تقول الأدلة الحفرية إن الحضارة الكيكلادية ظهرت في وقت ما بين أواخر العصر الحجري وبداية العصر البرونزي، أي قبل 1050 إلى 3200 قبل الميلاد تقريبًا، في بحر إيجة في اليونان القديم، وتقول بعض الحفريات إنها تعود لمنتصف العصر البرونزي وإنها نشأت في جنوب كريت، لكن دمرت معظم آثارها أو تمت سرقتها، لذا فإن الغموض يحيط بهذه الحضارة إلى حد ما.

أصل الحضارة الكيكلادية وتاريخها

تتكون سيكلاديز أو سيكلادس من مجموعة من الجزر التي يزيد عددها عن 200 جزيرة صغيرة، أشهرهم وأهمهم ناكسوس وميلوس وثيرا وإيوس وكيا وأندروس وسيفنوس وتينوس وميكونوس، ويمكننا تقسيم تاريخ الحضارة التي نشأت في هذه المنطقة والتي كانت تعرف باسم الحضارة الكيكلادية إلى مراحل تاريخية، وهي:

فترة العصر البرونزي المبكر

تقول الأدلة الحفرية إن تاريخ استيطان هذا المكان يعود إلى 5000 قبل الميلاد، وهو في الغالب كان لمجموعة من المهاجرين من آسيا الصغرى، وكانت هذه الجزر –لا سيما جزيرة ميلوس- غنية بحجر قيم يطلق عليه الزجاج البركاني "السج"، والذي كان يتم تصديره لكل أنحاء بجر إيجة، وظهرت مواد أخرى في أوائل هذا العصر كالنحاس الرصاص والرخام.

واتسمت الحضارة الكيكلادية في العصر البرونزي المبكر بين عامي 3000 إلى 2200 قبل الميلاد بتكوين مجموعات صيد وبعض المجموعات الريفية في هذا الأرخبيل من الجزر، وكانت المباني مبنية بأساسات حجرية فوقها هياكل طينية، وكانت تزرع محاصيل مثل الشعير والقمح والزيتون والكروم، وكان هناك العديد من الحيوانات التي يتم تربيتها كالأغنام والماعز والأبقار والغزلان والخنازير، وكانت الأسماك مصدر مهم جدًا للغذاء بالنسبة للشعب، لا سيما سمك التونة والفرخ، ويقال إن حرفة النسيج وصناعة الفخار كانت موجودة أيضًا في هذا العصر.

فترة العصر البرونزي الأوسط

تمتد الحضارة الكيكلادية في فترة العصر البرونزي الأوسط بين عامي 2200 إلى 1700 قبل الميلاد تقريبًا، وازداد في هذا الوقت حجم المستوطنات وكان المجتمع أكثر تنظيمًا وشبهًا بالمدينة، وفضّل السكان التمركز في المناطق الحضرية وأصبحت المباني أكثر تقدمًا ودخلت صناعة الفخار الأبيض وصنع منه أواني مزينة غير لامعة بتصميمات هندسية وأشكال نباتية ولولبية رائعة، واشتهر النحت الكيكلادي وكان من أكثر الأعمال الفنية تميزًا خلال العصر البرونزي في منطقة بحر إيجة.

فترة العصر البرونزي المتأخر

في فترة العصر البرونزي المتأخر بين عامي 1700م و1000 قبل الميلاد، حدث ما يسمى بالثوران البركاني الأكبر، والذي دمر مدينة أكروتيري الكبيرة، وسبقه زلزال لا تقل قوته عن 7 درجات بمقياس ريختر، وأثرت هذه الحادثة على الحضارة الكيكلادية بشدة، لكن يختلف العلماء إلى أي درجة وصل هذا التأثير، حتى أن التاريخ التقريبي لهذه الحادثة لا يتفق عليه كل العلماء، وبحلول عام 1400 قبل الميلاد بدأت الحضارة المينوسية في الظهور، وأصبحت هي الثقافة السائدة في بحر إيجة، لكن بحلول 1250 قبل الميلاد بدأ التأثير المينوسي يقل ويتضاءل، وتقول الأدلة إنه بداية من عام 1100 قبل الميلاد دمرت المستوطنات في هذا المكان وهجرها السكان.

الفترة  القديمة والكلاسيكية

عادت أهمية سيكلاديز إلى حد ما في الفترات القديمة والكلاسيكية، لا سيما في جزر ديلوس وناكسوس، حيث كانت ديلوس ملاذًا مهمًا لأبولو منذ 700 قبل الميلاد، حيث تقول الأسطورة إن الإله وأخته أرتميس ولدوا في الجزيرة، بينما بنيت في ناكسوس الكثير من المعابد المهمة لأبولو وديميتر وديونيسوس، ويقال إن الأخير ولد في هذه الجزيرة وفقًا للأساطير اليونانية وإنه تزوج من أريادن في ديلوس.

وبحلول القرن الثامن قبل الميلاد تم تأسيس أول مستعمرة يونانية في ناكسوس، ثم صقلية في القرن السادس قبل الميلاد، وتم بناء معبد أبولو الشهير خلال هذه الفترة، وفي هذا الوقت أيضًا بدأ تصدير الرخام الأبيض الفاخر في جزيرة باروس، والذي يعد ذو أهمية كبيرة لكل من المعماريين والمهندسين اليونان، وخلال القرن الخامس قبل الميلاد شهدت الحضارة اضطرابًا إلى حد كبير بسبب محاولة بلاد فارس السيطرة على اليونان وغزوها، وتعرضت ناكسوس للهجوم من قبل القوات الفارسية مرتين، أحدهما عام 499 قبل الميلاد والأخرى عام 490 قبل الميلاد، واستطاعت الجزيرة هزيمة الفرس في معركة سالاميس عام 480 قبل الميلاد وبلاتيا عام 479 قبل الميلاد.

وفي الفترة بين 431 و404 قبل الميلاد خلال الحرب البيلوبونيسية التي قامت بين أثينا وأسبرطة، كانت سيكلاديز تميل للجانب الأثيني إلى حد ما، عدا بعض الجماعات في جزيرة ميلوس التي كانت تدعم أسبرطة، لذا تعرضوا للهجوم وهزموا على يد قوات أثينا في الفترة بين 417 و415 قبل الميلاد، وقتل كل الذكور والرجال في الجزيرة، وتم بيع النساء والأطفال عبيدًا، ومع تأسيس الرابطة الأثينية بين 477 و355 قبل الميلاد، عادت كل الجزر للانضمام إلى الجانب الأثيني والدفاع عنه ضد أسبرطة، لكن حدثت حالات تمرد مرة أخرى في كيوس عام 363 قبل الميلاد.

الفترة الهلنستية

بحلول العصر الهلنستي من القرن الثاني قبل الميلاد تقريبًا، كانت الجزر الكيكلادية تحت حكم بطالمة مصر والرومان، قبل أن تعود للحكم الأثيني عام 166 قبل الميلاد، وتمتعت حينها بفترة من الازدهار بفضل موقعها المميز في بحر إيجة، قبل أن تنتهي نهاية درامية حزينة بسبب الهجوم على ديلوس عام 88 قبل الميلاد على يد ميثراداتس، وأصبحت الجزر ملاذًا للقراصنة منذ 69 قبل الميلاد حتى العصور الوسطى، واختفت أي بقايا للحضارة الكيكلادية اليونانية من على الجزر حينما تحولت المعابد اليونانية هناك إلى مباني بازيليك مسيحية في القرنين الخامس والسادس الميلادي.

ومنذ منتصف القرن العشرين بعد اكتشاف حفريات أثرية مهمة في عدة مواقع وجزر هناك مثل كيا وميلوس وسيروس وإيوس وباروس وأندروس وكيروس، عاد العالم لتذكر سيكلاديز والحضارة الكيكلادية مرة أخرى، وما تزال أعمال التنقيب قائمة حتى الآن في بحر إيجة.