كان قوبلاي خان ( قبلاى خان أو اتقابلاى خان ) أعظم أباطرة المغول بعد "جنكيز خان" ومؤسس أسرة يوان في الصين، واشتهر بأنه حاكمًا حكيمًا قادرًا على قيادة إمبراطورية شاسعة من خلال تكييف تقاليد مختلفة مع حكومته.
ويُصنف بأنه شخصية مهمة في التاريخ تركت بصمة لا تُمحى على الصين التي غزاها بنفسه، مما يشير إلى الفرق بين الأباطرة السابقين واللاحقين، فهو أول مغولي يحكم الصين إمبراطورًا، بالإضافة إلى أنه كان أول إمبراطور مغولي يعتنق البوذية.
السيرة الذاتية
ولد قوبلاي خان في 23 سبتمبر من عام 1215م، وهو حفيد جنكيز خان، الفاتح والمحارب الذي تمكن من توحيد القبائل البدوية في شمال آسيا وتأسيس إمبراطورية المغول.
نشأ قوبلاي خان وسط التقاليد البدوية في السهوب المنغولية وتربى على يد والده تولوي وأمه سورغاغتاني بيكي، وتعلم فن الحرب منذ صغره، وبينما كان لا يزال طفلًا، أصبح مقاتلًا وصيادًا وخيّالًا ماهرًا، بالإضافة إلى ذلك، تعرّف على الثقافة والفلسفة الصينية، لذلك عرف عن الصين عن قُرب، وهو الأثر الذي سيبقى معه وسينعكس على العديد من قراراته المستقبلية.
وفي عام 1252، ولاه شقيقه "مونكو خان" قيادة جيش يسيطر على الجزء الشرقي من الإمبراطورية.
بداية السيطرة
وسّع قوبلاي خان حدود الإمبراطورية وغزا الكثير من أراضي الصين وأصبح ملكًا على هذا البلد. وبعد وفاة شقيقه مونكو، وفي عام 1260، عُيّن خانًا عظيمًا للإمبراطورية المغولية، ومع ذلك، وللبقاء في السلطة، خاض معارك صعبة حتى عام 1264 ضد أخيه الآخر، وفي عام 1267 خاض معارك أيضًا ضد المغول المحرضين على الفتنة في تركستان وفي منشوريا عام 1277.
وفي وقت لاحق، واصل حملاته المستمرة لتوسيع نطاقات حُكمه، ونجح في جنوب الصين، وتمكن من تدمير مملكة سونغ وتوحيد الصين في عام 1279، ومع ذلك، فشل في محاولاته ورغباته في غزو اليابان.
وكان مختلفًا عن أسلافه في عدم موافقته على المذابح التي لا طائل من ورائها ودائمًا ما كان يطلب من جنرالاته التصرف بضبط النفس، ومن الممكن أن يكون موقف قوبلاي قد تأثر باهتمامه العميق بالمُثل العليا للفلسفة الكونفوشيوسية، وعلى الرغم من أنه قاد الصين إلى الازدهار الاقتصادي والوحدة والاستقرار الاجتماعي، واجه خلال حياته نزاعات عائلية مختلفة.
سمات عهد قوبلاي خان
بعد انتخابه خانًا عظيمًا عام 1260، نقل قوبلاي خان عاصمته المغولية إلى بكين، وهناك تولى منصب إمبراطور الصين والخان العظيم للإمبراطورية المغولية التي امتدت من آسيا إلى أوروبا الشرقية، وتميز عهده بالازدهار الكبير في البلاد، حيث وصل إلى أعلى نقطة قوة في الإمبراطورية المغولية.
وكان هناك تحسن كبير في التواصل بين الشعوب والاندماج بينهم وأصبحت طرق التجارة في آسيا الوسطى أكثر أمانًا، وعلى الرغم من أنه كان بوذيًا، أظهر الاحترام والتسامح تجاه الأديان الأخرى في إمبراطوريته، وكمحب للفنون والعلوم دافع عنها، واسترشد بالحكماء العرب والفارسيين والأوروبيين والصينيين في كل ما يتعلق بالأمور الإدارية والروحية.
أيضًا، أعاد تنظيم الإدارة الصينية وقسّم الإقليم إلى مقاطعات وأنشأ تقسيمًا للطبقات الاجتماعية المختلفة؛ فكانت الطبقة الحاكمة مكونة من حكام وملاك وتجار ومسؤولين من أصول أجنبية، وكانت البرجوازية الصغيرة تتكون في الغالب من الصينيين الشماليين والكوريين وجماهير جنوب الصين المحرومين.
كان قوبلاي خان مؤيدًا كبيرًا للتجارة والعلوم والفنون واستخدام النقود الورقية في جميع أنحاء الإمبراطورية، وأمر بإنشاء أبجدية جديدة للغة المنغولية تشبه إلى حد كبير النص الصيني، وأنشأ نظامًا للشحن وطور الأنهار الداخلية وطرق القنوات لنقل الحبوب من منطقة زراعة الأرز الخصبة في حوض نهر اليانغتسي لإطعام السكان المتزايدين.
تكوين صداقات مع الخارج ومحاولة التوسع
استقبل قوبلاي خان في عهده زيارات من الأوروبيين، كما كان الحال مع "ماركو بولو"، الذي حصل على مناصب ومراتب شرفية وكتب عن عظمة الإمبراطورية المغولية وإمبراطورها، مفتونًا بازدهار الصين واتساعها، ووصف الخان العظيم والإمبراطور الصيني قوبلاي بأنه أقوى حاكم في العالم، مع أشخاص وسلع وأرض غير مسبوقة.
وبعد وصول التجار والمبشرين، ظهرت تقنيات وأفكار وأدوية وأطعمة جديدة، إلا أنه بالرغم من أن قوبلاي خان بذل جهودًا لتوسعة حكم الإمبراطورية المغولية إلى اليابان، باءت محاولاته بالفشل.
أحاط قوبلاي نفسه بمستشارين صينيين وأنشأ عاصمة شمالية جديدة تسمى شانجدو، وكان يميز نفسه عن أسلافه بالاعتدال الذي كان يعامل به الشعوب التي تم فتحها.
سلالة يوان
بحلول عام 1279، كان قوبلاي خان قد غزا سونغ بشكل نهائي وأصبح أول مغولي يحكم الصين بأكملها. وللاحتفال بإمبراطوريته الموسعة حديثًا، أعلن قوبلاي عن سلالة "يوان الجديدة"، وكان أول حكامها وأنجحهم، ولكن لم تدم طويلًا حيث استمرت حتى عام 1368 فقط وكانت سابقة لسلالة تشينغ.
الحملات العسكرية
نفذ قوبلاي خان سلسلة من الحملات لتوسيع أراضيه، من بينها، حملة بلاد الرافدين وسوريا وفلسطين خلال الأعوام 1255 و1260، بالإضافة إلى غزو إمبراطورية سونغ الصينية في الأعوام من 1267 إلى 1279، ومحاولات الغزو في اليابان في عامي 1274 و1281، ونُفذت غزوات فيتنام بين 1257 و1287، وبورما عام 1277، وجافا عام 1293.
تفكك الإمبراطورية
على الرغم من أن سياسات قوبلاي التي تركز على الصين كانت لها مزاياها السياسية في بعض أجزاء الإمبراطورية، خلقت أيضًا له أعداء في مناطق أخرى، لا سيما بين الطبقة الأرستقراطية المغولية، الذين شعروا أنه خان تراثهم، وفي قلب هذه المجموعة المستاءة كان ابن عمه كايدو، الذي كان يعتقد أن السلطة قد انتقلت بشكل غير عادل إلى مونكو خان عندما توفي جده والخان العظيم السابق "أوجودي". وعلى الرغم من أن كايدو لم ينجح أبدًا في الإطاحة بقوبلاي خان، ظل يمثل تهديدًا لسلطته طوال فترة حكمه.
وأدت الطبيعة التمييزية للهيكل الاجتماعي الذي وضعه قوبلاي خان إلى استياء عميق بين الطبقات الدنيا الصينية، التي كانت مثقلة دائمًا بدفع الضرائب، والتي أنفقها قوبلاي في سلسلة من الحملات العسكرية الفاشلة، بما في ذلك المحاولات البائسة لغزو اليابان وبورما وجاوا.
وعلى الرغم من أنه لم يتخل أبدًا عن طموحاته لتوسيع إمبراطوريته، أثرت هذه الهزائم، إلى جانب الخسائر الشخصية التي شملت وفاة زوجته وابنه الأكبر ووريثه، بشدة على قوبلاي وبدأ في الشرب والأكل بشكل مفرط، مما أدى إلى زيادة وزنه وإصابته بالنقرس وتدهور حالته الصحية.
الموت
عانى قوبلاي خان في سنواته الأخيرة من النقرس (التهاب المفاصل) وأصابه الاكتئاب، وتوفي الإمبراطور في 18 فبراير من عام 1294 عن عمر يناهز 78 عامًا، وبعد وفاته، حدثت سلسلة من الكوارث الطبيعية والاقتتال الداخلي الذي ساهم في تقسيم الجزء الغربي من الإمبراطورية وبداية تفتتها.