الحرب العالمية الأولى هي حرب كبرى اندلعت في القرن العشرين بين عامي 1914م و1918م، وكانت أول نزاع دولي ضخم ينشب في القرن الماضي، وسببت صدمة وصدى في النفوس كان سببًا في نشوب حرب عالمية ثانية فيما بعد، وكانت هذه الحرب واحدة من أكثر الحروب المدمرة في التاريخ البشري الحديث، حيث قُتل فيها ما يقرب من 10 مليون جندي، وهذا يتجاوز بكثير عدد الجنود الذين لقوا حتفهم في كل الحروب السابقة على مدار مائة عام مجتمعة، وتسببت هذه الحرب أيضًا في فرض سلسلة من المعاهدات القاسية على الدول المهزومة فيها، على رأسهم ألمانيا التي تُعدّ بشكل أو بآخر مسؤولة عن بدء هذه الكارثة الدموية، حيث أجبرت معاهدة فرساي التي وقعت عام 1919م ألمانيا على التخلى عن 13 % من أرضها، مع إذلالها والحد من قواتها المسلحة من بين العديد من النتائج الأخرى.
أسباب قيام الحرب العالمية الأولى
قبل قيام الحرب العالمية الأولى، كانت هناك بعض الأحداث المتوترة التي مهدت لنشوب الحرب، بدأت مع ظهور ألمانيا وإيطاليا كدولتين عظمتين توحدتا عام 1870م، وأصبحتا تشاركان الدول الكبرى في طلب نصيبيهما من المستعمرات وينافسوهم، وفي هذا الوقت تسلل الشك وعدم الثقة بين الدول الأوروبية، لأن مبدأ القوة هو ما كان يحكم هذا العصر، فكان هناك تسابق بين التحالفات الدولية في مسألة التسلح، وكانت ألمانيا برئيسها بسمارك أخذت معاهدات ضد كل من روسيا وفرنسا، لذا حدث تقارب بين الروس والفرنسيين ووقعا معًا ميثاق عسكري عام 1893م.
وأعقب ذلك تحالف آخر بين بريطانيا واليابان عام 1902م، واتفاق ودي بين بريطانيا وفرنسا عام 1904م، حيث بدأت بريطانيا في هذا الوقت بحل خلافاتها مع فرنسا خوفًا من نمو القوة الألمانية، وشكلت وفاق ثلاثي مع كل من روسيا وفرنسا عام 1907م، وأطلق على هذا التحالف اسم "دول الوفاق أو التحالف"، وكان في مقابلهم "دول المركز"، والذي ضم كلًا من ألمانيا والنمسا وإيطاليا، وبدأ التوتر بين الحلفين يتصاعد، وهذا ما مهد لنشوب حربًا عالمية فيما بينهم، لا سيما بعد وقوع أزمات مثل الأزمة المغربية الأولى، التي زادت من الصراع بين ألمانيا وفرنسا، لأن الجيش الألماني كان يهدف لسحق فرنسا وإخراجها من هذه الأراضي.
وكذلك أزمة البلقان التي وقعت عام 1908م، حيث انفجر الصراع بين الدول الكبرى حين قررت النمسا أن تضم البوسنة والهرسك لأراضيها، وهذا تسبب في جن جنون روسيا التي ترى نفسها أم الشعوب البلقانية، فأعلنت ما يسمى بالتعبئة العامة في ديسمبر من نفس العام، ولأن الصرب لم يكن بوسعهم الوقوف أمام النمسا، أقروا بالموافقة على ضمها للبوسنة والهرسك، وبحلول عام 1911م وقعت أزمة أغادير الذي قربت العالم من وقوع الحرب العالمية الأولى خطوة أخرى، بعد أن أرسلت فرنسا حملة بحرية لمساعدة سلطان المغرب، فجن جنون ألمانيا التي أرسلت مدمرة لميناء أغادير، وأعلنت بريطانيا أنها لن تقف ساكنة أمام ما فعلته ألمانيا، وهذا جعل ألمانيا أمام واحد من طريقين، إما الحرب أو التراجع، إلا أن هذه الأزمة انتهت بعقد اتفاق يقر بأن المغرب تتبع السلطة الفرنسية، مع احتفاظ ألمانيا بحرية التجارة فيها.
واستغلت إيطاليا هذه الأزمة وأعلنت الحرب على الدولة العثمانية، لأنها كانت تطمع في ليبيا وبحر إيجة، فتحالفت ألمانيا مع الدولة العثمانية، وخرجت إيطاليا من الحلف الثلاثي، ثم شكلت بلغاريا واليونان والصرب عصبة أعلنت الحرب على الدولة العثمانية عام 1912م، وهذا ما تسبب في اشتعال الحرب في البلقان، إلا أن العصبة نجحت في انتزاع كل الأراضي العثمانية في أوروبا عدا القسطنطينية، ووقف النزاع بمعاهدة لندن، لكن لم يمر الكثير من الوقت حتى نشب بينهم صراع آخر انتهى بهزيمة بلغاريا وزيادة قوة صربيا وضعف مكانة النمسا.
أما القشة التي قصمت ظهر البعير وتسببت في بدء قيام الحرب، كانت بسبب اغتيال طالب صربي متطرف للأرشيدوق فرانز فيرديناد ولي عهد النمسا وزوجته عام 1914م، حيث استغلت النمسا هذا الحدث وأعلنت حربها على صربيا، فأعلنت روسيا التعبئة العامة لحماية الصرب، فقامت ألمانيا بإعلان الحرب على روسيا، ولأن فرنسا كانت في تحالف مع الروس، أعلنت ألمانيا الحرب عليها هي الأخرى، وكانت هذه بداية قيام الحرب العالمية الأولى التي شاركت فيها 30 دولة واستمرت حوالي 4 سنوات ونصف.
أحداث الحرب العالمية الأولى
بدأت ألمانيا غزو فرنسا والسير في تنفيذ خطتها التي وضعتها قبل تسع سنوات، لكن روسيا انتهزت انشغالها وأرسلت قواتها للسيطرة على القوات الألمانية في روسيا الشرقية، مما اضطر ألمانيا للانسحاب بعد أن كانت قريبة من باريس، وانتصرت على روسيا التي فقدت ربع مليون جندي في معركة تاننبرج، إلا أن هذه المعركة أضعفت الألمان، وتسببت في هزيمتهم في معركة المارن الأولى أمام فرنسا.
ومن جانب آخر، قامت روسيا بقتال النمسا وانتصرت عليها، وأصبح الروس بهذا الانتصار يهددون ألمانيا، لكن ألمانيا قامت باشتباكات في وارسو البولندية فيما سمي بمعركة لودز، وانتهى الأمر بنجاحها في حماية حدودها، وبحلول أكتوبر عام 1914م دخلت الدولة العثمانية الحرب مع ألمانيا ضد روسيا، وفي مايو 1915 أعلنت إيطاليا الحرب على النمسا بسبب إغراءات الحلفاء لها بدخول الحرب، لكنها تعرضت لهزيمة ساحقة في أكتوبر عام 1917م في كابوريتو، وكان الألمان حققوا المزيد من الانتصارات على الروس، حتى قامت معركة السوم عام 1916م وأجبر خلالها الحلفاء الألمان على الرجوع مائة ميل مربع للوراء.
وبعد أن استطاع الروس الانتصار على النمسا في حملة قادها الجنرال بروسيلوف، شجع هذا رومانيا على إعلان الحرب على النمسا والمجر، فأعلنت ألمانيا الحرب عليها ودخلوا إلى بوخارست في ستة أسابيع فقط، وفي نفس العام حارب الأسطول الألماني الأسطول الإنجليزي في معركة جاتلاند، وانتصر الألمان الذين بدأوا في تجويع بريطانيا لكي تخضع لهم، لكن هذا أثر على الولايات المتحدة التي اضطرت لدخول الحرب في إبريل عام 1917م مع دول الحلفاء، وهذا ما أدى لتضييق الحصار على ألمانيا وإضعافها، وفي نفس العام نجحت الثورة البلشفية في روسيا، ووقع البلاشفة صلح مع الألمان أطلق عليه "معاهدة برست ليتوفسك" عام 1918م، وخرجت روسيا من الحرب.
وقامت القوات الفرنسية بشن هجوم على الألمان لكنهم فشلوا وتكبدوا خسائر فادحة، وقامت من جانب آخر معركة باشنديل بين بريطانيا وألمانيا، خسر فيها البريطانيون 300 ألف جندي، وفي مارس 1918م نجح الألمان في تحطيم الجيش البريطاني الخامس، وشن الحلفاء بعد أن استعادوا قوتهم قليلًا هجمات على الألمان كان لها الفضل في إنهاء الحرب، وعرفت هذه المعركة باسم "المارن الثانية"، حيث تعرض الألمان لهزيمة شنيعة في 8 أغسطس عام 1918م أمام الحلفاء، وبدأت ألمانيا في الانهيار مما اضطرها لطلب هدنة، فرفض الحلفاء التفاوض مع الإمبراطورية الحالية فيها، مما أدى لقيام الجمهورية في ألمانيا بعد استقالة الإمبراطور من الحكم، ووقعت الهدنة التي أنهت هذه الحرب في 11 نوفمبر 1918م.
نتائج الحرب العالمية الأولى
قامت الحرب العالمية الأولى بتغيير الخريطة السياسية في أوروبا تغييرًا جذريًا، حيث اختفت الإمبراطوريات الألمانية والنمساوية والمجرية والعثمانية، ونجحت العديد من الدول في نيل استقلالها، وتشكلت دول أخرى جديدة، وتضررت دول أخرى أضرارًا فادحة مثل صربيا وفرنسا وبلجيكا، وتأثرت ألمانيا وروسيا بالحرب تأثير سلبي كبير، واختل التوازن الاجتماعي بسبب وفيات الذكور التي كانت تشكل معظم وفيات الحرب، فانخفضت نسبة المواليد خلال الحرب وارتفعت بصورة كبيرة بعدها.
وإذا نظرنا إلى الخسائر البشرية، تسببت الحرب في قتل حوالي 8.538.315 قتيل و21 مليون جريح، وكان هناك 7 مليون بين أسير ومفقود، وكانت أعلى الدول في الخسائر البشرية هي روسيا، تلتها ألمانيا والنمسا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا والولايات المتحدة، بجانب أن الدمار المادي للحرب كان كبير، حيث أتلفت المحاصيل الزراعية وماتت المواشي وهدمت المصانع والمنازل ودمرت السكك الحديدية ومناجم الفحم، وكانت الحرب السبب في انتشار وباء الإنفلونزا الإسبانية الذي انتشر في أوروبا وفتك بها.