الفلسفة الأبيقورية أو المذهب الأبيقوري أو مذهب أبيقور (بالإنجليزية: Epicureanism) هي نظام أنشأه الفيلسوف اليوناني أبيقور في القرن الثالث قبل الميلاد، ويمثل الهدف الرئيسي من الحياة البشرية، ألا وهو تحقيق السعادة الناتجة عن غياب الألم سواء الجسدي أو العقلي النفسي، ويبين معايير الألم واللذة دون خطأ ويصف الحياة من منظور فيزيائي بحت قائم على المادة الذرية من تكوين العالم إلى نشوء المجتمعات البشرية.
عبّر أبيقور في فلسفته عن عدة أفكار أهمها دحض إمكانية بقاء الروح بعد الموت، مما يعني عدم وجود عقاب في الآخرة، ورأى أن الخوف من الموت غير معترف به وإنما يكمن خوف الإنسان الحقيقي في الخوف من العقاب، والقلق مصدره الرغبات غير العقلانية والمتطرفة لدى البشر، ومن خلال القضاء على الخوف والقلق يمكن للإنسان أن يهنأ بحياة حرة خالية من تتبع اللذات الجسدية والعقلية.
أراد أبيقور عبر فلسفته توضيح أن عادات التفكير الراسخة لا يمكن تغييرها بسهولة، وعليه اقترح العديد من التمارين في العديد من المجالات التي من أهمها السياسة والآلهة والدور الاجتماعي أو الجنسي (الجندر) والزواج والصداقة وانعكاسات الظواهر الطبيعية والكواكب والأرصاد الجوية.
ويُشار إلى أن مصطلح الفلسفة الأبيقورية استخدم بشكل خاطئ مرادفًا لمذهب المتعة القائم على النظر إلى المتعة والسعادة بأنهما الصالح الرئيسي للبشر في الحياة، وفي اللغة الشعبية تعني الأبيقورية الشعور بالراحة والقدرة على العيش في مستوى رفيع والشعور بالمتعة ضمن أسلوب حياة خاص ومعين.
تاريخ الفلسفة الأبيقورية
يعود تاريخ الفلسفة الأبيقورية إلى القرن الثالث قبل الميلاد إذ تأسست عام 307 ق.م عندما بدأ الفيلسوف اليوناني أبيقور مهنة التدريس واقترح حينها أن الهدف النهائي من الحياة الشعور بالسعادة عن طريق البحث عن ملذات متواضعة كفيلة بتحقيق الهدوء والتحرر من الخوف من خلال المعرفة والعلم والدراسة أو ما يعرف باللاتينية بالأتاراكسيا والتخلص من الألم والمعروف بالليونانية بالأبونيا، ومن خلال فلسفته الحياتيه قدم أبيقور تفسيرًا لطبيعة الوجود الإنساني وقدم نظرية الأنطولوجيا (علم الوجود) ونظرية المعرفة التجريبية الذرية والأخلاق الإنسانية.
ويُشار إلى أن الفلسفة الأبيقورية سادت لقرون عدة إلا أنها لم تشكل تيارًا رئيسيًا في الفكر الفلسفي وذلك بسبب معارضتها من قبل المحافظين، بجانب أنها رُفضت من قبل الدين المسيحي، وفي وقت لاحق ومعاصر ظهرت الفلسفة الأبيقورية من جديد وأثرت في العديد من المجالات التي من أهمها دراسة الفيزياء ومجالات العدالة المدنية.
ويمكن القول إن الأبيقورية أثرت في الفكر الحديث بعدة طرق إذ استخدمها الفيزيائيون والكيميائيون في وضع النظرية الذرية الحديثة، واستخدمت هذه الفلسفة أيضًا في تحديد قيمة الإنسان كرد فعل على الاستبداد الديني، وخلال الثورة الفرنسية توسع استخدام مبادئ الفلسفة الأبيقورية والتي من أهمها أن المجتمع الأخلاقي يجب أن يسمح لكافة أفراده بأن يسعوا وراء السعادة كعنصر متجذر من عناصر تكوينه.
وفيما يأتي ذكر لأهم المحطات التاريخية في نشأة الفلسفة الأبيقورية:
- نشأة المدرسة الأبيقورية
أنشأ أبيقور أول مجتمع أبيقوري له في ميتليتي بعد لقائه بتلميذه الأول هيرمارخوس وخليفته كرئيس للمدرسة الأثينية الأبيقورية، وبعد تهديده بالسجن انتقل أبيقور إلى لامبساكوس وأنشأ مجتمع ثانٍ للأبيقورية، وما بين عامي 306 و307 ق.م عاد أبيقور إلى أثينا وأسس مدرسة أطلق عليها اسم (هو كيبوس) أو الحديقة (باللاتينية: Ho Kepus) التي شكّلت مكانًا لالتقاء رواد الفلسفة الأبيقورية وتميزت بفصل نفسها عن المجتمع السياسي وكرست نفسها للخطاب الفلسفي وتنمية الصداقة بشكل أساسي.
أنتجت هذه المدرسة أهم مبادئ فلسفة أبيقور والتي تنص على: "لا تخاف الآلهة، والموت ليس شيئًا يجب على المرء أن يخشاه، واعلم أن من السهل الحصول على الخير كما من السهل تحمل الشر"، وفي عام 529م أغلق الإمبراطور جستنيان المدرسة التي استمرت لعدة قرون في نشر تعاليمها، إضافة إلى المدارس الأثينية المنتشرة آنذاك.
- كتابات أبيقور
كتب أبيقور في مجالات عدة حتى قيل إن كتاباته ملأت 300 لفافة في مجال الطبيعة والفيزياء وعلم الفلك والأخلاق، ويذكر أن تعاليم الفلسفة الأبيقورية أتت بصورة رئيسية من مصادر ثانوية وليس من كتاباته الرئيسية، ويعد تيتوس لوكريتيوس كاروس من أشهر رواد المدرسة الأبيقورية الذي قدم العديد من الكتب التفصيلية حول نظريات أبيقور بما في ذلك الذرية واللانهائية والفناء والخوف من الموت والخوف من الآلهة والإحساس وعذاب الرغبة الإنسانية، وتُعدّ مكتبة فيلا البرديات في هيروكولانيوم المملوكة لوالد زوجة يوليوس قيصر أحد المواقع المتضمنة عددًا كبيرًا من الأعمال الأبيقورية المنسوبة إلى فيلوديمس وأبيقور نفسه.
- الأبيقورية خلال الحكم الروماني
نمت الأبيقورية إلى جانب الفلسفة الرواقية والشك وشكلت إحدى أشهر المدارس الفلسفية الهنلستية الثلاث واستمرت هيمنتها حتى انهيار الإمبراطورية الرومانية، وخلال هذه المرحلة ابتعدت الفلسفة عن الجانب السياسي إذ رأته لا يخدم الصالح العام وركزت على مبادئ السعادة والرغبات والصداقة، وبعد اغتيال يوليوس قيصر انخفضت شعبية الفلسفة الأبيقورية بين النخبة الحكومية الرومانية إلا أنها ازدهرت في أجزاء أخرى من الإمبراطورية مثل تركيا.
وتعرضت الأبيقورية للهجوم بشكل روتيني في القرن الثاني بعد الميلاد ما قبل انهيار الامبراطورية الرومانية لأنها تتعارض بشكل صريح وواضح مع المبادئ اليهودية والمسيحية، وبعد تنصير الإمبراطورية الرومانية من قبل قسطنطين الأول قُمعت الأبيقورية لعدة قرون وذُكرت فقط المبادئ الأبيقورية المختارة من قبل الكنيسة.
- الأبيقورية الحديثة
ما بعد القرن الخامس عشر ميلادي، بدأ المثقفون بالاهتمام بالكلاسيكيات اليونانية والرومانية مما ساعد على إعادة إحياء الأبيقورية من جديد، وفي القرن السابع عشر ميلادي أعلن عن النظام الأبيقوري الجديد من قبل بيير جاسندي الذي تحدى به نظريات ديكارت مما أثر على العديد من العلماء الإنجليز الذين من أهمهم جون لوك وإسحاق نيوتن وروبرت بويل وروبرت هوك، ويذكر أن الأبيقورية الجديدة ساعدت على إرساء أسس الفيزياء والكيمياء وعلم الفلك، وساهمت في النظرية السياسية والتجريبية الذرية في الفلسفة.
الأسس التي تقوم عليها الفلسفة الأبيقورية
تقوم الفلسفة الأبيقورية على المعرفة والتدريبات المتضمنة الامتناع عن الامتثال للرغبات الجسدية وتقوية التواصل الاجتماعي والصداقة والاستزادة من المعرفة والعيش بطريقة فاضلة ومعتدلة ومتواضعة، ويذكر أن هذه الأسس نابعة عن معتقدات أبيقور وأفكاره الخاصة وفيما ذكرها والتعريف بها:
- السعادة
يرى أبيقور أن السعادة ناتجة عن العوامل المحيطة والهدوء والطمأنينية والتحرر من الخوف وعدم وجود الألم، إذ أن توفر هذه العوامل كفيل بأن يشعر الإنسان بالسعادة.
- المتعة والألم
حدد أبيقور نوعين من المتعة إحداهما متحرك والآخر ثابت وكذلك الأمر مع الألم إذ رأى أن أحدهما جسدي والآخر عقلي، ويقصد بالمتعة المتحركة الرغبه في إرضاء الرغبات كتناول الطعام عند الشعور بالجوع، وفي تلك اللحظة يوجه أبيقور الإنسان لاتخاذ الإجراءات نحو الهدف المقصود وهو تحقيق المتعة بطريقة مرضية، أما المتعة الثابتة فهي التجربة الناتجة بمجرد تلبية الرغبات وهي الشعور بالشبع بمجرد تناول الطعام في حال الجوع.
واقترح في هذا الموضع أن هنالك علاقة ما بين الملذات والآلام الجسدية الحاضرة، وعلاقة بين الملذات والآلام العقلية في الماضي والمستقبل، ويتضمن هذا الذكريات الإيجابية التي تجلب مشاعر الفرح أو العكس.
- الرغبات
حدد أبيقور أن الرغبات الإنسانية تصنف ضمن ثلاث فئات وهي:
1) الرغبات طبيعية وضرورية مثل الطعام والمأوى والتي تحقق السعادة بشكل حقيقي.
2) الرغبات طبيعية غير ضرورية مثل الأطعمة باهظة الثمن والسلع الفاخرة التي اقترح أبيقور التقليل من تحقيقها للعيش بهدوء قدر الإمكان.
3) الرغبات الفاخرة والفارغة المتضمنة امتلاك السلطة أو المكانة أو الشهرة التي تحقق المزيد من السعادة إلا أن الإنسان لا يمتلك الدفع لتحقيقها في كافة الأوقات.
- الصداقة
ينظر أبيقور إلى الصداقة على أنها أهم الأسس التي تقوم عليها الأبيقورية والتي يمكن من خلالها تحقيق السعادة، إذ يعتقد أن الاتصال بالأصدقاء يحقق الشعور بالأمان بينما يسبب الافتقار إلى الاتصال بالأصدقاء الشعور بالعزلة واليأس.
ومن الجدير ذكره أنه ومن خلال الفلسفة الأبيقورية طور أبيقور مفهوم العدالة كعقد اجتماعي وعرفها بأنها اتفاقية تتضمن عدم التعرض للإيذاء أو الإقدام عليه إذ قال: "لا تُؤذي ولا تُؤذَى" بهدف العيش في مجتمع تسوده القوانين والعقوبات.