بين عامي 500 و700 م، أسس شعب الهوسا (بالإنجليزية: The Hausa)، الذين كانوا يهاجرون ببطء من النوبة شرقًا إلى غرب القارة السمراء ليختلطوا مع السكان المحليين في شمال ووسط نيجيريا، عددًا من الولايات القوية في شمال ووسط نيجيريا وشرق النيجر، ومع تراجع ولايتا نوك وسوكوتو اللتان كانتا تسيطران سابقًا على وسط وشمال نيجيريا بين عامي 800 قبل الميلاد و200 م، تمكنت الهوسا من الظهور كقوة جديدة في المنطقة، لتُصبح أكبر مجموعات غرب إفريقيا العرقية، وفي هذا الموضوع نأخذكم في جولة ثقافية عن الهوسا.

أصل الهوسا وأماكن تواجدهم

تتميز مجموعات الهوسا بأنها شعوب ساحلية حيث يتمركزون بشكل رئيسي في مناطق غرب إفريقيا وفي شمال نيجيريا وشمال وجنوب شرق النيجر، وتوجد أيضًا أعداد كبيرة منهم في المناطق الشمالية من بنين وغانا والكاميرون، وهنالك أيضًا مجتمعات أصغر منتشرة في جميع أنحاء غرب إفريقيا.

وانتقلت مجموعة الهوسا من تشاد والسودان إلى المدن الساحلية الكبيرة في غرب إفريقيا مثل لاغوس وأكرا وكوتونو، وكذلك إلى دول مثل ليبيا، بحثًا عن وظائف، وفي القرن الثاني عشر، كانت الهوسا قوة إفريقية كبرى، حيث ازدهرت سبع ولايات للهوسا بين نهر النيجر وبحيرة تشاد، وربما كانت إمارة كانو أهمها.

وتعاقب على الهوسا في كانو 43 حاكمًا حتى فقدوا السلطة في عام 1805، وتاريخيًا، كانت هذه ممالك تجارية تتعامل في الذهب والقماش والسلع الجلدية.ويُعتقد أن أمير كانو الأول، باجودا، هو حفيد باياجدة، مؤسس سلالة الهوسا، ووفقًا للأسطورة، كان في الأصل من بغداد.

لغة شعب الهوسا

يتحدث شعب الهوسا اللغة الهوسية التي تنتمي إلى مجموعة اللغة التشادية، وهي مجموعة فرعية من عائلة اللغات الأفرو آسيوية الأكبر، ولها تراث أدبي غني يعود تاريخه إلى القرن الرابع عشر، ولغة الهوسا لها وجود كبير في منطقة غرب إفريقيا ويتحدثها بها أكثر من 35 مليون شخص.

وهي اللغة الأكثر انتشارًا في غرب إفريقيا واللغة الأساسية المستخدمة في جميع الولايات الشمالية في نيجيريا، ولغة الهوسا مكتوبة بأحرف عربية، وحوالي ربع كلمات الهوسا مكونة من اللغة العربية أيضًا، ويمكن للعديد من الهوسا القراءة والكتابة باللغة العربية لأنه يتعين عليهم في سن مبكرة الذهاب إلى مدارس اللغة العربية.

الدين عند شعب الهوسا

يدين عدد كبير من سكان الهوسا بالإسلام الذي يمارسونه بناءً على تعاليم النبي محمد وتوجيهات القرآن الكريم، ويقال إن الدين جاء إليهم من قِبل تجار من شمال إفريقيا ومالي وبورنيو وغينيا خلال مبادلاتهم التجارية، وسرعان ما اعتنقوا الدين، ويؤدون فرائضه من حيث الصلاة خمس مرات في اليوم والصيام خلال شهر رمضان والسعي جاهدين لأداء فريضة الحج إلى الأرض المقدسة في مكة المكرمة.

ومع ذلك، هناك فئة من الهوسا تسمى ماجوزايا، وهم لا يعتنقون الإسلام، ولكنهم بدلًا من ذلك ينتمون إلى طائفة تعبد الأرواح الطبيعية المعروفة باسم بوري أو إسكوكي، والتي لا تزال تحتفظ بعناصر الدين القديم المتمثلة في الروحانية والسحر، مثل ماجوزاوا، الديانة الوثنية التي كانت تمارس على نطاق واسع قبل الإسلام في المناطق النائية في هاوزالاند، وغالبًا ما كانت تتضمن التضحية بالحيوانات من أجل غايات شخصية، ومن المُحرمات عند الهوسا ممارسة سحر "ماجوزاوا" من أجل الأذى. ويعيش سكان الهوسا المسلمين في سلام مع باقي الشعب الهوسي.

الفولكلور والهندسة المعمارية

يتضمن فولكلور الهوسا "التاتسونيا" وهي قصص عادة ما يكون لها مغزى حكيم، وتشمل الحيوانات والشباب والعذارى والأبطال والأشرار والعديد من الأمثال والأحاجي.

وبحلول القرن الثاني عشر بعد الميلاد، أصبحت الهوسا إحدى القوى الكبرى في إفريقيا التي لها طرازها المعماري الخاص، وعلى الرغم من أن الأبنية الهوسية كانت من الأقل شهرة في العصور الوسطى، تُعدّ من أجمل الأبنية على الإطلاق وتتميز العديد من مساجدهم وقصورهم بأنها مشرقة وملونة وغالبًا ما تتضمن رموزًا مُعقدة أو رموزًا متقنة مُصممة في الواجهة.

وفي القرى الريفية، تعيش الهوسا عادة في منازل كبيرة تسمى "جيداجي" تضم رجلًا وزوجاته وأبنائه وزوجاتهم وأطفالهم، وفي المدن الكبيرة، مثل كانو أو كاتسينا، تعيش الهوسا إما في الأقسام القديمة من المدينة أو في الأحياء الجديدة التي تم إنشاؤها لموظفي الخدمة المدنية، وتتراوح مساكن الهوسا من مجمعات عائلية تقليدية في المناطق الريفية إلى منازل حديثة للعائلة الواحدة في أقسام جديدة من المدن.

طريقة المعيشة والعادات

تميل الهوسا إلى الهدوء والتحفظ عندما يتفاعلون مع الغرباء ولا يظهرون عادةً أي عاطفة، وأيضًا هناك بعض العادات التي تحكم التعامل مع الأقارب، على سبيل المثال، يُعدّ عدم ذكر اسم الزوج أو الوالدين علامة على الاحترام ويقدسون العلاقات مع بعض الأقارب مثل الأشقاء الأصغر والأجداد وأبناء العم، ودائمًا ما تكون العلاقة قائمة على المرح والسهولة في التعامل.

ويهتمون أيضًا بجيرانهم، فمنذ سن مبكرة يقيم الأطفال صداقات مع جيرانهم قد تستمر مدى الحياة، وفي بعض المدن، يمكن للشباب تكوين جمعيات يتواصل أعضاؤها معًا حتى الزواج.

التعليم عند الهوسا

منذ سن السادسة تقريبًا، يلتحق أطفال الهوسا بمدارس قرآنية (مدارس يعتمد فيها التدريس على كتاب القرآن الكريم) ويتعلمون قراءة القرآن والأحاديث النبوية والتعرف على ممارسات الإسلام وتعاليمه وأخلاقه، وبحلول الوقت الذي يصلون فيه إلى سن الرشد، يحقق الكثير منهم مستويات عالية من الدراسات الإسلامية.

ومنذ أن حصلت نيجيريا على استقلالها عام 1960، قامت الحكومة ببناء العديد من المدارس والجامعات، وغالبية أطفال الهوسا، وخاصة في المناطق الحضرية، قادرون الآن على الذهاب إلى المدرسة.

الاندماج مع المجموعات العرقية والتأثير في المجتمع

يُعدّ شعب الهوسا، الذي يبلغ تعداده أكثر من 20 مليون نسمة، أكبر مجموعة عرقية في غرب إفريقيا كما ذكرنا، ولذلك اختلطوا مع العديد من الشعوب المختلفة، ففي عام 1810م، غزت جماعة الفولاني (مجموعة عرقية إسلامية إفريقية أخرى امتدت عبر غرب إفريقيا) ولايات الهوسا، ومع ذلك، سمحت أوجه التشابه الثقافي بينهما بتكامل كبير بين المجموعتين اللتين اندمجتا بشكل كبير، وغالبًا ما يتم تسميتهم في العصر الحديث باسم "الهوسا الفولاني" مع دمج العرقين معًا، والعديد من الشعب الفولاني في المنطقة لا يميزون أنفسهم عن الهوسا.

الاقتصاد عند الهوسا

اعتمد اقتصاد الهوسا على الزراعة المكثفة للذرة الرفيعة والعديد من المحاصيل الأخرى المزروعة على مبادئ التناوب واستخدام روث ماشية الفولاني. وأيضًا، مارس الهوسا تخصصات حرفية أخرى مثل حياكة القش وصناعة الجلود والنسيج وصياغة الفضة والتداول واسع النطاق، لا سيما في الأسواق المنتظمة في المدن الكبرى، وتشتهر الهوسا أيضًا بالتجار الذين يقطعون مسافات طويلة والبائعين المحليين للسلع الجلدية، بالإضافة إلى الموارد السياحية.

وختامًا، تظل مجموعات شعب الهوسا بارزة في النيجر وشمال نيجيريا حتى الآن، وتأثيرهم في نيجيريا بالغ الأهمية، حيث سيطر اندماج الهوسا والفولاني على السياسة النيجيرية في معظم تاريخها المستقل، وتظل واحدة من أكبر الحضارات وأكثرها تأصلًا في التاريخ في غرب إفريقيا، وعلى الرغم من أن العديد من الهوسا هاجروا إلى المدن للعثور على عمل، لا يزال العديد منهم يعيشون في قرى صغيرة حيث يزرعون المحاصيل الغذائية ويربون الماشية في الأراضي المجاورة ويمارسون عادات أسلافهم دون تحريف وهذا ما جعلهم متماسكين لوقتنا هذا، فهم أكبر مجموعات غرب إفريقيا بامتياز.