الديانة الزرادشتية هي العقيدة التي سميت على اسم زرادشت الفارسي الذي يعود له الفضل في ظهورها، والتي يقال إنها تأسست بين عامي 1500 إلى 1000 ق.م، وهي الديانة التي تقول إن هناك إله واحد فقط وهو رب الحكمة "أهورا مازدا"، الذي خلق كل شيء، وهو إله الخير والنور، وأن هناك إلهًا للشر والظلام يعرف باسم "آهرمان"، ويطلق على الزرادشتية أيضًا اسم المجوسية الزرادشتية، وهي الديانة الوحيدة من الديانات المجوسية التي ما تزال موجودة حتى الآن، وهذه الديانة الإيرانية الفلسفية القديمة كانت الدين الرسمي لثلاث إمبراطوريات، وهم الأخمينية والبارثية والساسانية، بجانب أنها مصنفة على أنها واحدة من أقدم الديانات في العالم والتي لم يتوقف عن ممارستها إطلاقًا.

وترى الزرادشتية أن الحياة صراعًا قويًا بين النور والظلام والخير والشر، وتقدس هذه الديانة، مثلها مثل كل الديانات المجوسية، عناصر الطبيعة لا سيما النار والشمس اللذان لهما حرمة كبيرة ومكانة عظيمة عندهم، وعلى الرغم من أن الزرادشتية أقرب إلى الديانات الهندية القديمة، يؤكد بعض علماء الأديان أن أفكار الزرادشتية أثرت على الأديان التوحيدية اللاحقة مثل اليهودية والمسيحية والإسلام، أما الزرادشتية نفسها فيقال إنها تأثرت بالفلسفة الدينية القديمة لحضارة بابل في العراق.

بداية ظهور الديانة الزرادشتية

تُعدّ الديانة الزرادشتية من أقدم الديانات على مر التاريخ وتعود جذورها إلى عصور ما قبل التاريخ في منطقة آسيا  الوسطى، تحديدًا في الألفية الثانية، إذ إنها ظهرت حين انفصل الإيرانيون الهندوس أو الشعب الإيراني عن أقربائهم الهندو آريين وذهبوا ليسكنوا الهضبة الإيرانية، وعلى الرغم من أنه يشاع أن زرادشت هو من أسس هذه الديانة، يظن الباحثون أن أصول هذه الديانة سبقته بكثير وأن زرادشت كان مصلح ديني لا مؤسس ديانة، بجانب أن بعض نصوص الديانة الزرادشتية "الآفستا" سبقت وجود زرادشت بوقت طويل، لكن هذا لا ينكر أن زرادشت أتى ليحاول إنهاء فكرة تعدد الآلهة التي كانت منتشرة في الديانات الإيرانية القديمة واستبدالها بعقيدة توحيدية، وأدت هذه جهود إلى ظهور ديانة إيرانية جديدة نسبت إليه.

مبادئ الديانة الزرادشتية

تأسست الديانة الزرادشتية التي كانت نتاجًا لجهود زرادشت على الرؤية التي رآها بنفسه استجابة لصلواته المستمرة، وقامت الديانة عنده على خمسة مبادئ أساسية هم:

1) أهورا مازدا هو الإله الأعلى.

2) أهورا مازدا يمثل الخير.

3) آهرمان هو خصم أهورا مازدا الأبدي وهو شرير تمامًا.

4) الخير يمكن ملاحظته من خلال الفكر الجيد والكلام الطيب والعمل الصالح.

5) كل شخص يمتلك إرادة حرة لكي يختار بين الخير والشر.

الإله في الديانة الزرادشتية

ترى الديانة الزرادشتية أن أهورا مازدا هو الإله الوحيد الأبدي غير المخلوق، بينما ترى أن الآلهة الكثيرة الأخرى التي كانت تُعبد في الماضي مجرد أرواح منبثقة من الإله، وعلى هذا فلم يعد من الممكن عبادة الآلهة السابقة الشهيرة مثل ميثرا أو أناهيتا، لكن يجب الاستمرار في تكريمها واحترامها كونها واحدة من الأرواح أو التمثيلات المنبثقة من أهورا مازدا والتي تعبر عن إحسانه.

لكن ظل هناك تساؤل مهم يدور في الأذهان لفترة طويلة، والذي يتمثل في أنه إذا كان الكون خلق على يد إله قوي وخيّر هكذا، فمن أين أتى آهرمان إله الشر؟ وظل هذا السؤال بلا إجابة محددة وواضحة حتى اقترح المستشرق الألماني مارتن هاوج الإجابة وادعى أن آهرمان لم يكن إلهًا بالمعنى الفعلي، بل كان انبثاقًا عن الإله أهورا مازدا، وبالتالي فهو لا يمتلك قوة فعلية، بل كل ما يمكنه فعله هو تعطيل خطط الإله العظيمة.

الحياة الدنيا والآخرة في الديانة الزرادشتية

تتمحور قيمة الإيمان الأساسية في الديانة الزرادشتية في الإرادة الحرة للبشر وأنه إذا اتبع الإنسان تعاليم الإله أهورا مازدا سيعيش حياة مرضية، وإذا لم يتبع هذه التعاليم الخيرة فسيعيش حياة مليئة بالغش والفتنة والاضطراب، لذا على الإنسان أن تكون أفكاره طيبة وكلماته جيدة وعمله صالح، ويمكنه ممارسة هذا من خلال ما يأتي:

  • قول الصدق في كل وقت والوفاء بالعهد
  • إخراج الصدقة للجميع لا سيما المحتاج
  • إظهار الحب لكل الناس حتى لو لم يبادلوا الحب
  • اتباع الاعتدال في كل شيء لا سيما في تناول الطعام

ويشتهر المؤمنون من الزرادشتيين بالسلوك الجيد والفاضل لالتزامهم بثلاث قيم أساسية وهي:

  • تحويل أعدائهم إلى أصدقاء
  • جعل الأشرار صالحين
  • تعليم الجاهل

ويؤمن الزرادشتيون أن المرء الذي يعيش باتباع هذه المبادئ والقيم لن يكون له نصيب وحظ في الدنيا فقط، بل سيكافأ في الآخرة أيضًا، حيث أن الروح الجيدة ستقابل العذاراء المقدسة الجميلة بعد الموت، والتي تساعدها في عبور الجسر إلى الجنة، وسيقوم سوروش الملاك بحمايتها في أثناء ذلك من الشياطين، بينما ستقابل الروح الشريرة عجوز قبيحة الشكل وسيضيق بها الجسر عند عبورها، وإذا كانت سيئاتها أكثر فستسقط إلى الجحيم، وتعذب في الظلام، أما من يتساوى حسناته مع سيئاته فسيذهب إلى مكان يطلق عليه المطهر، وسيبقى هناك إلى آخر الزمان حتى تقوم القيامة ويجتمع مع أهورا مازدا.

الطقوس المقدسة في الديانة الزرادشتية

هناك عدد من الطقوس التي يمارسها أصحاب الديانة الزرادشتية، ليظهروا فيها حبهم إلى أهورا مازدا، والتي يطلق عليها اسم "الياسنا"، وفيها يقوم المؤمن بمقاومة الكذب ومحاربة الظلام، وتشتمل كل الطقوس التي تقام في الزرادشتية على النار كونها العنصر المقدس الذي خلق آخرًا، وكذلك الماء الذي يرمز إلى الحكمة، والذي كان واحدًا من العناصر الأولى المخلوقة، ويتم إشعال النار في معبد النار، حيث يتولى الكاهن تلاوة الكلمات المقدسة والصلاة بعد إشعال اللهب المقدس.