لطالما كانت الفلسفة موجودة منذ فجر الحضارة الغربية، وبدأ عصرها الذهبي بظهور الفلسفة اليونانية في القرن الخامس قبل الميلاد في أثينا، لا سيما الأفكار والأعمال التي قام بها أهم ثلاثة فلاسفة يونان على مر التاريخ، وهم سقراط وأفلاطون وأرسطو، فبأعمالهم أصبح منبع الفكر هو الحضارة اليونانية، ولمعت الفلسفة في العصر اليوناني والعصور الوسطى، ثم خفت ضيها قليلًا، ولم تلبث أن عاودت الظهور مرة أخرى منذ عصر النهضة وما بعده.

ففي القرن الثامن عشر بدأت الأسئلة الفلسفية الخاصة بنظرية المعرفة بالظهور، والتي تتعلق بـ (كيفية معرفة ما نعتقد أننا نعرفه)، ومن هنا بدأت تظهر المدارس الأخلاقية، وبحلول القرن التاسع عشر الميلادي، أثيرت الأسئلة المتعلقة باللغة والمنطق والمعاني، حتى بدأ القرن العشرين الذي يُعدّ واحد من أكثر القرون التي برزت فيها الأعمال الفلسفية على الإطلاق، والذي تستمر آثاره حتى اليوم، إذ تستخدم الفلسفة الآن في كل مجال من مجالات الحياة بداية من العلم والذكاء الاصطناعي إلى السياسة والحرب.

تعريف الفلسفة لغة واصطلاحًا

يعود أصل كلمة الفلسفة (بالإنجليزية: Philosophy) إلى اختصار لكلمتين يونانيتين وهما: فيلو سوفيا، حيث تعني فيلو حب وسوفيا حكمة، وبالتالي فإن معنى الفلسفة في اللغة هو حب الحكمة، ويقول البعض إن هذا المصطلح يعود إلى فيثاغورس كونه أنه أول من أطلق على نفسه لقب فيلسوف، أما البعض الآخر فيرجع هذا المصطلح إلى سقراط، إذ قالوا إنه أول من وصف نفسه بالفيلسوف لكي يميز نفسه عن السوفسطائيين الذين كانوا يدعون الحكمة، وهناك من يرجع أصل كلمة الفلسفة إلى أفلاطون، وأنه أول من استخدم المصطلح لوصف أعمال سولون وسقراط.

أما في الاصطلاح فالفلسفة يختلف تعريفها باختلاف الفلاسفة، فنجد أن إيمانويل كانت على سبيل المثال يعرف الفلسفة بأنها: "المعرفة النابعة من العقل"، ويعرفها ديكارت بأنها: "علم المبادئ العامة، لا المعارف الجزئية، وأنها دراسة الحكمة وركيزتها الفكر المدرك لذاته، ومصدره الله"، أما برندان ولسون فيعرف الفلسفة بطريقة مبسطة ويقول إنها: "مجموعة من المشكلات مع محاولات حلها، وهذه المشكلات تتعلق بالله، الفضيلة، الإدراك، المعنى، العلم وغيرهم"، وإذا نظرنا إلى الفلاسفة العرب والمسلمين سنجد أنهم عرفوا الفلسفة بطرق مختلفة، فالفارابي قال إنها: "العلم بالموجودات بما هي موجودة"، أما ابن رشد فعرفها قائلًا: "هي التفكير في الموجودات على اعتبار أنها مصنوعات، وكلما كانت المعرفة بالمصنوعات أكمل كانت المعرفة بالصانع أتم"، بينما يقول الكندي إن الفلسفة هي: "علم الأشياء بحقائقها الكلية، والتي تميزها عن غيرها من العلوم الإنسانية".

نشأة الفلسفة

لا يزال موضوع نشأة الفلسفة وبدايتها الأولى موضع جدل بين العلماء، إلا أن الشيء المؤكد أنها بدأت في الماضي البعيد جدًا، ويعتقد أنها بدأت لأول مرة وتطورت في الشرق، في حضارات مثل مصر 4000 قبل الميلاد، وبلاد ما بين النهرين 2150 قبل الميلاد، والهند بين 1500 إلى 500 قبل الميلاد، وبلاد فارس 1500 قبل الميلاد، والصين ما بين 1046 إلى 256 قبل الميلاد، واليونان بين 585 إلى 322 قبل الميلاد بداية من طاليس حتى أرسطو، وروما بداية من 155 قبل الميلاد فيما بعد، واستمرت الفلسفة في التطور في أوروبا خلال العصور الوسطى، وكان منبعها في هذا الوقت الديانة المسيحية، ثم زاد تطورها بحلول عصر النهضة، وبعد القرن السابع الميلادي واصل العلماء المسلمون وغيرهم من علماء الديانات الأخرى تطوير الأنظمة الفلسفية وصولًا إلى العصر الحديث.

فروع الفلسفة

تنقسم الفلسفة لعدد من الفروع التي طورها الإغريق، والتي ما زالت تستخدم بنفس الطريقة حتى الآن، وعلى الرغم من أن المدارس الفلسفية تختلف إلى حد ما من حيث الأقسام الفرعية للفلسفة، إلا أن الأقسام الأساسية واحدة، وهي:

الميتافيزيقيا

الميتافيزيقيا هي دراسة الوجود، وهو المجال الذي عمل فيه أرسطو كثيرًا، إذ إنه كان مهتمًا بمعنى الوجود وشكله الأساسي والتعريفات المتعلقة به، لا سيما معنى الوقت.

نظرية المعرفة

من أهم فروع الفلسفة هي نظرية المعرفة أو دراسة المعرفة، حيث تتعلق المعرفة بأسئلة تدور حول ماهية المعرفة وما هو تعريفها؟ وكيف يمكن للشخص معرفة ما يعرفه؟ وكيف يمكنه تحديد معنى الشيء الذي سيفهمه الشخص الآخر؟

الأخلاق

فرع الأخلاق هو الفرع الذي يهتم بدراسة السلوك البشري، وهو مصطلح أطلقه أرسطو، حيث يهتم هذا الفرع بدراسة الأخلاق وما الذي ينبغي للإنسان أن يتصرف وفقه ويتخذ القرارات في ضوءه، وكان هذا الفرع هو ما يشغل جميع الفلاسفة القدماء في بلاد ما بين النهرين فما بعد، وكانوا يهدفون إلى إيجاد أفضل طريقة يمكن للناس العيش على أساسها، لا من أجل مصالحهم الشخصية فقط، بل من أجل مصلحة المجتمع الذي يعيشون فيه جميعًا.

السياسة

فرع السياسة هو فرع من الفلسفة الذي يهتم بدراسة الحوكمة وإدارة الحكومة، فالسياسيون في ضوء هذا يجب أن يحددوا كيف يمكن للمواطن أن يكون صالحًا مع من حوله وكيف يساهم بطريقة إيجابية في بناء مجتمعه؟ ونشر أرسطو أولى الأعمال في هذا المجال، إلا أن إجابة الأسئلة المتعلقة بكيفية عيش الإنسان مع جيرانه وواجباته تجاه مجتمعه يعود أصلها إلى الحضارة المصرية وحضارة بلاد ما بين النهرين والحضارة الفارسية والهندية.

الجمال

الجمال هو فرع من فرع الفلسفة، والذي يهتم بدراسة الفن وإدارك الجمال والثقافة والطبيعة، وتدور أهم الأسئلة هنا حول ما الذي يمكن أن يجعل شيئًا ما جميلًا أو ذا مغزى؟ وقدم إجابات على هذه الأسئلة كل من أفلاطون وأرسطو، محاولة منهم لتحديد الأشياء الجميلة بشكل موضوعي، أما اليوناني السفسطائي الشهير "بروتاغوراس" فقال إن الشيء يكون جميلًا إذا اعتقد المرء أنه جميلًا بالفعل، وبالتالي فإن كل الأحكام التي تتعلق بهذا الشأن تكون ذاتية لأنها تخضع للتجربة الفردية لكل شخص.