العصر الفيكتوري هو العصر الذي يمتد بين عامي 1820م و1914م، وهو الذي يقابل حكم الملكة فيكتوريا لبريطانيا تقريبًا، حيث أنها تولت الحكم بعد وفاة عمها ويليام الرابع عام 1837م واستمرت في الحكم حتى عام 1901م، أي أنها حكمت أكثر من 60 عامًا، وهي بهذه المدة تعدّ ثاني أطول ملوك بريطانيا حكمًا بعد الملكة إليزابيث الثانية، وكانت حين تولت الحكم ابنة 18 عام فقط.

وخلال هذا العصر تميزت بريطانيا بأنها كانت دولة قوية ذات مكانة وثقافة عالية، وكانت في وضع سياسي مستقر، وكانت إمبراطوريتها واسعة وكبيرة وغنية، على الرغم من أن ثلاثة أرباع من فيها كانوا من الطبقة العاملة، وتميز هذا العصر ببدء تقلص الحياة الريفية وزوالها ونمو المدن وتوسعها وحدوث الثورة الصناعية الأولى وزيادة عدد ساعات عمل المصانع، وتميزت هذه الفترة أيضًا بالعديد من الإصلاحات السياسية والاجتماعية، إلا أنه مع حلول أواخر العصر الفيكتوري شهدت البلاد تراجع شديد وتدهور على المستوى السياسي والاقتصادي، لكن لم يصبح هذا التدهور حاد إلا بعد الحرب العالمية الثانية.

الحياة السياسية في العصر الفيكتوري

يمكننا تقسيم العصر الفيكتوري إلى ثلاث حقب من الناحية السياسية، وهم الحقبة المبكرة والوسطى والمتأخرة، وفيما يأتي ملامح كل حقبة منهم:

الحقبة المبكرة

بدأت الحقبة المبكرة من العصر الفيكتوري باستلام الملكة فيكتوريا الحكم، وفي هذا الوقت كانت هناك بعض التمردات التي تحدث في كندا، والتي نظرت في شأنها الملكة، فأرسلت اللورد دورهام إلى لندن لكي يحل المشكلة عام 1839م، وفي نفس العام تم الاستيلاء على الأفيون البريطاني في الصين، وهذا ما تسبب في قيام حرب الأفيون الأولى، وفي هذا الوقت أيضًا بدأت أولى الصراعات والنزاعات السياسية التي يطلق عليها اسم "حرب اللعبة الكبرى" بين بريطانيا وروسيا، وبحلول عام 1835 إلى 1842م تم إنشاء مقاطعات جديدة في أستراليا، وأصبحت نيوزيلندا مستعمرة بريطانية عام 1839م، ووقعت بين عامي 1840م و1842م معاهدتي وايتانغي ونانجينغ على التوالي، حيث كانت الأخيرة هي من تسببت في إنهاء حرب الأفيون الأولى، والتي بموجبها حصلت بريطانيا على السيطرة على جزيرة هونج كونج من الصين.

الحقبة الوسطى

توفى الأمير ألبرت زوج الملكة فيكتوريا في هذه الحقبة عام 1861م، والتي كانت تزوجته الملكة عام 1840م، فدخلت الملكة في حالة من الحداد والحزن والانسحاب من الحياة العامة، ولم تعد للمشاركة في الحياة العامة مرة أخرى إلا عام 1871م، حينما أطلت من شرفة قصر باكنغهام كتحية شكر للعامة، بعد أن تعافى ابنها الأمير إدوارد من مرض التيفود، وشهد هذا العصر عدة أحداث مثل: إقرار قانون الإصلاح الثاني عام 1867م، وتلقي الملكة نسخة من قانون الدستور لعام 1867م، وتفويض بريطانيا في معاهدة برلين عام 1878م وغيرها.

الحقبة المتأخرة

في الحقبة المتأخرة من العصر الفيكتوري، قام القادة الرئيسيون في البلاد بالعديد من الإصلاحات المختلفة التي كانت تهدف إلى تعزيز الاستقلال السياسي لمدن البلاد الصناعية الكبرى والسعي إلى زيادة مشاركة البلاد على المستوى الدولي، وارتفعت شعبية الملكة فيكتوريا في هذا الوقت وأصبحت رمزًا للإمبراطورية البريطانية، وشهدت هذه الحقبة بعض الأحداث المهمة مثل: إلغاء العبودية في جزر الهند الغربية تمامًا والاعتراف بالحركات العمالية ومكافحة التطرف وتخفيف القيود على التجارة الاستعمارية، وحدثت بعض الثورات العنيفة لا سيما في جنوب إفريقيا بعد اكتشاف الذهب، وكان هذا السبب الأساسي في قيام حرب البوير الأولى بين عامي 1880م و1881م، وحرب البوير الثانية التي امتدت بين عامي 1899م و1902م، وعلى الرغم من فوزهم بها، فقد البريطانيون هيبتهم على المستويين الداخلي والخارجي.

دور المرأة ومكانتها في العصر الفيكتوري

كان دور المرأة الرئيسي في العصر الفيكتوري ينحصر في الزواج والإنجاب ورعاية الزوج والأبناء، حيث لم يسمح للمرأة في هذا العصر التعلم أو اكتساب المعارف خارج حدود المنزل، وكان دورها قبل الزواج يتمثل في العناية بالمنزل وتعلم مهارات مثل الخياطة والطبخ والغسيل والتنظيف، عدا النساء اللواتي ولدن لعائلات ثرية، حيث كان التنظيف والأعمال المنزلية من مهمة الخادمات.

وتميز هذا العصر بأن رجاله ونساءه كانوا مختلفين ولهم أهداف ومقاصد مختلفة، فبينما كان الرجال أقوياء البنية كانت النساء ضعيفات، وكان الرجال مستقلين وكانوا هم من يعولون النساء، وكان هناك اعتقاد في هذا الوقت بأن النساء كن أكثر تدينًا وأخلاقًا من نظائرهم الرجال، ومع ذلك فإن المرأة بعد الثورة الصناعية شاركت أكثر في القوى العاملة، وانتشرت الأفكار النسوية أكثر بين الطبقات المثقفة، وألغيت القوانين التمييزية بين الذكور والإناث، وكانت هناك حركات تنادي بحق المرأة في التصويت، والتي ازدادت في أواخر العصر الفيكتوري.

الدين في العصر الفيكتوري

كان معظم البريطانيين في العصر الفيكتوري يدينون بالديانة المسيحية وكانت كنائس الدولة التي يرأسها الملك في هذا الوقت هي الكنائس الأنجليكانية في كل من إنجلترا وويلز وأيرلندا، وهي التي سيطرت على الحياة الدينية في هذا العصر، على الرغم من أن معظم الشعب الويلزي والأيرلندي كانوا أعضاءً في كنائس أخرى، وكانت بريطانيا موطنًا لغير الأنجليكان مثل البروتستانت والروم الكاثوليك، وكذلك الديانات الأخرى مثل اليهودية والإسلام والهندوسية، وكان هناك بحلول أواخر العصر الفيكتوري قلة قليلة من الملحدين.

العلم في العصر الفيكتوري

كان الناس في العصر الفيكتوري يقدرون العلم ويسعون إلى تطويره، ومن أشهر التطورات العلمية التي حدثت في هذا العصر هي نظرية التطور التي تنسب إلى تشارلز داروين في العادة، على الرغم من أن هناك مفكرون سابقون عليه طوروها، بالإضافة إلى أن الفيكتوريين كانوا مهووسين بعلم النفس وفيزياء الطاقة.

متى انتهى العصر الفيكتوري؟

أصيبت الملكة فيكتوريا بالمرض قبل عدة أسابيع من وفاتها في 22 يناير عام 1901م، عن عمر يناهز 82 عام، وبوفاة الملكة كانت هذه بداية نهاية العصر الفيكتوري الذي انتهى تمامًا عام 1914م، وبعد وفاتها تولى ابنها الأكبر إدوارد الحكم، ويمكننا أن نطلق على فترة حكمه اسم "العصر الإدواردي".