الغجر هم جماعات من الناس يغلب على حياتهم الترحال والتنقل من بلد لبلد ومن مكان لمكان لأهداف نفسية أو تقاليد موروثة أو للبحث عن متطلبات الحياة، وتسكن هذه الجماعات الخيام، إلا قلة قليلة منهم ممن عاشروا أهل المدينة والحضر، فتأثروا بهم وتركوا حياة الترحال وفضلوا الاستقرار وسكن البيوت بدلًا من الخيام، وتنقسم شعوب الغجر -أو كما يطلق عليهم أيضًا اسم "الرما"- إلى الرومن أو الروماني الذين يعيشون في أوروبا، والدومر والنوار والكاولية الذين يعيشون في الشرق الأوسط، وقد تعرض الغجر على مدار حياتهم للاضطهاد، لا سيما على يد الحكم النازي، لذا ففي عام 1992م حددت الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي يوم الثامن من أبريل ليكون اليوم العالمي السنوي للغجر، لكي يكون تذكرة بمعاناتهم التي تعرضوا لها، وما واجهوه من تمييز واضطهاد، ولتعريف الشعوب الأخرى بثقافتهم والاحتفال بها.

اسم الغجر

يسمي الغجر أنفسهم باسم الروم، وهو اسم معناه الرجل أو الزوج، إلا أن أسماءهم تختلف من بلد لبلد، فمثلًا في الدول العربية يشتهروا بأسماء مثل النّور والزط والغجر والقرباط، أما في الهند فيشتهرون باسم اللوري، بينما يطلق عليهم في إنجلترا والكومنولث والولايات المتحدة الأمريكية اسم الجبسي (كلمة مأخوذة من Egypt أو مصر)، وهذه التسمية لرواية غير صحيحة تظن أن نسبهم يعود لمصر، أما في فرنسا فيعرفون باسم التزيجان، وهي أكثر الأسماء شيوعًا عليهم على مستوى العالم، ويطلق عليهم هناك أيضًا اسم البوهيميين، بينما يعرفون في إسبانيا باسم جيتان أو زنجالي، وفي إيطاليا باسم زيجاري، وفي شمال أوروبا يطلق عليهم اسم تارتارز أو المتوحشين.

أصل الغجر وتاريخهم

تقول الأدلة الجينية والتحليل اللغوي أن أصل العرق الغجري والغجر ربما يكون من شمال الهند وإيران وبعض المناطق في وسط وجنوب آسيا، إذ تتطابق العديد من كلمات الغجر وقواعد لغتهم النحوية مع القواعد والكلمات الموجودة في اللغة الهندية، وقال علماء تحليل البيانات الجينومية الذين حللوا 13 طائفة للغجر إنهم ربما تركوا شمال الهند وبدأوا الترحال بين القرن الرابع والقرن الخامس الميلادي، ووصلوا إلى دول البلقان كالمجر وصربيا منذ 900 عام، ثم انتشروا في بولندا وروسيا والسويد وإنجلترا في القرن السادس عشر الميلادي، واستوطن العديد منهم في إسبانيا، لكن كل هذه التواريخ تقريبية، لأنه ما من أحد حتى الآن يعلم على وجه اليقين متى ترك الغجر الهند لأول مرة، ولماذا تركوها؟

إلا أن المؤكد أن حضورهم كان جليًا منذ القرن العاشر الميلادي في بلاد فارس، وقد تابع العديد منهم الرحيل من فارس ضمن فرعين رئيسيين، أحدهما سلك طريق جنوب غرب عبر العراق باتجاه مصر وشمالي إفريقيا، بينما سلك الفرع الآخر درب شمال غرب عبر العراق وسوريا والأناضول، ليصلوا بحلول القرنين الخامس عشر والسادس عشر لدول أوروبا الشرقية والوسطى، على رأسهم المجر والبلقان وغرب ألمانيا وفرنسا، وعبر البعض منهم إلى شمال أوروبا وبريطانيا والأمريكتين وأستراليا في النصف الأخير من القرن العشرين.

أهم العادات والتقاليد عند الغجر

معظم الغجر لا يعرفون القراءة والكتابة، وهم أصحاب مظهر متشابه إلى حد ما، حيث تتسم بشرتهم بالميل إلى اللون القمحي المائل للسواد، بينما هناك مجموعة قليلة منهم ليسوا كذلك، ولا يوجد لديهم ملابس معينة يرتدوها، وإنما يلبسون نفس الملابس التي يتم ارتداؤها في البلد الذي يعيشون فيه، وتحب نساء الغجر ارتداء الملابس الفضفاضة المزركشة والإكثار من الحلي وغيرها من أنواع وأدوات الزينة، ويعود هذا لاهتمامهم بالرقص والغناء في المقام الأول، بجانب أن حياتهم تتسم بالبساطة إلى حد كبير، ولديهم العديد من العادات والتقاليد الموروثة التي يتبعونها حتى الآن بالنسبة للزواج والموت وغيره، ومن أهم هذه العادات والتقاليد ما يأتي:

عادات الزواج عند الغجر

يتزوج الغجري من فتاة غجرية في سن صغير للغاية، ويجب عليه تأدية طقوس الاحتفال بدقة، إذ يعطي الشاب للبنت التي يختارها لفافة عنقه، فإذا قبلت بها فهذا يعني موافقتها على الزواج منه، وإن لم تقبلها فهذا يعني أنها ترفضه، ومن أغرب عادات الزواج عندهم تصافح الزوجان ثم كسر قطعتين من الخبز وسكب كل طرف منهم بضعة قطرات من دم إبهامه عليها، بحيث يأكل كل واحد منهم قطعة الآخر، ثم يكسر باقي الرغيف على رؤوسهما، وبعدها يغادران مكان الاحتفال ولا يعودان إلا في اليوم التالي ليشاركوا في الرقص والغناء، وبهذا يتم الزواج، أما فكرة الطلاق فهي شيء نادر جدًا بين الغجر.

عادات الولادة عند الغجر

قديمًا كانت المرأة الحامل في نظر الغجر غير طاهرة، وعلى هذا كانوا يقومون بعزلها في خيمة منفصلة بعيدة، وحين يحين موعد الولادة تذهب الأم وحدها إلى شجرة بعيدة وتضع مولودها هناك أو تضع وليدها في خيمة أخرى، وتستمر فترة عزلها بعد الولادة لمدة أسبوعين إلى شهرين، بعدها يمكن للمرأة العودة لممارسة حياتها الطبيعية، بالإضافة إلى أن الأب لا يمكنه لمس الرضيع إلا بعد التعميد، أما الآن فإن الغجرية بإمكانها الذهاب للولادة في المستشفى ويستطيع زوجها زيارتها هناك أنى شاء.

عادات الوفاة عند الغجر

بعد وفاة واحد من الغجر يقوم من حوله بحرق عربته أو بناء خيمة له وتدميرها بدلًا من إحراق العربة، وقبل دفن الجثة لا يجب على الغجر تناول الطعام والشراب، ويقوم ثلاثة من الغجر بحراسة جثة المتوفى لحمايتها من الأرواح الشريرة، إلا أن هذه العادة قد انتهت عام 1915م، وبالنسبة للكفن فإنه لابد من أن يكون واسعًا ليحتوي كل ممتلكات المتوفي التي ستدفن معه، ويقوم من حوله بإلباسه أفضل ملابس لديه، بجانب أن المرأة حين تموت تدفن معها كل أشيائها الثمينة إلا إذا كانت لديها بنات من دم غجري كامل، حيث يرثن كل ممتلكاتها.

الثقافة عند الغجر

يشتهر الغجر بثقافتهم الموسيقية التي أثرت على موسيقى الجاز والفلامنكو والبوليرو، بالإضافة إلى أنهم يتقنوا الرقض والغناء الارتجالي، ويقدمون موسيقاهم في السيرك والمتنزهات، وتغلب على أغانيهم الطابع الحزين والإيقاع الراقص، وتقول إيلينا بيتروفيتش الباحثة في تاريخ الغجر عنهم: "إن الموسيقى هي روح الغجر الخلاقة التي يتغلبون بها على أحزانهم".

المهن عند الغجر

لطبيعة حياة الترحال عند الغجر فإنه لا يسمح لهم بامتلاك الأراضي في البلاد التي يعيشون فيها، لذا تتركز أغلب مهنهم على تجارة الأحصنة والبغال وغيرها من الحيوانات وبيعها أو على غيرها من أنواع التجارة التي تسمح بالتنقل، والصناعات اليدوية مثل صناعة المشغولات الفضية والذهبية والحديدية.