمامًا عام 530 قبل الميلاد بغزو سايروس الثاني للهند.
وكانت هذه الحضارة تتمركز في الأساس في المنطقة الشمالية الغربية لجنوب آسيا، والتي تعرف الآن باسم باكستان وشمال غربي الهند، لذا يطلق عليها أحيانًا اسم هربة أو هارابا نسبة إلى مدينة هربة الباكستانية، وهي المكان الذي اكتشف علماء الآثار أول دلائل تشير إلى وجود حضارة وادي السند، وبلغت الحضارة ذروة ازدهارها وتقدمها بداية من عام 2600 قبل الميلاد حتى عام 1900 قبل الميلاد، حيث شملت أراضيها في هذا الوقت شمال شرق أفغانستان وباكستان وصولًا إلى غرب وشمال غرب الهند، وتعود أهم أسباب انهيار هذه الحضارة العظيمة غالبًا إلى القحولة التدريجية وقلة المياه التي كانت سبب في تشتيت سكانها ناحية الشرق وانهيار الحضارة في النهاية.
نشأة حضارة وادي السند وتاريخها
تطورت حضارة وادي السند على يد جماعات من الناس الذين كانوا يمارسون الزراعة والرعي والقليل من التجارة، وبحلول عام 2500 قبل الميلاد تقريبًا أصبحت هذه الجماعات متحدة ثقافيًا بصورة أكثر وضوحًا، وبدأوا في بناء المدن وتخطيطها بصورة منظمة ودقيقة، وهذا ما أدى لنمو حضارة وادي السند لتضم إليها الكثير من الأراضي التي تعرف الآن باسم باكستان وأجزاء من أفغانستان وشمال غربي الهند، وكان مركز هذه الحضارة وقلبها الوادي التاسع الذي كان يغمر بمياه فيضان نهر السند ونهر هاكرا -الذي عرف أيضًا باسم نهر غاغار وساراسفاتي، والذي جفت مياهه الآن مع الأسف– حيث كانت مياهه سابقًا تنساب ناحية شرق نهر السند وبمحاذاته.
ووجد علماء الآثار بداية من القرن التاسع عشر العديد من الأدلة الأثرية التي تؤكد اتصال حضارة وادي السند بحضارتي مصر وبلاد ما بين النهرين من الناحية التجارية، حيث كان العلماء يعرفون أن اللازورد كان شائعًا كثيرًا في الحضارتين الأخيرتين، وكانوا يعرفون أنه جاء من الهند، لكنهم لم يكونوا يعرفون شيئًا عن حضارة وادي السند بعد، وباكتشافها عرف العلماء أن اللازورد الذي انتشر كثيرًا في مصر وبلاد ما بين النهرين جاء من هناك، ويمكننا توضيح التسلسل الزمني لتاريخ حضارة وادي السند حسب ما قسمها علماء الآثار إلى ما يأتي:
- مرحلة ما قبل حضارة وادي السند: التي تمتد من 7000 حتى 5500 قبل الميلاد، وهي الفترة التي كانت في العصر الحجري الحديث، حيث كانت فيها هربة أو وادي السند معتمدًا على الزراعة وتدجين النباتات والحيوانات في مواقع مثل مهرجاره، وكان يتم إنتاج العديد من الأدوات والسيراميك.
- مرحلة حضارة وادي السند المبكرة: والتي تمتد من 5500 حتى 2800 قبل الميلاد، وفيها اشتهر وادي السند بالتجارة مع مصر وبلاد الرافدين والصين.
- مرحلة حضارة وادي السند الناضجة: التي تمتد بين 2800 إلى 1900 قبل الميلاد، والتي بدأت فيها المجتمعات هناك ببناء المدن الكبرى وبدء التحضر وانتشاره، حيث بنيت أكثر من 1000 مدينة في جميع أنحاء حضارة وادي السند في هذه الفترة.
- مرحلة حضارة وادي السند المتأخرة: التي تمتد من 1900 إلى 1500 قبل الميلاد، والتي بدأت فيها الحضارة بالانهيار بسبب هجرة الآريين من الشمال (غالبًا من الهضبة الإيرانية)، وتقول الأدلة الأثرية إن هذه الفترة حدث فيها تغير في المناخ تسبب في حدوث كوارث مثل الفيضان ثم الجفاف والمجاعات، وفقدت الحضارة العديد من علاقاتها التجارية مع مصر وبلاد ما بين النهرين.
- مرحلة سقوط حضارة وادي السند: وهي المرحلة التي امتدت بين عامي 1500 حتى 600 قبل الميلاد، حيث كانت فيها المدن مهجورة، بعد أن تركها الناس وهاجروا ناحية الجنوب، وسقطت الحضارة فعليًا بصورة تامة بحلول عام 530 قبل الميلاد، حين قام سايروس الثاني بغزو الهند.
أسباب انهيار حضارة وادي السند
هناك عدة نظريات تفسر أسباب انهيار حضارة وادي السند، حيث يرجع بعض العلماء السبب في سقوط الحضارة بداية من عامي 1900 إلى 1500 قبل الميلاد إلى هجرة الكثير من أبناء الحضارة للمدن والانتقال ناحية الجنوب، إلا أن الأسباب التي تقف وراء عملية الهجرة هذه غير مرضية تمامًا، حيث يقول البعض إن السبب هو جفاف نهر غاغار الذي كان الناس يعتمدون عليه بشكل كبير في النقل والتجارة، بالإضافة إلى أن تراكم الطمي في أماكن مثل موهينجو دارو تسبب في حدوث فيضان كبير، والذي كان من أهم أسباب عمليات الهجرة التي حدثت.
أما النظرية أو الاحتمال الآخر فيقول إنه حدث هبوط أو انخفاض شديد في توفر السلع الأساسية والضرورية، لأن حضارتا مصر وبلاد ما بين النهرين كانتا تعانيان من مشاكل في نفس الفترة، وهذا ما أدى لاضطراب، وربما توقف، حركة التجارة بينهما وبين حضارة وادي السند، لكن يقول علماء القرن العشرين إن كل هذه النظريات ما هي إلا ادعاءات، ويقولون إن شعب وادي السند أجبر على النزوح ناحية الجنوب بسبب تعرضه لغزو سلالة من الآريين ذوات البشرة الفاتحة، حيث استنتج بعض علماء الغرب فيما بعد أن هناك عرقًا من ذوي البشرة الفاتحة القادم من الشمال من مكان ما في أوروبا أو حولها قام بغزو الأراضي الجنوبية، ولا سيما الهند، وأسس ثقافته الخاصة هناك ونشر لغته وعاداته.
لكن هذه النظرية بدأت تفقد مصداقيتها منذ الستينيات من القرن العشرين لأن العلماء لم يجدوا أي آثار في مدن حضارة وادي السند تدل على موت عنيف ومعارك أو أي آثار مرتبطة بالحرب، لذا اقترح العلماء أن هذا الغزو ما كان إلا هجرة للهنود الإيرانيين لهذه المنطقة، حيث اندمجوا بسلام مع ثقافة السكان الأصليين في الهند وتزوجوا منهم.