الدولة السلوقية هي واحدة من الممالك التي قامت بعد موت الإسكندر الأكبر وتفكك إمبراطوريته، وكانت أراضيها تشمل سوريا وبلاد الرافدين وبعض أجزاء من آسيا الصغرى والأراضي التي كان الإسكندر الأكبر سيطر عليها في الشرق وغيرها، وقامت الدولة السلوقية على يد مؤسسها سلوقس الأول، الذي نجح في أن يكون ملك ذو شأن وكفاءة، لذا لقب باسم نيكاتور وتعني المنتصر، وكان سلوقس واحد من قادة جيش الإسكندر الأكبر، بجانب أنه شارك في بناء الإمبراطورية المقدونية، قبل أن يؤسس دولته التي وصلت في القرنين الثالث والثاني قبل الميلاد لغرب آسيا وسوريا وتراقيا حتى الهند، وكان للسلوقيين دور مهم في تداخل الحضارة الإغريقية مع الحضارات الشرقية، بالإضافة إلى أن السلوقيين يشتهرون في الغرب بأنهم أعداء لروما، بسبب ما يعرف باسم الحروب الرومانية السورية التي قامت في الفترة بين 192 و188 ق.م.

نشأة الدولة السلوقية

كانت الإمبراطورية السلوقية المركز الرئيسي للثقافة الهلنستية، والتي نشأت منذ 312 قبل الميلاد وامتدت حتى عام 63 قبل الميلاد، وأسسها سلوقس الأول بعد أن قسمت الإمبراطورية المقدونية إثر وفاة الإسكندر الأكبر عام 323 قبل الميلاد، تاركًا إمبراطورية كبيرة دون وريث بالغ، لذا وضعت إمبراطوريته تحت سلطة بيرديكاس ليكون وصي على العرش، وقسمت أراضي الإمبراطورية بين رجال الإسكندر الذي أصبح كل واحد منهم حاكم مستقل، وعلى الرغم من هذا تنازع الحكام والجنرالات فيما بينهم على أراضي الإمبراطورية، وبتقسيم الإمبراطورية  من جديد عام 320 قبل الميلاد، حصل سلوقس على بابل واستمر في توسيع رقعته ونفوذه بلا هوادة، وأعلن عن تأسيس إمبراطورية من بابل عام 312 قبل الميلاد.

وامتد حكم سلوقس على الجزء الشرقي الكبير من إمبراطورية الإسكندر، ثم ضم بلاد ما بين النهرين وأرمينيا وكابادوكيا وبيرسيس وبارثيا وباكتريا والجزيرة العربية وتابوريا وصغديا وأراكوسيا وخيركانيا وغيرهم من البلدان وصولًا لنهر السند، وبحلول عام 301 قبل الميلاد سيطر سلوقس على شمال سوريا ومنطقة شرق الأناضول، وأسس عاصمة جديدة على نهر العاصي في أنطاكية، وأطلق عليها اسم والده، وأنشأ أيضًا عاصمة بديلة للدولة السلوقية على نهر دجلة بشمال بابل، وبحلول عام 281 قبل الميلاد وسع سلوقس سيطرته لتصل إلى غرب الأناضول، بعد أن استطاع هزيمة حليفه السابق "ليسيماخوس"، وكان يهدف لفرض سيطرته على مزيد من أراضيه إلا أنه أغتيل على يد بطليموس سيرونوس عندما وصل لأوروبا.

فترة حكم أنطيوخس الأول سوتر وابنه

بعد موت سلوقس تولى ابنه أنطيوخس الأول سوتر زمام الحكم، وكان تحت يده في هذا الوقت مملكة كبيرة تضم آسيا كلها تقريبًا، وحكم في الفترة بين 281 و261 قبل الميلاد، إلا أنه واجه صعوبات كبيرة مع بطليموس الثاني فيلادلفوس في مصر وأنتيغونوس الثاني غوناتاس في مقدونيا، الأمر الذي جعله غير قادر على إثبات وجوده، وبوفاته وصعود ابنه أنطيوخوس الثاني على العرش عام 261 قبل الميلاد، استمر في مواجهة نفس التحديات التي كان يواجهها والده، لا سيما الحروب مع بطليموس الثاني وغزو آسيا الصغرى، وبنهاية فترة حكمه كانت كل المحافظات أعلنت استقلالها في وقت واحد، مثل باكتريا وسوغديانا وديدوتوس وكابادوكيا وبارثيا وغيرهم، وبعد عدة سنوات تحديدًا عام 246 قبل الميلاد هزم أنطيوخوس الثاني وقتل على يد البارثيين.

فترة حكم سلوقس الثاني كالينيكوس

بعد موت أنطيوخوس الثاني جاء ابنه سلوقس الثاني كالينيكوس وجلس على العرش عام 246 قبل الميلاد تقريبًا، لكنه هزم في المعارك السورية التي خاضها ضد بطليموس الثالث، وخاض حربًا أهلية ضد أخيه أنطيوخوس هيراكس، وفي خضم هذا انتهزت باكتريا وبارثيا الأمر وانفصلوا عن الدولة السلوقية، ثم بدأت الدولة تفقد سيطرتها في آسيا الصغرى، حيث ظهر الغالون والعديد من الممالك شبه الهلينية.

فترة حكم أنطيوخوس الثالث الأكبر ومن بعده

تبدأ فترة تسمى الإحياء بصعود الابن الأصغر لسلوقس الثاني "أنطيوخوس الثالث الأكبر" على العرش عام 223 قبل الميلاد، والذي أثبت أنه أعظم الحكام السلوقيين الذين مروا في التاريخ، إذ إنه حقق العديد من الانتصارات في معاركه التي خاضها، على رأسها معركة جبل لابوس ومعركة أريوس، ثم خاض معركة بانيوم عام 198 قبل الميلاد، والتي بموجبها حصل على ما كان يمتلكه البطالمة ليصبح كله في حوزة السلوقيين، وبحلول عام 197 قبل الميلاد أراد أنطيوخوس التوسع في اليونان، لكنه تصادم بشكل سيء مع الإمبراطورية الرومانية الجديدة في البحر الأبيض المتوسط، وعانى جيشه من هزائم ساحقة، واضطر لتوقيع معاهدة سلام تفيد بانسحابه من الأناصول وتوقفه عن توسيع الأراضي السلوقية.

وتوفي أنطيوخوس عام 187 قبل الميلاد في أثناء قيامه برحلة استكشافية للشرق لنهب الأموال، وبموته تولى ابنه سلوقس الرابع فيلوباتور العرش عام 187 قبل الميلاد وظل فيه حتى 175 قبل الميلاد حين اغتيل على يد وزيره هيلودوروس، وصعد بعده على العرش أخوه الأصغر أنطيوخوس الرابع إبيفانيس الذي سعى لاستعادة هيبة السلوقيين مرة أخرى، ونجح إلى حد ما في البداية فيما كان يطمح إليه، إلا أن بأواخر عهده تفككت الإمبراطورية أكثر على الرغم من كل محاولاته ألا يحدث هذا، إذ أصبحت الدولة السلوقية منهارة اقتصاديًا وعسكريًا وفقدت هيبتها أمام الجميع، لا سيما أمام المتمردين في الشرق، واستطاع البارثيون الاستيلاء على الأراضي الفارسية القديمة وقامت ثورة المكابيين، وفي خضم هذا توفي أنطيوخس في أثناء حملة عسكرية كان يقودها ضد الفرثيين عام 164 قبل الميلاد.

واستمرت الدولة السلوقية في الانهيار بشكل كبير، لا سيما بسبب الصراعات على السلطة، فبحلول عام 143 قبل الميلاد حقق المكابيون استقلالهم التام وتوسع البارثيون أكثر، وبحلول عام 139 قبل الميلاد سيطر البارثيون على الهضبة الإيرانية بالكامل وهزموا السلوقيين، وبتولي أنطيوخوس السابع سيدتس العرش حاول استعادة ما فقدته الدولة، ونجح بالفعل في استعادة بابل وبلاد ما بين النهرين مرة أخرى، لكنه قتل في إحدى معاركه ضد البارثيين عام 129 قبل الميلاد، والتي عرفت باسم معركة إكباتانا، وبوفاته تمكن البارثيون من استعادة كل الأراضي الشرقية مرة أخرى.

انهيار الدولة السلوقية

يمكننا أن نطلق على الفترة بين 100 إلى 63 قبل الميلاد فترة انهيار الدولة السلوقية، حيث أنها بحلول عام 100 قبل الميلاد لم تكن تمتلك سوى أراضي أنطاكية وعدة مدن سورية فقط، وبحلول عام 83 قبل الميلاد قام تيغرانس الكبير ملك أرمينيا بغزو سوريا وتنصيب نفسه حاكمًا عليها، وهذا وضع السلوقيين على أول طريق نهايتهم، حيث أنه بحلول عام 63 قبل الميلاد بدأ الرومان بتشكيل الشرق الهيليني وإنشاء ممالك ومقاطعات جديدة، لذا تخلص القائد الروماني بومبي من كل الأمراء السلوقيين المتنازعين على العرش وجعل سوريا مقاطعة رومانية، وبهذا انتهت الدولة السلوقية.