معاهدة فردان هي اتفاقية قسّم بموجبها أبناء لويس الورع الثلاثة الإمبراطورية الكارولنجية إلى ثلاث ممالك، حيث أعلن الابن الأكبر عداوته لأخويه عقب وفاة والدهم، وبعد هزيمته عقب معركة فونتيني التي كانت ضمن الحرب الأهلية التي قامت بين الأخوة، اضطر إلى اللجوء للتفاوض مع أخويه.
الإمبراطورية الكارولنجية
بقيت الإمبراطورية الكارولنجية بين عامي 800-888م وكانت إمبراطورية عظيمة يحكمها الفرنج في وسط أوروبا وغربها في أوائل العصور الوسطى، وبالتحديد كان ملوكها من سلالة كارولينجيان التي حكمت البلاد منذ بداية تأسيسها، وبلغت الإمبراطورية أوج ازدهارها في عهد الملك شارلمان، الذي توّجه إمبراطورًا البابا ليو الثالث، في محاولة لتعزيز وجود الإمبراطورية الرومانية في الغرب بعد أن كان مركزها في الشرق، وتعد الإمبراطورية الكارولنجية المرحلة الأولى في تأسيس الإمبراطورية الرومانية المقدسة، والتي استمرت حتى حلول عام 1806م.
إمبراطورية شارلمان
كان تشارلز الأول العظيم المعروف باسم شارلمان المسؤول عن إحياء الإمبراطورية في أوروبا الغربية، فعندما توفي والده بيبان الثالث (بيبان القصير) عام 768م، بدأ شارلمان في توسيع حدود إمبراطوريته وأمضى معظم حياته للحفاظ عليها، حيث قضى على العديد من النزاعات وحركات التمرد الداخلية في البلاد وخاض عدة معارك خارجية لتأمين الإمبراطورية من أعدائها الطامعين، وكانت مملكة شارلمان تغطي جغرافيًا -كما هي الأسماء الحالية- كل من فرنسا والنمسا وهولندا وسويسرا وبلجيكا ولوكسمبورغ ومعظم ألمانيا وإيطاليا والمجر وكرواتيا والتشيك وسلوفاكيا، ولم يتمكن أي حاكم قبل شارلمان من السيطرة على هذه المساحة الكبيرة من الأراضي منذ سقوط الإمبراطورية الرومانية، وساعده في ذلك التحالف الذي عقده مع البابوية، حيث كان الملك يحرص على الاحتفاظ بعلاقات جيدة مع البابا، وعندما شعر شارلمان بقرب أجله أوصى لابنه الوحيد لويس الأول بحكم الإمبراطورية العظيمة.
خلفية تاريخية
بعد وفاة شارلمان ورثه ابنه الوحيد لويس الورع وأصبح حاكم الإمبراطورية الكارولنجية بأكملها، ولكن لويس كان لديه العديد من الأبناء، وعلى الرغم من أنّه رغب في بقاء إمبراطوريته متماسكة، قسّمها إلى عدة أقاليم موزعة على أبنائه، ومنح الابن الأكبر لوثر لقب إمبراطور، ولكن عقب توزيع الميراث نتجت نزاعات بين الأخوة أدت إلى تقليص قوة الإمبراطور الجديد للغاية، وحاول لوثر استعادة سلطته كإمبراطور بعد وفاة والده، ولكنه واجه مقاومة شديدة من أخويه لويس الألماني وتشارلز الثاني، ممّا أدى إلى اندلاع حرب دامية بين الإخوة الثلاثة.
معاهدة فردان
وُقّعت معاهدة فردان في أغسطس عام 843م وكانت الخطوة الأولى في تفكك إمبراطورية شارلمان وتأسيس دول حديثة في أوروبا الغربية، فبعد وفاة لويس الأول (الورع) في عام 840م واندلاع حرب مفتوحة بين أولاده، حيث تحالف الابن الأصغر تشارلز الثاني مع أخيه الأكبر منه سنًا لويس الألماني ضد الأخ الكبير لوثر الأول، وهُزم الأخير في معركة فونتيني في بلجيكا الحالية في يونيو 841م، وعلى إثر ذلك دعا لوثر الأول إلى عقد معاهدة سلام في فردان ( في شمال شرق فرنسا حاليًا)، ومن خلال هذه المعاهدة تمّ الاعتراف بلوثر الأول إمبراطورًا على فرانسيا ميديا وهي أرض شاسعة تشمل أجزاء من بلجيكا الحديثة وألمانيا الغربية وهولندا وسويسرا وشرق فرنسا وأجزاء واسعة من إيطاليا، أما لويس الألماني فمُنح فرانسيا أورينتاليس، وهي الأرض الواقعة شرق نهر الراين، بينما منحت معاهدة فردان تشارلز الثاني الحكم على فرانسيا أوكسيدنتاليس، وهي ما تبقى من فرنسا الحديثة، وبتوقيع معادهدة فردان بين أحفاد شارلمان أصبحت الإمبراطورية مقسّمة إلى ثلاث ممالك.
تقسيم الميراث
قسّم لويس الأول ميراث إمبراطوريته تمسكًا بالعادة الفرنجية القديمة التي تقتضي بتقسيم الميراث بين أبناء الحاكم بدلًا من استفراد الابن الأكبر بالحكم المُطلق لنفسه، وأدى تقسيم مملكة الفرنجة بموجب معاهدة فردان إلى صراعات في أوروبا الغربية استمرت حتى القرن العشرين، نظرًا لأنّ المملكة الوسطى كانت تعاني من عدة نقاط ضعف، من أبرزها امتلاكها لحدود برية طويلة وضعيفة، مع ضعف الاتصالات الداخلية بسبب قطع جبال الألب لأراضي المملكة، وهذا بدوره جعل المملكة الوسطى غير قابلة للتطور، مما أدى إلى تقسيمها في النهاية، وبحلول عام 855م أصبح الجزء الشمالي من مملكة لوثر في أضعف حالاته، مما جعل هذه الأراضي مطمع للدول الأكثر قوة، التي نشأت من غرب فرنسا (فرنسا حاليًا) وشرق فرنسا (ألمانيا حاليًا)، وبعد احتلالها من ملوك فرنسا وألمانيا لم يتمكن الحكام الجدد من فرض حكم حازم على هذا الجزء من مملكة لوثر، أما الأجزاء الأخرى من المملكة فانقسمت إلى عدة دول مستقلة.
الغرض من معاهدة فردان
كان الهدف الأساسي من توقيع معاهدة فردان الوصول إلى اتفاق يتم بموجبه تقسيم أراضي إمبراطورية الفرنجة بين أبناء لويس الأول وتحديد الأرض التي يحكمها كل ابن من الأبناء الثلاثة، وهذ من شأنه الحد من نفوذ وطموح لوثر الذي هُزم هزيمة قاطعة من قِبل أخويه، اللذان أجمعا على عدم أهلية الأخ الأكبر لحكم الإمبراطورية بشكل مُطلق.
نتائج معاهدة فردان
من أبرز النتائج الرئيسية لمعاهدة فردان ما يلي:
- زعزعت معاهدة فردان قوة الإمبراطورية الكارولنجية وأدت في نهاية المطاف إلى سقوطها تمامًا.
- فقد الملوك الكارولنجيون سلطتهم بالتدريج وبدأ النبلاء في فرض هيمنتهم، ومع تزايد حروب المملكة مع العرب والمجريين والنورمان أصبح الأمراء يمتلكون سلطة منفصلة عن سلطة الملك.
- عززت معاهدة فردان من الشخصية البابوية زعيمًا رمزيًا لأوروبا الموحدة تحت راية المسيحية.