تعود جذور قبائل الأمازيغ (Imazighen) في شمال إفريقيا إلى عصور ما قبل التاريخ، ويطلق عليهم البعض لفظ "البربر" ولكنه لا يلقى أي قبول من جانب الأمازيغ! فإذا صادفت أحدًا منهم، يجب عليك ألّا تستخدم هذا اللفظ إطلاقًا، بل استخدم لفظ الأمازيغ والذي يعني (الإنسان النبيل). وأُطلق عليهم قديمًا عدة أسامي منها (المور والمازيس).
وفي هذا الموضوع من موقع "مشربية" نأخذكم في جولة تاريخية نعود بها إلى الماضي العتيق لنقربكم أكثر من قبائل الأمازيغ وتاريخهم ومعتقداتهم وأماكن تواجدهم.
البداية والأصل
تدل الحفريات القديمة على أن جذور الحضارة الأمازيغية تعود إلي أكثر من 12 ألف سنة، وذكرت الكتابات المصرية القديمة أن الحضارة الأمازيغية أتت قبل الميلاد بثلاثة آلاف سنة، وأطلق المصريون القدماء على الأمازيغ اسم ( المشوشين)، وهم من نسل ثقافة (بحر قزوين). وتنقسم عروقهم إلى أربعة مسميات هي القبائل والشاوية والمزابيين والطوارق.
وقبائل الأمازيغ هم سكان شمال إفريقيا الأصليين الذين يحدهم من الشمال البحر المتوسط ومن الجنوب الصحراء الإفريقية. وهناك نظرية تقول إن الأمازيغ من "أصل عربي"، أي أنهم عرب رُحِلّوا من اليمن إلي شمال إفريقيا قديمًا، ولكن العلماء دحضوا تلك النظرية، وأظهر تحليل الحمض النووي الذي أُجري على عدد كبير من سكان شمال إفريقيا أن مُعظم السكان من أصل أمازيغي، وأن الأمازيغ محليين في شمال إفريقيا وغير مُهاجرين.
أماكن تواجد الأمازيغ
تتواجد أغلب القبائل الأمازيغية في المغرب والجزائر بمجموع يقارب 30 مليون فرد في البلدين، ويمكن تقسيم هذه المجموعات إلى ثلاث مجموعات رئيسية لها لهجات مختلفة: الريف والشلوح والأمازيغ المغربي المركزي. ويتواجدون أيضًا في جمهورية مصر العربية، تحديدًا في واحة سيوة بما يقرب الخمسين ألف فرد، وفي تونس وليبيا، بالإضافة إلى موريتانيا والنيجر ومالي وبوركينا فاسو.
ويعيش ثلثا الأمازيغ في المناطق الريفية والجبلية، ومعظمهم من المزارعين، وقبل الاستقلال عام 1956 كان نصف المغرب العربي من الأمازيغ، وبعد ذلك أصبحت اللغة العربية هي اللغة الرئيسية وبدأت فترة التعريب (أجندة بدأتها الحكومة لمواجهة القيم الإستعمارية الفرنسية).
اللغة والديانات
-تنقسم اللغة الأمازيغية إلى أكثر من لغة ولهجة فرعية، وللأسف أغلبها مُهدد بالانقراض، ونستعرض منها ما يلي:
1) الأمازيغية (اللغة الأم)
وهي من أسرة اللغات الأفروآسيوية، ويتحدثها عدد كبير من القبائل الأمازيغية المتواجدة في دولتي المغرب والجزائر.
2) أمازيغية أرزيو
وفقًا لليونسكو، بالكاد يواصل 2000 شخص التحدث باللغة الأمازيغية المحلية في منطقة أرزيو.
3) التیرت (شرشال)
يتحدث بها 15000 شخص في الجزائر.
4) تسنوسيت (تلمسان)
في هذه المنطقة من تلمسان -جزيرة أمازيغية تقع غرب الجزائر- اليوم، لا يزال كبار السن فقط يتحدثون لغة التسنوسيت، ووفقًا لتقديرات اليونسكو، بقي حوالي 1000 متحدث بها فقط.
5) زناتية
يتحدث بها حوالي 50.000 شخص.
6) المزابية
يتحدث بها 150 ألف شخص، معظمهم في غرداية في وادي مزاب.
7) قورارية
يتحدث بها قرابة 80 ألف ساكن في منطقة توات من أصل ما يقرب من 400 ألف نسمة.
8) سند
وهي مُنقرضة بحسب اليونسكو.
9) تماشقية
لا يزال حوالي 120 ألف شخص يتحدثون هذه اللغة، ولا سيما في تامنراست.
10) التقرتية
يتحدث بها ما يزيد قليلاً عن 8000 شخص، وفقًا لليونسكو.
أما عن الديانة، فيعتنق الأمازيغ الإسلام، ويتبع معظمهم المذهب المالكي، ويتبع آخرون المذهب الإباضي، وبعضهم يعتنق المسيحية، وأيضًا هنالك معتقدات تقليدية موروثة.
كيف تحولت دول شمال إفريقيا من الأمازيغية إلى العربية؟
أولًا، من الضروري التمييز بين انتشار الإسلام وفرض العروبة، ففي الواقع، ظهر الإسلام وانتشر بسرعة كبيرة في شمال إفريقيا وأصبحت البلدان الأمازيغية مسلمة على مدى أقل من قرنين (خلال القرنين السابع والثامن)، بينما لم يتحقق تعريبها بالكامل حتى يومنا هذا. ويمكن تفسير تحول العرق الأمازيغي الأصلي إلى عرق عربي من خلال الرغبة الدينية للأمازيغ في استخدام لغة النبي والرغبة اللاحقة في تبني انتمائه العربي، وهكذا تجذرت فكرة أن شمال إفريقيا يتكون من الأمازيغ الأصليين والعرب المهاجرين.
وعلى العكس تمامًا، فإن جميع السكان هم في الواقع من القبائل الأمازيغية، لأن الناطقين باللغة العربية والسكان ولدوا جميعًا في هذه الأرض الأمازيغية في شمال إفريقيا، ولم يكونوا مهاجرين.
ولعب الأمازيغ الذين غيّروا انتماءهم إلى العرق العربي دورًا في "تعريب" بقية الأمازيغ وأقنعوهم "بالتخلي عن لغتهم وعادات أجدادهم"، وهو الموقف الذي تبناه العديد من الأمازيغ الذين تحولوا عرقيًا وكانوا فخورين بهذا التحول. ومن هنا، بات مؤكدًا أن هذا التحول كان بدوافع عرقية فقط وأن كل أمازيغي يتحول إلى العرق العربي هو أداة لتحويل غيره من الأمازيغ!
وبالرغم من ذلك، ساهم تحول العرق الأمازيغي إلى العرق العربي بشكلٍ كبير في تدمير الهوية الأمازيغية في شمال إفريقيا، فالشعب الأمازيغي مشتت اليوم وخاضع لسيادة دول مختلفة ذات أنظمة مختلفة، وهذا ما يفسر التحركات الأمازيغية لإزالة الحواجز التي تعرقل الجهود المبذولة لحماية الأمازيغ وتعزيزهم وتوحيدهم.
رأس السنة الأمازيغية
يحتفل الأمازيغ بعيد رأس السنة الأمازيغية في 12 يناير من كل عام، والذي أصبح عطلة وطنية رسمية في الجزائر، ولكن كيف يتم حساب التقويم الأمازيغي؟
التقويم الأمازيغي مبني على النظام الشمسي والسنة الزراعية الجديدة هي رأس السنة الأمازيغية، ولا يرتبط التقويم الأمازيغي بأي حدث ديني.
كيف بدأ التقويم الأمازيغي؟
من المعلوم أن لكل تقويم بداية أو حدث بارز يدل عليه، وكذلك التقويم الأمازيغي، فهو يرتبط بتاريخ الانتصار الأمازيغي على المصريين القدماء وصعود الملك شيشنق الأول على "العرش الفرعوني" خلال فترة حكم الملك رمسيس الثاني، وبحسب الأسطورة، وقعت هذه المعركة في مدينة تلمسان الجزائرية عام 950 قبل الميلاد.
فترات مهمة في تاريخ الأمازيغ
- في عام 1995، اعتمد المؤتمر العالمي الأمازيغي علم يمثل الهوية الأمازيغية والخصوصية الثقافية في جميع أنحاء العالم، ويتكون هذا العلم من الأزرق والأخضر والأصفر، مما يوضح البيئة الطبيعية للأمازيغ، فالأزرق يرمز إلى لون السماء والبحر، والأخضر هو لون الجبال والغابات، بينما يمثل اللون الأصفر الصحراء، وفي الوسط، تمت كتابة الحرف الأمازيغي "Z" باللون الأحمر، حيث أن هذا الحرف جزء من الكلمة الأمازيغية والإيزوران، والتي تعني الجذور.
- في عام 2009، أُطلقت قناة تلفزيونية حكومية جزائرية لبث برامج باللغة الأمازيغية على جميع قنواتها، واعتُمدت الأمازيغية لغة رسمية في المغرب إلى جانب اللغة العربية منذ عام 2011، وأصبحت لغة رسمية في الجزائر في عام 2016.