يشير مصطلح عصر النهضة الكارولنجية (بالإنجليزية: Carolingian Renaissance) إلى فترة حكم الإمبراطور شارلمان (حاكم الإمبراطورية الكارولنجية) في القرن الثامن حتى نهاية القرن التاسع ميلادي، والتي تتميز بحركة إحياء الاهتمام بالتعليم الكلاسيكي في كل أرجاء الإمبراطورية وشملت آنذاك فرنسا وألمانيا وإيطاليا، وهي حركة مشابهة للنهضة الإسبانية في القرن السابع والنهضة الأوتونية في وسط أوروبا وجنوبها ونهضة إنجلترا وفرنسا في القرن الثاني عشر.
دعا شارلمان ملك الفرنجة إلى إحياء ثقافي في القرن الثامن ميلادي واتخذ من الإمبراطورية القسطنطينية التي ازدهرت في بداية القرن الرابع ميلادي نموذجًا له، ويشار إلى أن قسطنطين يُعدّ أول إمبراطور روماني يعتنق المسيحية ويخلف إرثًا يضم القوة العسكرية والثقافة والفن، ليرى شارلمان في نفسه قسطنطين الجديد بعد توليه الحكم، إذ حرض على حركة الإحياء عبر كتاباته التي من أهمها التحذير العام (باللاتينية: Admonitio Generalis) وخطاب الرسالة (باللاتينية: Epistola de Litteris) وفي الزراعة (باللاتينية: Colendis).
وعبّر شارلمان في كتاباته عن توجهات صريحة ورغبة في إصلاح الكنيسة والإصلاح الثقافي والسياسي والفني والأدبي، ولقى الدعم من علماء البلاط الكارولينجي، لا سيما ألكوين، مما نتج عنه زيادة في الإنتاج الأدبي والكتابة والعمارة والفقه والدراسات الكتابية والإصلاح الليتورجي (إعادة اكتشاف ممارسات العبادة وطقوسها).
أهم الأحداث التاريخية خلال عصر النهضة الكارولنجية
ضم عصر النهضة الكارولنجية العديد من الأحداث والإنجازات على يد شارلمان، والتي أنهت عصر الظلمات في أوروبا الغربية، وفيما يأتي ذكر أبرزها وبيانها:
- توحيد غرب أوروبا
بدأ شارلمان في بداية حكمه بشن عدة حملات عسكرية أدت إلى توحيد معظم أوروبا الغربية لأول مرة منذ سقوط الحكم الروماني تحت إمبراطورية واحدة أطلق عليها الإمبراطورية الكارولنجية، مما مهد الطريق أمام حركة النهضة التي دعا لها، ويُعدّ هذا الإنجاز الخطوة الأولى لعصر النهضة الكارولنجية.
- نشر المسيحية
ساهم شارلمان في نشر المسيحية في عصر النهضة الكارولنجية، إذ خصص الأموال والأراضي للكنيسة وقدم الحماية للباباوات ودعا لإصلاحات دينية عززت قوة الكنيسة وعمل على تثقيف رجال الدين وتحسين مهاراتهم وساعد على إيجاد الممارسات والطقوس الدينية الموحدة وقام أيضًا بنسخ كتاب تعاليم القديس بنديكت وتوزيعه وجعله معيارًا للرهبان في جميع أنحاء أوروبا واهتم بالموسيقى الكنسية وساعد على انتشارها وأدائها في معظم المناسبات في جميع أنحاء الإمبراطورية.
- إنهاء الركود الثقافي
أسس شارلمان لفترة عرفت بفترة النشاط العلمي إذ جمع علماء البلاط الملكي الذين قدموا الدعم بهدف إنشاء أسس وقواعد تساعد على الإرتقاء بالثقافة والتخلص من الجهل والركود الثقافي حيث بدأت فترة الازدهار العلمي والأدبي والفني والمعماري.
- توحيد العملة
ألغى شارلمان النظام النقدي السائد في أوروبا الغربية والقائم على معيار الذهب، وأسس معيارًا جديدًا يعتمد على الفضة مقسم لعدة فئات، مما ساعد على الازدهار التجاري بدرجة كبيرة.
- زيادة النشاط المعماري
نشطت الحركة المعمارية في عصر النهضة الكارولنجية وكانت آخن مركزًا رئيسيًا للعمارة والبناء حيث أنشئت كنيسة بالاتين، وهي تحفة من تحف العمارة الكارولنجية، والتي عُرفت بالكنيسة الإمبراطورية لشارلمان.
- الاهتمام بالتعليم
أمر شارلمان ببناء المدارس وتوسيع نظام التعليم إنطلاقًا من اهتمامه بالتعليم، وعمل على توحيد المناهج الدراسية وساعد على زيادة عدد الطلاب وقدم التسهيلات التي وفرت الأدوات الأساسية في المدارس من كتب ومكتبات وتقنيات تدريس شكلت أساسًا لاستكمال إنجازات عصر النهضة لاحقًا.
- الحفاظ على الأدب الكلاسيكي
أسس شارلمان مكتبة وأمر بنسخ النصوص الدينية إضافة إلى الأدب الكلاسيكي، ويشار إلى أن عملية حفط المخطوطات ونسخها من الأدب الكلاسيكي اللاتيني إلى الإنجليزي تمت باستخدام الكارولينجان الصغير (بالإنجليزية: Carolingian Minuscule)، وهو كتاب لتوضيح أساليب الكتابة والنصوص وأشكال الخطوط الحديثة في أوروبا والذي سهل عملية الترجمة وسمح بتوفير ترجمات أوضح باللغة المحلية، إذ كانت الكتب اللاتينية صعبة القراءة والفهم، ويشار إلى أن الكارولينجان الصغير استخدم في أوروبا لما يقارب 400 عام.
- تحقيق الإصلاح الإداري
حقق شارلمان الإصلاح الإداري الذي مكنه من الإشراف على رجال الدولة في أبعد الأراضي من خلال منح سلطة واسعه لممثليه الشخصيين، مما ساعد على تأسيس نظام مراقبة وتفتيش منتظم كان من أهم الإبتكارات الذكية لحكومة عصر النهضة الكارولنجية.
- فن عصر النهضة الكارولنجية
نتج عن عصر النهضة الكارولنجية تغييرًا جذريًا في الفنون البصرية وأصبح الاهتمام بالفنون المعدنية مثل المجوهرات والأسلحة المزينة بالزخارف والأحجار الكريمة، والذي كان منتشرًا قبل عهد حكم شارلمان، ظاهرًا بشكل جديد ومعدل إذ استخدمت الذخائر المرصعة بالمجوهرات والكتب المصورة ووضعت في الأديرة المتميزة بتركيزها على النماذج الكلاسيكية العتيقة.
ويشار إلى أن استخدام الصور السردية المرتبطة بالمسيحية أصبح أكثر ظهورًا وشيوعًا مقارنة بالفترات السابقة، وتميز الفن حينها بغنى تقاليده وتنوعها مما سمح بتطوير طرق جديد في الرسم واختراعها من قبل فناني عصر النهضة الكارولنجية.
وتُعدّ أهم الأعمال الفنية الكارولنجية وأفضلها تلك ذات الأبعاد الصغيرة التي تحتوي على الزخرفات والنحت العاجي والأعمال المعدنية، ويشار إلى أن المنحوتات العاجية كانت مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالصور التشكيلية المصغرة، والتي شكلت في الأصل جزءً من أغلفة الكتب، وكانت القطع المعدنية في الفن الكارولنجي من أندر الأعمال الفنية المتوفرة في عصرنا الحالي على الرغم من ازدهار النشاط الفني المعدني من قبل الصاغة، ويُعدّ المذبح الذهبي الكبير لسانت أمبروجيو في ميلانو ومذبح المحمول لأرنولف في ميونخ من أشهر الأعمال الفنية المنبثقة عن عصر النهضة الكارولنجية.
- عمارة عصر النهضة الكارولنجية
شهد عصر النهضة الكارولنجية تطورًا مهمًا في شكل العمارة المنتشرة آنذاك ونمطها إذ أصبحت العمارة ذات إطارات هيكلية متطورة ودعامات وسماكات توفر الحماية الأكبر، وبرز استخدام الأقواس المنحنية إضافة إلى التصميمات المعقدة الممزوجة بنكهة فنية نقية.
ويمكن تعريف عمارة عصر النهضة الكارولنجية بأنها العمارة ذات الطراز الأوروبي المنتشرة ما بين القرن الثامن والقرن التاسع ميلادي المنبثقة من العمارة البيزنطية المسيحية المبكرة والمستمدة منها والظاهرة بأسلوب مبتكر وجمالي، وفيما يأتي أهم 10 معالم أثرية تعود بتاريخها لعصر النهضة الكارولنجية:
- دير فريموتيرز (Faremoutiers Abbey)
- دير اشتيرناخ (Abbey of Echternach)
- دير مونتييه أون دير (Montier-en-Der Abbey)
- دير سانت غال (Abbey of Saint Gall)
- دير شارليو (Charlieu Abbey)
- دير سانت ميدارد (Abbey of St. Medard)
- دير أمورباخ (Amorbach Abbey)
- دير بنديكت بويرن (Benediktbeuern Abbey)
- دير شيل (Chelles Abbey)
- دير كوربي (Corbie Abbey)