الفلسفة الإغريقية، أو كما تعرف أيضًا باسم الفلسفة اليونانية القديمة، هي اتجاه فكري ظهر بين القرن السابع والقرن السادس قبل الميلاد في عدد من المدن اليونانية، لا سيما مدينة إيونية التي تقع على الساحل الغربي لآسيا الصغرى، وانتشرت بعدها لأماكن أخرى مثل إيطاليا الجنوبية ومدن جزيرة صقلية الساحلية، واستمرت في الانتشار حتى وصلت لأثينا في القرن الخامس قبل الميلاد، حيث كانت في هذا الوقت في قمة ازدهارها، وركزت الفلسفة الإغريقية بصورة أساسية على الظواهر التي يمكن ملاحظتها وما هو السبب الأول وراء حدوثها، ويمكننا أن نقول عن الفلسفة الإغريقية إنها أساس المعتقدات والقوانين والقيم والأخلاق التي انتشرت بعد ذلك في جميع أنحاء العالم.

تاريخ الفلسفة الإغريقية

يمكننا تقسيم الفلسفة الإغريقية إلى ثلاث فترات أساسية، الفترة الأولى هي الفترة التي عُرف مفكروها باسم "فلاسفة ما قبل سقراط"، أما الفترة الثانية فهي التي تشمل أفكار كل من سقراط وأفلاطون وأرسطو، بينما تتناول الفترة الأخيرة –التي يطلق عليها اسم الفترة الهلنستية- ظهور أهم ثلاث مدارس فلسفية وهم: الأبيقورية والرواقية والمتشككين، وانتهت الفلسفة الإغريقية في القرن السادس الميلادي مع انتشار الديانة المسيحية.

فلاسفة ما قبل سقراط

فلاسفة ما قبل سقراط  هم مجموعة الفلاسفة الأوائل الذين وضعوا مبادئ الفلسفة الإغريقية، والذين كانوا يعيشون بين القرنين السادس والخامس قبل الميلاد، وحاول هؤلاء الفلاسفة اكتشاف أصل الأشياء أو بداياتها لمعرفة كيفية حدوث جميع الأحداث والظواهر الطبيعية في الحياة، وغالبًا ما يسمى أسلوب فكر فلاسفة ما قبل سقراط باسم "الفلسفة الطبيعية"، وشمل مفهوم الطبيعة لديهم جميع العناصر الروحية والأسطورية والمادية والجمالية.

فعلى سبيل المثال نجد الفيلسوف طاليس اقترح عام 585 ق.م أن السبب الأول لوجود العالم هو الماء، ولم يلاقي اقتراحه أي هجوم عليه على الرغم من أن الإغريق كانوا يؤمنون بالآلهة، لأن الماء كان مرتبط بالآلهة في عقيدتهم، وكان هو الشيء الواهب للحياة على الأرض، وجاء أنصار طاليس بعده ليكملوا ما قام به، على الرغم من أنهم اقترحوا عناصر مختلفة لتكون السبب الأول للوجود، فنجد أن الفيلسوف أناكسيمين رأى أن الهواء أو التنفس هو أصل الوجود، بينما رفض هيراقليطس العناصر السابقة وقال إن أصل الوجود هو النار، أما فيثاغورس فقال إن الوجود ما هو إلا أعداد رياضية، وهذا يعني أن الوجود عنده كان عدد ونغم.

السقراطيون

يطلق السقراطيون على الفلاسفة الثلاثة اليونانيين الأشهر وهم: سقراط وأفلاطون وأرسطو، إذ جاء سقراط بأساليب وطريقة طرح للأسئلة بحيث تحث العقل على التفكير، فكان لا يلقي المحاضرات على طلابه بل يسألهم أسئلة صعبة يتحدى بها افتراضاتهم وأفكارهم الأساسية، لذا يعرف سقراط بأنه أبو الفلسفة اليونانية، فحين جاء سقراط غيّر مجرى الفلسفة وجعلها متعلقة بقضايا الإنسان والنفس البشرية، واهتم بالأخلاق والسياسة، وثار ضد السفسطائيين الذين ظهروا في القرن الخامس قبل الميلاد وزرعوا الشك في نفوس الناس وقلبوا الحقائق وتلاعبوا بالكلمات، ودافع عن الفلسفة وأكد أنها تقوم على أسس العقل والجدل والبرهان المنطقي، وقال إن الهدف منها هو الحكمة وخدمة الحقيقة من أجل الحقيقة لا من أجل أي مصلحة، ورأى سقراط أن الحقيقة موجودة في ذات الإنسان لا في العالم الخارجي وأن على الإنسان أن يتأمل ذاته ليصل إلى الحقيقة.

وحين جاء أفلاطون استمر على ما كان يفعله سقراط، فدرس الأخلاق والعدالة والفضائل وغيرها من الأشياء التي تتعلق بالسلوك البشري، وألهمت أعماله الفيلسوف الذي أتى بعده وتلميذه أرسطو، إلا أن أرسطو على الرغم من أنه كان مهتمًا بالأخلاق والفضائل أيضًا، اهتم  بدراسة علوم أخرى معها مثل الفيزياء والفلك والأحياء والمنطق، لذا ينسب له الفضل في وضع أساس علم الحيوان، وبهذا يُعدّ أرسطو فيلسوفًا ماديًا، لأنه رأى أن العالم الحقيقي هو العالم الواقعي الذي نعيش فيه وأن العالم المثالي لا وجود له.

الفترة الهلنستية

بوفاة أرسطو عام 322 ق.م انتهت الفلسفة الكلاسيكية القديمة وظهر نوع آخر من الفلسفة الإغريقية التي عرفت باسم الفترة الهلينستية، والتي امتدت حتى ظهور الديانة المسيحية، التي كانت سبب في بداية نوع جديد يطلق عليه فلسفة القرون الوسطى، وتميزت الفترة الهلنستية بظهور ثلاث مدارس فلسفية هم:

الرواقية

نشأت الرواقية حوالي 300 ق.م تقريبًا على يد زينو الرواقي، والتي ترتكز على الميتافيزيقيا التي سبق وأن وضع أساسها هيراقليطس، وكانت الرواقية ترى أن الفلسفة ما هي إلا تحقيق حالة من الهدوء التام، والتي يمكن الوصول لها عن طريق التدريب والتعليم الذي يوصل المرء للانفصال عن احتياجاته وعدم الخوف من أي أوضاع جسدية أو اجتماعية والوصول إلى حالة من عدم الحاجة للجسد أو العواطف أو العلاقات كالصداقة، وهذا يعني أن الرواقي لن يركض وراء متعة أو نجاح أو علاقات طويلة الأمد، لأنه ببساطة لن يعيش لأجلهم.

الأبيقورية

تأسست الأبيقورية على يد أبيقور الذي يُعدّ واحد من أشهر الفلاسفة الذين يتم الاستشهاد بكلماتهم حتى الآن، والذي كان يرى أن الحياة تستحق أن تعاش وأن الإنسان يجب أن يبحث عن المتعة واللذة، وقامت الأبيقورية أيضًا على أساس الميتافيزيقيا، لكن للأسف فإن أغلب الناس على مر التاريخ أساءوا فهم الأبيقورية وظنوا أنها عقيدة تدعوا الناس للانغماس في الملذات والبحث عن المتعة الجسدية، لكن على العكس من ذلك، كان أبيقور نفسه معروف باعتداله في كل شيء حتى في تناول الطعام وكانت أفكاره تتمحور حول تنمية الأشياء التي تسعد الشخص وترفع من معنوياته، كالصداقة والأدب والفن والموسيقى.

المتشككة

ظهر المتشككون في الفترة الهيلنستية أيضًا، وهم مدرستين: أصحاب الشك البيروني، الذي يمثلهم بيرهو الإليسي أقدم فيلسوف يوناني متشكك، والذي تأثر بالتقاليد البوذية التي ظهرت في عصره ورأى أن الشك وتعليق الإجابة سيؤدي إلى وجود حالة من الحرية المضطربة التي تؤدي إلى السعادة، وكان هدفه استمرار حالة الاستقرار التي يعيش فيها الإنسان، وأصحاب الشك الأكاديمي الذي يمثلهم الفيلسوف أركسيلاوس، والذي قال إنه لا يوجد شيء لا يمكن الشك فيه، حتى الحقيقة يجب الشك فيها.

لمعرفة المزيد عن الفلسفة بشكل عام وعن تعريفها وفروعها وكيفية نشأتها، اطلع على هذا المقال.