ظهرت الفلسفة الشكية في اليونان القديمة في الفترة الهيلنستية، ويمكن أن نقول إن أول من بدأ فلسفة الشك كان السفسطائيون اليونانيون في القرن الخامس قبل الميلاد، وتنقسم المتشككة إلى مدرستين رئيسيين: المدرسة الأولى هي المدرسة البيرونية التي تنسب إلى بيرو، وهو الفيلسوف الذي صاحب الإسكندر في أثناء رحلته للهند، وتعني البيرونية الشك المطلق، والتي ترفض أي فكر يمكنه أن يدعي الحقيقة، وقام إنسيدموس بتطوير هذه المدرسة، أما المدرسة الثانية هي التي تعرف باسم الشكوكية الأكاديمية، والتي تطورت على يد كل من سقراط وتلميذه أفلاطون وكانت لها جذور مع الفيلسوف أرسيسيلاوس في القرن الثالث قبل الميلاد وكارنيادس في القرن الثاني قبل الميلاد.

أنواع الشك الفلسفي

وجد الشك في العصور القديمة "فترة ما قبل الميلاد"، لكنه تطور على مر القرون التالية لا سيما القرن السابع عشر الذي يُعدّ من أكثر القرون التي أحدثت فيه طفرة كبيرة، خصوصًا مع أعمال الفيلسوف الشكي "ديكارت"، صاحب العبارة الشهيرة: "أنا أشك إذن أنا أفكر إذن أنا موجود" وآمن أن الشك هو السبيل الوحيد للوصول إلى المعرفة وتحصيلها، ويمكننا تقسيم الشك لنوعين أساسيين، وهما:

الشك المذهبي

الشك المذهبي هو الشك الذي يعتمد صاحبه والمؤمنين به على الشك في كل ما يتعلق بحياتهم من أمور، وهم بهذا يتخذون الشك مذهبًا أساسيًا لهم، بحيث يشكون في كل شيء طوال الوقت، ويؤمنون أنه طالما كان الهدف هو الشك، فإنه سيؤدي دائمًا إلى الحصول على معرفة أو معلومة، تؤدي بدورها لحدوث الشك مرة أخرى، وهكذا في حلقة مفرغة لا تنتهي، وعلى هذا فإن صاحب هذا الفكر لا يصل لنتيجة أبدًا، بل يظل يدور حول نفسه ويتبادر إلى ذهنه الكثير من الأسئلة والشكوك، فيصبح شخصية غير سوية تتجنب الناس وتفضل العزلة.

الشك المنهجي

سمي الشك المنهجي بهذا الاسم لأن المؤمنين به يستخدمونه منهجًا لا أكثر، بهدف الوصول للحقيقة، وهذا على عكس الشك المذهبي الذي يهدف إلى الشك في ذاته، وعلى هذا فالشك المنهجي شك مؤقت، إذ يتخذه صاحبه في موقف معين حتى يصل للحقيقة ولا يعتنقه مذهبًا له، وبهذا فإن النتيجة النهائية له دائمًا ما تكون اليقين، ولهذا يتسم بأنه وسيلة لا هدف في حد ذاته، وأنه بناء ولا يجعل صاحبه يدور في حلقة مفرغة.

الفرق بين المدرسة البيرونية والأكاديمية المتشككة

هناك مدرستان للمتشككة، وهم المدرسة البيرونية والمدرسة الأكاديمية، ويمكن توضيح الفرق بينهم من خلال الآتي:

المدرسة الشكوكية البيرونية

ينسب ظهور الشك العملي أو البيرونية إلى بيرو أو بيرهو إليس، إذ يصنف أول فيلسوف متشكك ومؤسس للمدرسة الشكية المعروفة باسم البيرونية، لكن لا يعرف الكثير عن أفكار بيرو الفعلية، حتى أن سيرته الذاتية غير معروفة على وجه الدقة، والكثير منها مشكوك في مدى صحته، لكن يقال إنه كان رسامًا في بداية حياته، ثم تحول فيما بعد إلى الفلسفة بعد أن اطلع على أعمال ديموقريطس، ودرس في الهند بعد أن سافر لها بصحبة الإسكندر الأكبر، ودرس الفلسفة الشرقية واتخذ بعدها من العزلة نظامًا لحياته.

ويمكن تلخيص مبدأ الشك لديه في "Acatalepsia" والتي تعني أنه من المستحيل معرفة الأشياء بطبيعتها، لأن كل شيء يمكن أن يكون له نقيض بنسبة 50 إلى 50، ولا يمكن معرفة أيًا منهم أفضل من الآخر، وبالتالي فإن هذا المبدأ يطبق على الحياة بشكل عام، وتنتهي فكرة بيرو إلى بما أنه لا يمكن معرفة أي شيء على سبيل اليقين، فإن الموقف الذي يجب اتخاذه هو "التحرر من الشعور بالخوف والقلق"، وأن استحالة المعرفة هي التي يجب أن تدفع الرجل الحكيم إلى العزلة وتجنب التوتر والعواطف التي من شأنها أن تنمي الصراعات والتخيلات الوهمية، وقال بيرو إن الرجل الحكيم يجب أن يسأل نفسه ثلاثة أسئلة وهم:

  • ما هي الأشياء وكيف تخلق أو تصنع؟
  • كيف يرتبط الإنسان بهذه الأشياء؟
  • ما الموقف الذي يجب أن نتخذه تجاهها؟

ويقول إننا لا نعرف في الواقع شيئًا عن ماهية الأشياء إلا شكلها وكيف تظهر لنا، أما جوهرها الداخلي فنحن نجهله تمامًا، وهذا ما يجعل نفس الشيء يظهر بشكل مختلف إلى الآخرين عما نراه نحن، ولهذا فمن المستحيل التأكد من معرفة أي رأي هو الصحيح فيهم، وباختصار فإن هذه المدرسة تتبنى الفكرة التي تقول إن اليقين والمعرفة أمران مستحيلان الحدوث، وعلى هذا لا يمكننا أن نكون متأكدين من شيء مهما كان بسيطًا.

المدرسة الشكوكية الأكاديمية

يمكن أن تعود أصول المدرسة الشكوكية الأكاديمية إلى أفلاطون الذي آمن بأفكار معلمه سقراط، والذي كان يقول: "أنا أعرف فقط أنني لا أعرف شيئًا"، وكان منهجه المسمى "الديالكتيك السقراطي" يهدف إلى إظهار أن ما يعتقده محاوروه من معرفة آمنة وأكيدة ما هي إلا مزيجًا من الأفكار المتناقضة، وأبرز سؤال طرحه سقراط في حوار يوثيفرو والذي يوضح فكره هذا هو: "هل الأفعال الجيدة أخلاقيًا هي أفعال أرادتها الآلهة لأنها جيدة أخلاقيًا أم أن الأفعال جيدة فقط لأن الآلهة أرادت ذلك؟".

وفي النهاية يمكننا القول إن المنهج السقراطي والأفلاطوني لا يهدف إلى تعزيز الشك كما كان يحاول السفسطائيون أن يفعلوا، لكن كان يهدف إلى إظهار طبيعة الأشياء وتوضيحها لمعرفة ما هو موثوق وما هو غير موثوق، مع القضاء على النظرة السطحية المتناقضة للآلهة في إدارة الشؤون الإنسانية، وهذا يعني أن سقراط وتلميذه أفلاطون متشككين، لكن شكهم أكاديمي، بمعنى أن الغرض من الشك عندهم هو تعزيز انتباه الفرد وإيقاظ ضميره للوصول إلى الحقيقة العليا واكتشاف المعرفة الموجودة مسبقًا في عالم الأفكار.

الشك في العصر الحديث

في العصر الحديث توسعت النظرة المتشككة كما نلاحظ في أعمال فلاسفة مثل بليز باسكال وجورج بيركلي، وبحلول القرن السادس عشر كتب الفيلسوف الفرنسي ميشيل دي مونتين عن شكوكه حول قوة الإرادة البشرية، وفي القرن السابع عشر ظهر رينيه ديكارت بأفكاره الشكية، حيث حاول ديكارت الوصول إلى المعرفة الموثوقة والأكيدة عن طريق اليقين الداخلي، بينما نجد أن جون لوك عارض أفكاره، لأنه كان يرى أن الخبرة النابعة من الإدراك الحسي هي المصدر الحقيقي للمعرفة لا الأفكار الفطرية، وكان هذا القرن هو أكثر القرون التي توسعت فيها الفلسفة المتشككة.