الإمبراطورية الأخمينية هي الإمبراطورية التي أسسها الفارسيون والتي تعرف أيضًا باسم الإمبراطورية الفارسية الأولى، والتي تعد أكبر إمبراطورية في التاريخ، وتأسست عام 550 قبل الميلاد تقريبًا على يد كورش العظيم أو كورش الكبير، الذي استطاع الانتفاض مع الفارسيين على الحكم الميدي وتكوين دولة مستقلة، بعد أن استطاع احتلال عاصمتهم "إكباتانا" عام 549 قبل الميلاد، وبدأت الإمبراطورية الأخمينية في السقوط عام 330 قبل الميلاد حين قام الإسكندر الأكبر بغزو كل أراضيها، وبعد وفاة الإسكندر استولت على أراضي الإمبراطورية الأخمينية المملكة البطلمية والإمبراطورية السلوقية ثم الإمبراطورية الفرثية.
أصل الإمبراطورية الأخمينية وتأسيسها
ينحدر الفرس من المهاجرين ذوي الأصول الهندو أوروبية الذين هاجروا من الشمال، واستقر الفرع الإيراني منهم في بلاد فارس عام 1000 قبل الميلاد تقريبًا، حيث كان من بين أهم القبائل الإيرانية التي استقرت في هذه المنطقة الميديين الذين استقروا في ميديا والفارسيين الذين استقروا في بلاد فارس، وكان الميديون هم أول الشعوب التي تنجح في تأسيس إمبراطورية كبيرة بعد أن سيطروا على كل الشعوب المجاورة بما في ذلك الفارسيين، وبحلول عام 552 قبل الميلاد قام الفارسيون بالانتفاضة على حكم الميديين واستطاعوا تكوين دولتهم المستقلة.
حيث قام الملك الفارسي كورش الكبير بالهجوم على إمبراطورية الميديين واحتلال عاصمتهم إكباتانا عام 549 قبل الميلاد، ثم قام بعد ذلك بغزو الإمبراطورية الليدية في الأناضول والإمبراطورية البابلية الحديثة في بلاد ما بين النهرين، ونصب نفسه ملكًا للجهات الأربع للعالم، وبهذا كان كورش العظيم مؤسس أول إمبراطورية عظيمة وكبيرة بهذا الحجم، والتي أطلق عليها المؤرخون اسم الإمبراطورية الأخمينية للتفريق بينها وبين الإمبراطوريات الفارسية الأخرى التي ستأتي بعدها، والتي كانت تمتد على مساحة 5.5 مليون كم مربع، تبدأ من البلقان وأوروبا الشرقية من ناحية الغرب حتى وادي السند من الشرق، ويعود أصل كورش الكبير لملك شبه أسطوري يدعى أخيمينيس سبقه بخمسة أجيال تقريبًا، ومنه جاء اسم الإمبراطورية الأخمينية.
تاريخ الإمبراطورية الأخمينية
هزم الملك كورش العظيم الملك أستياجيس ملك ميديا واستقل ببلاد فارس وأصبح ملكًا عليها، واستمر حكمه من عام 559 حتى 530 قبل الميلاد، واستغل سقوط ميديا الليديين بقيادة الملك كرويسوس في منطقة غرب الأناضول للتوسع ناحية الشرق، وقاموا بالهجوم على الفرس والاشتباك معهم، لكن الفرس تغلبوا عليهم بعد حصار استمر لأسبوعين، وقد كانت القوات الليدية متحالفة مع الإمبراطورية البابلية ومصر، إذ كان البابليون مسيطرون على بلاد ما بين النهرين ومنطقة شرق البحر الأبيض المتوسط، وبحلول عام 539 قبل الميلاد تغلبت الإمبراطورية الأخمينية على البابليين في مدينة أوبيس شرق دجلة، ودخل كورش العظيم إلى بابل وأصبح ملك بلاد ما بين النهرين، ولم تتبقَ له إلا مصر التي كانت القوة الوحيدة التي لم يهزمها، وترك هذه المهمة لابنه قمبيز.
واستطاع قمبيز هزيمة المصريين في شرق الدلتا عام 525 قبل الميلاد، بعد حصار استمر لمدة 10 أيام سقطت فيه عاصمة مصر القديمة "ممفيس" في يد الفرس، وفي أثناء عودة قمبيز لبلاد فارس توفي في الطريق، وجاء بعده داريوس الأول أو داريوس الكبير على العرش، والذي حكم منذ 522 إلى 486 قبل الميلاد، واستقرت الإمبراطورية كثيرًا في عهده، ووسع أراضي المملكة لتشمل غرب الهند أيضًا، وقام بالعديد من الإنجازات المعمارية، حيث شيد المباني الملكية والقصور وأنشأ طرقًا للاتصالات وغيرها، لكن بحلول عام 498 قبل الميلاد حدثت ثورات في المدن اليونانية الأيونية بتحريض من أثينا، وحاول الفرس السيطرة على هذه التمردات واستغرق الأمر منهم 4 سنوات كاملة، وبحلول عام 486 قبل الميلاد جاء على العرش خشايارشا ابن داريوس والذي حكم حتى عام 465 قبل الميلاد، واستطاع إخضاع اليونانيين عام 480 قبل الميلاد في معركة تيرموبيلاي.
لكن بحلول عام 479 قبل الميلاد انتصر اليونان على الفرس في مضيق سلاميس، وفي هذا الوقت قامت ثورة بابلية خطيرة تهدد الإمبراطورية الأخمينية، فترك خشايارشا كل شيء وذهب لقمع التمرد في مقاطعة بابل، وتمكن من السيطرة على الأمر بنجاح، لكن الجيش الفارسي الذي تركه وراءه هُزم على يد اليونان في معركة بلاتيا عام 479 قبل الميلاد، ويقال إن خشايارشا اغتيل وجاء بعده على العرش أحد أبنائه، الذي عرف باسم أرتحشستا الأول، وحكم هذا الملك بين عامي 465 إلى 424 قبل الميلاد، وفي عهده سيطر الفرس على الثورات المصرية وأسسوا حاميات في بلاد الشام.
واستمرت الإمبراطورية الأخمينية قوية حتى عهد داريوس الثاني الذي حكم من 423 حتى عام 405 قبل الميلاد، لكن بحلول الوقت الذي حكم فيه أرتحشستا الثاني بين 405 و359 قبل الميلاد، قامت مصر بإعلان استقلالها، وعلى الرغم من أن فترة حكمه كانت الأطول إلا أن التاريخ لم يعرف الكثير من المعلومات عنه، لكن يقال إنه كان ملك عطوف ومحارب شجاع، وبعد وفاته جاء على العرش الملك أرتحشستا الثالث الذي حكم بين عامي 358 إلى 338 قبل الميلاد، وفي عهده أعيد احتلال مصر مرة أخرى، لكن تعرض هذا الملك للاغتيال وجاء بعده على العرش ابنه أرتحشستا الرابع، الذي حكم من 338 إلى 336 قبل الميلاد، وهو الآخر تعرض للقتل والاغتيال، وجاء بعده داريوس الثالث الذي حكم من 336 إلى 330 قبل الميلاد، والذي استطاع مواجهة جيوش الإسكندر الأكبر المقدوني، لكنه قُتل في نهاية المطاف على يد واحد من جنرالاته، وبسقوطه سقطت الإمبراطورية الأخمينية.
سقوط الإمبراطورية الأخمينية
اشتدت المواجهات بين جيوش الإمبراطورية الفارسية الأخمينية وبين القوات المقدونية اليونانية بقيادة الإسكندر الأكبر، حيث استطاع الإسكندر إلحاق الكثير من الهزائم بالفرس في كيليكية وخليج الإسكندرونة وأبوب سوريا وأربيل وبلاد آشور، وبعد أن تمكن من دخول بابل وسوسة وبرسبوليس قام الملك الأخميني بالتراجع شرقًا ناحية هركانية، حيث قتل هناك على يد واحد من جنرالاته عام 330 قبل الميلاد، والذي كان يأمل في الحصول على مكافأة من الإسكندر، لكنه تلقى جزاء غدره وفعلته الشنيعة، وبموت الملك الأخميني داريوس الثالث انهارت الإمبراطورية الأخمينية وسقطت تمامًا.