تُعرّف الكونفوشيوسية على أنها مجموعة من المبادئ والمعتقدات الفلسفية الدينية الصينية، ووُجدت قبل أكثر من 2500 عام عن طريق الفيلسوف الصيني كونفوشيوس، وتتمحور محتوياتها عمومًا حول طرق إدارة الحكم والعلاقات الاجتماعية بأخلاق وأدب.

نبذة تاريخية عن الكونفوشيوسية

الكونفوشيوسية هي طريقة حياة بدأ كونفوشيوس بالترويج لها في القرنين السادس والخامس قبل الميلاد، واتّبع الشعب الصيني مبادئ الكونفوشيوسية لأكثر من ألفي عام، وعلى الرغم من تراجع اتباعها بمرور الوقت، لا تزال إلى اليوم مرجع للقيم وأساس التعلم لدى الشعب الصيني، وانتقلت تعاليمها كذلك إلى بعض الدول الأخرى بما في ذلك اليابان وفيتنام وكوريا.

أهداف الكونفوشيوسية

وُضعت مبادئ الكونفوشيوسية لتطوير الأخلاقيات الاجتماعية ومبادئ الإدارة السياسية وأسلوب الحياة بأكمله، ويُنظر لها أحيانًا على أنّها معتقدات دينية وأحيانًا على أنها فلسفة، وهي في الحقيقة تجمع ما بين هذين المصطلحين، وقامت الكونفوشيوسية من البداية على فكرة إيجاد طريقة شاملة للعيش والتفكير، تستلزم أولًا بالضرورة تقديس الأسلاف، ولكن تختلف الكونفوشيوسية عن باقي الديانات الأخرى، ففي الوقت الذي يُعرّف البعض عن نفسه بأنّه مسلم أو مسيحي أو يهودي فإنّه من النادر أن يُرجع شخص انتمائه الديني بأنه كونفوشيوسي، وعلى الرغم من أنّ الكونفوشيوسية ليست ديانة منظمة، كان لها تأثير كبير على الحياة السياسية والروحية والتعليمية للمجتمعات التي طبقت تعاليمها، لا سيما المجتمع الصيني، فهي كانت مصدر للإلهام الأخلاقي ومرجع لأفضل أساليب التفاعل البشري بين أفراد المجتمع.

هل كونفوشيوس مؤسس الكونفوشيوسية؟

لا يعد كونفوشيوس مؤسس الكونفوشيوسية، فعلى سبيل المثال بوذا هو مؤسس البوذية، أمّا كونفوشيوس فحاول إحياء المعايير والتعاليم الأخلاقية القديمة وتطويرها من خلال ممارسة حياة طقسية، وكان الدافع لذلك هو انبهاره بأساليب حياة العصور الصينية القديمة ورغبته في استمرار بعض أشكالها في المجتمعات والمؤسسات، لذلك تعمق في الماض، واسترسل في البحث عن الجذور القديمة، والتي كان يعتقد أنها تلبي الاحتياجات الإنسانية الحياتية بكافة نواحيها، ورأى كونفوشيوس أن النظام الفلسفي والعقائدي التاريخي للأجداد  يجب أن يتجدد مستقبلًا بطريقة تواكب تطورات المجتمع واحتياجات أفراده.

مدى تأثير الكونفوشيوسية على الصين

تعد الكونفوشيوسية واحدة من أبرز الفلسفات تأثيرًا في الصين، ففي عهد أسرة هان تمّ اعتماد الكونفوشيوسية المصدر الرسمي للمعتقدات والأفكار والاتجاهات العامة للدولة، فتمّ في هذه الفترة إنشاء المدارس لتعليم الأخلاق الكونفوشيوسية، وكانت الكونفوشيوسية واحدة من أهم الديانات الصينية لعدة قرون جنبًا إلى جنب مع الطاوية والبوذية، وفي عهد أسرة سونغ (960-1279م) أدى تأثير الطاوية والبوذية إلى ظهور الكونفوشيوسية الجديدة، والتي قامت على جمع الأفكار من المعتقدات الدينية الثلاث، ولكن في عهد أسرة تشينغ (1644-1912 م) دعا العلماء والفلاسفة إلى العودة للأفكار الكونفوشيوسية القديمة، مما أدى إلى إحيائها من جديد بشكلها الأصلي.

المبادئ الأساسية للكونفوشيوسية

إنّ أقرب وصف للكونفوشيوسية أنّها معتقدات دينية قائمة على الفلسفة، وهناك خمسة مبادئ أساسية لها، وهي ما يلي:

  • يقوم المبدأ الأول للكونفوشيوسية على دعوة الأفراد للخدمة الإنسانية والعمل الخيري.
  • يؤكد المبدأ الثاني للكونفوشيوسية على العيش الكريم والالتزام بالاستقامة.
  • يدعو المبدأ الثالث للكونفوشيوسية إلى ضرورة اتباع السلوكيات الجيدة عند التعامل مع الآخرين.
  • يؤكد المبدأ الرابع للكونفوشيوسية على أهمية المعرفة والتعليم لتطور المجتمعات الإنسانية.
  • يشير المبدأ الرابع للكونفوشيوسية إلى وجوب الالتزام بالأمانة والنزاهة في العمل.

كونفوشيوس والنظرة العامة

كان كونفوشيوس فيلسوف ومعلم عاش من 551-479 قبل الميلاد، واستمد توجهات الكونفوشيوسية وتعاليمها من خلال الثقافة الصينية القديمة، وكتب تلاميذه أفكاره التي تتمحور حول بناء الشخصية الأخلاقية واتباع السلوك الجيد في عدة كتب، ووضع كونفوشيوس قاعدة ذهبية للكونفوشيوسية تنص على "لا تفعل بالآخرين ما لا تريد أن يفعلونه بك"، وعلى عكس معظم الديانات والمعتقدات الدينية الأخرى لا توجد آلهة عليا للكونفوشيوسية، ولكن يُقدّس كونفوشيوس على أنّه روحًا بشرية وليس إله، ويوجد العديد من المعابد الكونفوشيوسية لإقامة الأنشطة والطقوس المدنية والاجتماعية المهمة، وتسعى الكونفوشيوسية في النهاية للوصول إلى شخصية أخلاقية فردية من شأنها التأثير إيجابًا على العالم، فإذا التزم الإمبراطور أو الحاكم بالكمال الأخلاقي سينعكس ذلك على بلاده وستتراجع الصراعات والكوارث الطبيعية التي ترجع وفقًا للكونفوشيوسية إلى الابتعاد عن التعاليم القديمة للأجداد.

8 حقائق حول الكونفوشيوسية

تعد الأديان والمعتقدات الدينية جزء من جميع الحضارات الإنسانية منذ الأزل، فهي التي تضع قواعد وسياسات تنظّم علاقات الناس ببعضهم وتحدد أنماطها، بغض النظر عن مدى توافقها مع الديانات الأخرى لا سيما السماوية، ومن أبرز الحقائق حول الكونفوشيوسية ما يلي:

  • فضل الأخلاق في الكونفوشيوسية

تشكّل الأخلاق الخمس أو المبادئ (الإحسان والمعرفة الصحيحة والعدل والأمانة ومراعاة الشعائر) الشرط الأساسي لاتّباع الكونفوشيوسية، وعلى الأفراد الالتزام بها جميعها دون استثناء.

  • التركيز على العلاقات الإنسانية

ركزت الكونفوشيوسية جدًا على العلاقات الأسرية، حيث نظرت إليها على أنّها أساس المجتمعات المتحضرة، لذلك دعت أن تكون العلاقة الأسرية قائمة على الاحترام والتعاون المتبادل والحب والاهتمام والرعاية والأمان والود.

  • التركيز على واجبات الحاكم

نظّمت الكونفوشيوسية علاقة الحاكم برعاياه، والتي تقوم على أساس العدل والمساواة والرحمة، بغض النظر عن الفروقات الجنسية أو العرقية أو المنزلة، في المقابل أوجبت على الأفراد طاعة حاكمهم واحترامه، للوصول في نهاية المطاف إلى دولة مزدهرة يسودها العدل والسلام.

  • الكتب المقدسة للكونفوشيوسية

هناك خمسة كتب مقدسة للكونفوشيوسية، وهي كتاب التاريخ وكتاب التغييرات وكتاب الشعر وكتاب الطقوس وسجلات الربيع والخريف، وتنص هذه الكتب على التعاليم المركزية للكونفوشيوسية.

  • قلة الطقوس

ليس للكونفوشيوسية طقوس معينة كمعظم الديانات الأخرى، فهي تولي الاهتمام الأكبر لسلوكيات الفرد في حياته الأسرية وفي مجتمعه، ولا تؤمن الكونفوشيوسية بوجود الآخرة (إنكار البعث).

  • الأعياد الرسمية

نظرًا لأنّ الكونفوشيوسية لا تتّبع طقوس مثل الديانات الأخرى، فليس لها الكثير من الأعياد والمناسبات الدينية، والمناسبتان الرئيسيتان لأتباع الكونفوشيوسية هما العام الصيني الجديد ويوم ميلاد كونفوشيوس.