الإمبراطورية الفارسية الثانية التي قامت بين عامي 226 إلى 651م، والمعروفة باسم الإمبراطورية الساسانية، هي الدولة التي تأسست على يد السلالة الساسانية التي أسسها الملك أردشير الأول، والتي استمرت حتى عام 651م حينما حاول الملك يزدجرد الثالث آخر الملوك الساسانيين مقاومة جيش الخلافة الإسلامية المبكرة، وكانت الإمبراطورية الساسانية تمتد لتشمل أراضي كل من العراق وإيران ومناطق من أرمينيا وأفغانستان والمناطق الشرقية من تركيا وعدة أجزاء من باكستان، وأطلق الساسانيون على إمبراطوريتهم اسم إيران شهر والتي تعني سيادة الإيرانيين الآريين، وأثر الساسانيون في بلاد فارس على الحضارة الرومانية بشكل كبير، وامتد تأثيرهم إلى ما وراء حدود الإمبراطورية ليصل إلى أوروبا الغربية وإفريقيا والصين والهند، بجانب أنهم لعبوا دورًا كبيرًا في ظهور العديد من الفنون المختلفة في فترة العصور الوسطى في أوروبا وآسيا.

بداية الإمبراطورية الساسانية

أسس الملك أردشير الأول عام 226م السلالة الساسانية، حيث كان في هذا الوقت حاكمًا لبارابجيرد، وتوجه أردشير إلى جنوب بيرسيس حيث بنى هناك مدينة أردشير خواراه وسط الجبال العالية المنيعة، وأصبحت هذه المدينة مركز الإمبراطورية الساسانية وقوتها، وبنى في الجزء الشمالي قصر كبير ما تزال بقاياه موجودة حتى الآن، وبعد ذلك قام الملك بتوسيع أراضي الإمبراطورية بسرعة، وسيطر على المحافظات المجاورة، فبدأ يلفت انتباه الملك أرتبانوس الرابع، الذي أمر حاكم خوزستان بالانقلاب على أردشير الأول عام 224م، لكنه انتصر عليهم وأفشل مخططهم، واستمر أردشير في السيطرة على المزيد من الأراضي الغربية في فارس والتي كانت تابعة للإمبراطورية الإخمينية، وتوج نفسه حاكم بلاد فارس الوحيد عام 226م، ولقب نفسه باسم شاهنشاه والتي تعني ملك الملوك.

وفي السنوات التالية قام الملك بتوسيع أراضي الإمبراطورية أكثر ناحية الشرق والشمال الغربي، فاستطاع أن يضم محافظات جرجان وسيستان وخراسان وبلخ ومرجيانا وخوارزم والبحرين والموصل، وبعد وفاة الملك أردشير الأول وتولي ابنه الملك شابور الأول، استمر التوسع في الإمبراطورية الساسانية، فاستطاع الملك الجديد أن يفتح أراضي باكتريا وكاشان وأنتوتشيا السورية بين عامي 253م و256م، ونجح في إلحاق الهزيمة بأباطرة روما مثل جورديان الثالث وفيليب وفاليريون، لكن بحلول 260م حتى 263م فقدت الإمبراطورية الساسانية بعض الأراضي لصالح الملك أودينثوس ملك تدمر وحليف الرومان، حيث تمكن الأخير من استعادة بعض أراضي الشرق التي أخذها الساسانيون من الرومان.

وجاء بعد الملك شابور الأول عدد من الملوك مثل بهرام الأول وبهرام الثاني وبهرام الثالث الذين كان عصرهم ضعيفًا وفقدت فيه الإمبراطورية الساسانية جزءًا من أراضيها، ثم جاء الملك نيرسيه عام 293م وحكم حتى 302م، وبدأ سلسلة حروب مرة أخرى مع الرومان، لكنه خسر في النهاية أمامهم واضطر لعقد اتفاقية بموجبها ترك الساسانيون أراضيهم غرب دجلة، ووافقت الإمبراطورية الساسانية على عدم التدخل مجددًا في شؤون كل من أرمينيا وجورجيا، وحكم بعد الملك نيرسيه ابنه هرمز الثاني الذي كان ضعيفًا ولم يستطع السيطرة على الإمبراطورية فقتل على يد البدو عام 309م في أثناء رحلة صيد قام بها.

العصر الذهبي للإمبراطورية الساسانية

يمتد العصر الذهبي للإمبراطورية الساسانية بين عامي 309م و379م، ويبدأ بعد وفاة هرمز الثاني وتعرض الإمبراطورية لهجمات من العرب من ناحية الجنوب، لا سيما على محافظة فارس التي تعد مسقط رأس الساسانيين، وحينها كان ابن الملك لا يزال جنين في بطن أمه وتوج على العرش وهو لا يزال في رحمها عام 309م، ووضع التاج على بطن أمه، وعلى هذا ولد شابور الثاني ملكًا، وكانت الإمبراطورية تحت حكم أمه ونبلاء الدولة حتى شّب، وهذا ما جعل العرب والرومان والأتراك يرون أن الإمبراطورية الساسانية لقمة سهلة لأن ملكها صغير السن.

لكن بعد أن وصل شابور لسن الرشد خالف التوقعات، واستطاع أن يقود الجيش ضد العرب في الجنوب ويؤمن الإمبراطورية الساسانية، ثم بدأ حملاته ضد الرومان غربًا، لكن أوقف الأتراك هذه الهجمات وهددوا الإمبراطورية الساسانية، فاضطر شابور الثاني لعقد معاهدة سلام مع الإمبراطور كوستنتيوس الثاني نصت على ألا يهاجم أحدهما أراضي الآخر لفترة معينة، وبعدها نجح شابور الثاني في التخلص من القبائل الآسيوية التي تمركزت في ترانسوكسيانا، وضم المنطقة لإمبراطوريته، وشن حملات أخرى على الرومان ضم فيها عدة محافظات رومانية، ووصلت الدولة في عهده لقمة ازدهارها.

العصر المتوسط للإمبراطورية الساسانية

يبدأ العصر المتوسط للإمبراطورية الساسانية من 379م بعد موت الملك شابور الثاني، حيث كانت البلاد مستقرة إلى حد كبير، على الرغم من وجود بعض الأوقات الضعيفة التي مرت بها الإمبراطورية إلا أن العصر كان في المجمل قوي ومستقر، وتولى بعد شابور الثاني أخيه الملك أردشير الثاني منذ عام 379 حتى 383م، لكنه لم يستطع النجاح مثل أخيه، حتى جاء الملك بهرام الرابع بين عامي 388م حتى 399م، لكنه أيضًا لم يستطع تحقيق شيء مهم للإمبراطورية إلا تقسيم أرمينيا بينه وبين الرومان، وبهذا استرد الساسانيون جزء من سيطرتهم على أرمينيا.

وجاء عدة ملوك بعد هذا أشهرهم بهرام الخامس، الذي يعد بطل الكثير من الأساطير الفارسية، ويطلق على فترة حكمه اسم العصر الذهبي للإمبراطورية الساسانية، لكن مع موته وخلال السنوات التالية تعرضت المملكة لعدم الاستقرار بسبب الهجمات التي شُنت ضدها، وبين عامي 496 إلى 498م اعتلى العرش الملك جماسب، والذي كان رحيمًا ورقيقًا وخفف الضرائب على الفلاحين والفقراء.

العصر الذهبي الثاني للإمبراطورية الساسانية

يبدأ العصر الذهبي الثاني للإمبراطورية الساسانية منذ 498م حتى 622م، والتي بدأها الملك قباذ الأول بمهاجمة الرومان والتفوق عليهم، وأسس عدة مدن منهم ما سمي باسمه، وبدأ في تأسيس نظام ضريبي، وجاء بعد وفاته على العرش ابنه الملك كسرى الأول عام 532م واستمر في الحكم حتى 579م، وعرف باسم أنوشروان أو الروح الخالدة، ويُعدّ أكثر الملوك الساسانيين شهرة في هذه الفترة بسبب إصلاحاته التي قام بها في الإمبراطورية، سواء من الناحية الاقتصادية أو الاجتماعية أو العسكرية، إذ إنه استطاع غزو سوريا ومحاصرة أنطاكية.

وبحلول عام 570م تمكن الساسانيون من تكوين قاعدة لهم جنوب بلاد العرب، بعد أن أصبح لهم حليفًا في اليمن وسيطروا على التجارة البحرية في منطقة الشرق وأصبحت جنوب بلاد العرب تابعة للإمبراطورية الساسانية بحلول عام 598م، وجاء بعد كسرى الأول الملك هرمز الرابع عام 579م واستمر حتى 590م، وأكمل ما كان يقوم به كسرى الأول بنشاط، وبحلول عام 590م تولى الملك كسرى الثاني حكم الإمبراطورية، واستمر في الحكم حتى عام 628م، وفي عهده سيطر على القدس ودمشق ومصر، وبحلول عام 622م تدهورت الإمبراطورية البيزنطية فاستغل الساسانيون الوضع وسيطروا على كل الأراضي التابعة لها عدا الأناضول.

سقوط الإمبراطورية الساسانية

على الرغم من الانتصارات التي حققها، أرهق الملك كسرى الثاني الشعب بالضرائب، واستغل الإمبراطور البيزنطي هرقل هذا الوضع وهاجم بلاد فارس عن طريق البحر الأسود، وبالحيلة والمكر الذي قامت به الإمبراطورية البيزنطية، استطاعت التغلب على كسرى الثاني، وخسرت بلاد فارس  جزء كبير من جيشها وأفضل جنرال لديها، ودخل الملك كسرى الثاني في حالة من الاكتئاب الشديد، وحدثت في أثناء ذلك معركة نينوي التي انتصر فيها هرقل بمساعدة الأتراك على جيش الإمبراطورية الساسانية ودخل لبلاد فارس، واغتيل الملك كسرى الثاني وعمت الفوضى أنحاء الإمبراطورية باغتياله، وضعفت الإمبراطورية الساسانية منذ هذا الوقت، لا سيما بعد الفتوحات الإسلامية التي حدثت بعد عام 632م، حيث نجح المسلمون خلال سنوات بسيطة من فتح أراضي بلاد فارس كلها بحلول عام 651م، وبحدوث هذا انتهت الإمبراطورية الساسانية تمامًا.