نشأت المملكة الآشورية في الشرق الأدنى في العصور القديمة، وكانت واحدة من أكبر الممالك وأهمها في تاريخ بلاد ما بين النهرين (نهري دجلة والفرات)، ويُعرف الآشوريون بأنهم الإمبراطورية الأكثر قسوة، فهم عشاق الحرب والفن الذين هيمنوا على الشرق القديم.

مكان المملكة الآشورية

عاش الآشوريون في العصور القديمة في مدينة آشور التي سُميت على اسم الإله آشور، وتقع المدينة في شمال بلاد الرافدين (العراق)، وسيطروا على جزء كبير جدًا من الأراضي التي امتدت في بعض الأحيان من جنوب العراق إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط. وحصلت مدينة آشور على استقلالها لأول مرة منذ حوالي 4 آلاف عام، وقبل الاستقلال كانت المدينة تحت سيطرة السومريين ولم تحصل على استقلالها إلا بعد انهيار الحضارة السومرية. وغالبًا ما يقسم العلماء العصر الآشوري إلى ثلاث فترات، وهي الفترة الآشورية القديمة والفترة الآشورية الوسطى والفترة الآشورية الجديدة، والجدير بالذكر أن الفترة الزمنية التي تغطيها كل فترة هي مصدر نقاش بين العلماء.

الفترة الآشورية القديمة

تشير الفترة الآشورية القديمة إلى الفترة التي تلت حصول آشور على الاستقلال لأول مرة منذ حوالي 4000 عام، وكانت قوة آشور محدودة في الفترة التي تلت استقلالها، ولم يشر حكامها الأوائل إلى أنفسهم على أنهم "ملوك" في نقوشهم، وبدلًا من ذلك أطلقوا على أنفسهم اسم "نائب" الإله آشور، ولم يعرف العلماء سبب استخدم حكام آشور الأوائل مثل هذه الألقاب المتواضعة!

والجدير بالذكر أن كل مظاهر التواضع هذه انتهت عندما غزا حاكم يُدعى "شمشي أدد" مدينة آشور واستولى عليها، مضيفًا المدينة إلى إمبراطورية سيطرت على مساحة شاسعة من أراضي العراق وسوريا، وتشير دراسة النقوش والبقايا الأثرية إلى أن شمشي أدد عاش منذ حوالي 3800 عام ولم يكن يقيم في آشور، بل في موقع بسوريا يسمى الآن "تل ليلان"، وبدلًا من منح نفسه لقبًا متواضعًا كما فعل الحكام الآشوريون الأوائل، أعطى لنفسه لقبًا يترجمه العلماء غالبًا على أنه "ملك الكون".

ولم تدم إمبراطورية شمشي أدد طويلًا، فبعد وفاته استولت الإمبراطورية البابلية بقيادة حمورابي ومملكة تعرف باسم ميتاني أو هانيغالبات على أراضي شمشي أدد.

الفترة الآشورية الوسطى

خلال القرن الرابع عشر قبل الميلاد، بدأت مملكة ميتاني في التلاشي وبدأ المسؤولون عن آشور في تأكيد استقلال المدينة، وفي بداية هذه الفترة، احتل "آشور أوباليط الأول" في 1328 قبل الميلاد منطقة بالقرب من آشور وسعى للحصول على اعتراف دبلوماسي من ملوك مصر وبابل.

وبعدها قام خلفاؤه بتوسيع أراضي المملكة الآشورية، حيث احتل "أداد نيراري الأول" ميتاني في القرن الثالث عشر قبل الميلاد، واستولى على مملكة حكمت آشور قبل قرن من الزمان، وادعى أداد نيراري أنه شيد قصرًا فوق تايدو قائلاً إنه بناه "من أعلى إلى أسفل" وأودع لوحة للإشارة إلى سيطرته على المدينة، واستخدم أداد نيراري الأول لقب "ملك الكون" لوصف نفسه، وهو اللقب الذي سيستخدمه أيضًا الملوك الآشوريون بعد ذلك.

وتقول السجلات إن خلفاء أداد نيراري الأول استمروا في توسيع آشور، حيث احتل الآشوريون بابل في عهد "توكولتي نينورتا الأول" ووصلوا إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط ​​في عهد "تيغلاث بلصر الأول" في 1076 قبل الميلاد.

وعلى الرغم من أن الحكام الآشوريين عُرفوا بالتفاخر بأنفسهم، حيث كتب تيغلاث بلصر أنه قتل 120 أسدًا في رحلة واحدة، تشير النقوش من زمنه، وتلك الخاصة بخلفائه، إلى المشاكل التي كانت آشور تعاني منها، فقد كانت المدن والحضارات في جميع أنحاء الشرق الأوسط تنهار عندما وصلت مجموعة من الناس من بحر إيجة إلى المنطقة، مما أدى إلى تشريد السكان المحليين وانهيار شبكات التجارة، وتقلصت أراضي آشور تدريجيًا واحتفظت المملكة بالسيطرة على آشور والأراضي القريبة منها فقط، ولم تتوسع آشور مرة أخرى حتى القرن التاسع قبل الميلاد.

 الفترة الآشورية الجديدة

 تحت حكم "آشور ناصربال الثاني" من عام 883 حتى عام 859 قبل الميلاد، استعاد الآشوريون معظم الأراضي التي كانوا يسيطرون عليها من قبل ووصلوا مرة أخرى إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، وتقديراً لإنجازاته، قام آشور ناصربال الثاني ببناء قصر جديد في مدينة نمرود واستخدم هذه المدينة بدلًا من آشور.

 واستمر الملوك الآشوريون بعده في سياسة إبقاء المُلك على مسافة من آشور، وأسس سرجون الثاني الذي حكم من العام 721 وحتى 705 قبل الميلاد، مدينة جديدة تسمى "خورساباد" وجعلها عاصمته، بينما بنى سنحاريب (حكم من 704 حتى 681 قبل الميلاد) قصرًا جديدًا في نينوى ونقل العاصمة الآشورية هناك.

ويُنظر إلى نقل مقر السلطة الملكية، في المقام الأول، على أنه استراتيجية، أولاً: لتحرير الملك من الإله آشور، وثانيًا: لإضعاف تأثير القوى الأرستقراطية والديمقراطية التي كان تأثيرها أقوى وأكثر وضوحًا في مدينة آشور.

وخلال الفترة الآشورية الجديدة، زاد ملوك آشور من حجم مملكتهم إلى أكبر حجم لها،  بالإضافة إلى استعادة بابل وجزء من لبنان وبدأ سلسلة من الحملات في فلسطين.

الدين في عصر المملكة الآشورية

عبد الآشوريون العديد من الآلهة، مثل أداد إله المطر والعاصفة وداغان إله الخصوبة الزراعية وآنو الذي يُعدّ أبو الآلهة لأنه إله السماء ونابو إله الكتابة والحكمة وعشتار إله الحب ونسروخ إله الزراعة ونوسكو رسول الآلهة وغيرها من الآلهة الأخرى. وكان الخوف بين الناس من الآلهة شيئًا تقليديًا، ففي الواقع، عُرفوا بالخوف الشديد من الآلهة الشريرة، وكذلك الخوف من الموت، وكانت هذه الإمبراطورية تحتوي على العديد من المعابد حيث يتجمع أبناء الرعية ويقدم الكهنة تضحيات للآلهة.

الفن في المملكة الآشورية

تميزت أبنية المملكة الآشورية بزخارفها الأنيقة والجميلة للغاية والتي تتميز بالإتقان الشديد، خاصة داخل القصور، وتلك هي التعبيرات الفنية التي جمّلت مدينة آشور بأكملها، ومن بين التعبيرات الفنية أيضًا، والأكثر صلة بالحضارة الآشورية، هي صناعة الفخار والرسم والنحت والعمارة.

سقوط المملكة الآشورية

بينما كان الآشوريون يندفعون بعيدًا إلى الغرب للتوسع، كانت الاضطرابات تختمر في الشرق، فخلال القرن السابع قبل الميلاد، كان على الحكام الآشوريين إخماد سلسلة من الثورات في بابل، وفي غضون ذلك، شنت مجموعة تسمى "الميديين"، ومقرها ما يعرف الآن بإيران، هجمات على القوات الآشورية. وتعرض الجيش الآشوري لهجوم من مجموعتين في أثناء محاولته الحفاظ على سيطرته في الغرب، وأصبح البابليون مستقلين تمامًا في عهد الملك البابلي "نبوبولاسر".

وفي عام 612 قبل الميلاد، شن الملك الميدي "سياكساريس"  هجومًا كبيرًا على نينوى وحاول الملك الآشوري "سينشارشكون"  إيقافه، ولكن دون جدوى، وذكرت النقوش البابلية أن القتال من أجل نينوى استمر لبضعة أشهر ودارت ثلاث معارك في ذلك الوقت، وبعد ذلك اقتحم الميديون المدينة نفسها، وسقطت المدينة ودمرها الجيش الميدي الذي حَول المدينة إلى تلال من الخراب وأكوام من الأنقاض.

وخاض الآشوريون المزيد من المعارك لكن جيشهم تمت تصفيته تدريجيًا ودُمرت أراضيهم أو تم الاستيلاء عليها، وليس من الواضح إذا ما كان سينشارشكون قد مات في نينوى أو في وقت لاحق في معركة مستقبلية، وبحلول عام 600 قبل الميلاد  تم تدمير المملكة الآشورية بالكامل.