تُعدّ الكتابة من أهم وسائل التواصل البشري وتتضمن أي لغة في العالم، سواء قديمة أو حديثة، مجموعة من العلامات والرموز المعروفة التي تمثّل اللغة المنطوقة، أمّا أنواع اللغات فهو مختلف وفقًا للمكان الجغرافي والحضارة، وتُعدّ الكتابة الهيروغليفية أقدم نظام كتابة في العالم وفيما يلي أهم المعلومات المتعلقة بها.
ما هي الهيروغليفية؟
الهيروغليفية هي نظام الكتابة الرسمي المستخدم في مصر القديمة، وكانت تُستخدم لكتابة اللغة المصرية، وجمعت الكتابة الهيروغليفية العناصر الأبجدية والمقطعية والمنطقية وخُطّت على الخشب وورق البردي، واشتقت من الهيروغليفية في وقت لاحق كتابات مصرية أخرى، وهي الكتابة الديموطيقية والكتابة الهيراطيقية، واشتُق منها الخط البروتوسيني الذي تطور بعد ذلك إلى الأبجدية الفينيقية، ويُعتقد وفقًا للنظم الرئيسية للكتابات القديمة أنّ الكتابة الهيروغليفية المصرية هي أصل معظم الكتابات الحديثة، مثل الكتابة العربية والكتابة اللاتينية.
نشأة الكتابة الهيروغليفية وتطورها
ترجع بدايات استخدام اللغة الهيروغليفية إلى العصر البرونزي المبكر، في حوالي القرن 32 قبل الميلاد، حيث عُثر على أول جملة بالكتابة الهيروغليفية قابلة لفك رموزها تعود للقرن 28 قبل الميلاد، وتطورت لاحقًا إلى نظام كتابة رسمي يستخدم النقش للتعبير عن اللغة في عصر المملكة المصرية الوسطى، واستُخدم في هذا العصر قرابة 900 علامة، وتوالى استخدام الكتابة الهيروغليفية في العصر الفرعوني المتأخر وعصر المملكة المصرية الحديثة، وبعدها استُخدمت في العصر الفارسي والعصر البطلمي والعصر الروماني، حيث عُثر على نقوش بالكتابة الهيروغليفية من العصر الروماني تعود لحوالي القرن الرابع للميلاد.
اختفاء الكتابة الهيروغليفية وظهورها مرة أخرى
أُغلقت المعابد الوثنية نهائيًا في القرن الخامس للميلاد واختفت المعرفة بالكتابة الهيروغليفية، فعلى الرغم من المحاولات العديدة التي حدثت، لم يتمكن أحد من تفكيك رموز هذه الكتابة، لكن بحلول القرن العشرين شنّ نابليون بونابرت حملة على مصر في عام 1798م، للسيطرة على شرق البحر الأبيض المتوسط والحد من الهيمنة البريطانية على الهند، وفي عام 1799م عثر جنود من جيش نابليون على حجر رشيد في أثناء إجراء أعمال حفرية بالقرب من مدينة رشيد، وأدرك أحد الضباط الأهمية التاريخية لهذا الحجر، وهو نصب من حجر الديوريت نُقش عليه مرسوم نيابة عن الملك بطليموس الخامس في 196 قبل الميلاد، وبعد هزيمة فرنسا من قِبل بريطانيا، استولت الأخيرة على حجر رشيد ونُقل إلى إنجلترا، ولم يتمكن العلماء من فك رموز اللغة الهيروغليفية المكتوبة على حجر رشيد إلا بحلول القرن التاسع عشر، حيث كان الحجر مفتاح فك رموز الكتابة الهيروغليفية المصرية.
النقوش المكتوبة على حجر رشيد
نُقش المرسوم الملكي بثلاث كتابات قديمة، وهي الهيروغليفية المصرية للنص العلوي والكتابة الهيراطيقية للجزء الأوسط والكتابة اليونانية القديمة للجزء الأخير، ونُقش نفس النص في جميع الكتابات الثلاث، والنقش على حجر رشيد هو مرسوم ملكي صادر عن مجلس الكهنة يتم التأكيد فيه على العبادة الملكية للملك بطليموس الخامس الذي يبلغ من العمر 13 عام، ووفقًا للنقوش المرسومة على حجر رشيد، كان من المقرّر وضع نسخ مماثلة من المرسوم في كل المعابد الرئيسية في مصر، وحجر رشيد الآن معروض في المتحف البريطاني منذ عام 1802م مع مجموعة من الآثار التي نقلتها بريطانيا من مصر بعد هزيمة فرنسا.
لماذا سميت الهيروغليفية بهذا الاسم؟
أطلق قدامى المصريين على الكتابة الهيروغليفية الكلمات الإلهية أو الخط الرباني لاعتقادهم أنّ إله الحكمة تحوت الذي صوروه على شكل طائر أبي قردان هو من اخترع الكتابة، وعندما جاء اليونان في وقت لاحق وشاهدوا هذه الكتابات على المعابد المصرية القديمة والآثار العامة، أطلقوا عليها الهيروغليفية (HIEROGLYPHS)، وهي كلمة مركبة من مقطعين الأول هيرو (HIERO) ويعني مقدس والثاني غليف (GLYPH) ويعني نحت، ليصبح معنى الكلمة النحت المقدس أو الكتابة المقدسة.
5 أسرار عن الكتابة الهيروغليفية في مصر القديمة
إلى جانب الأهرامات والمومياوات وأبو الهول، فإنّ الكتابة الهيروغليفية تُعدّ من أحد أهم الاكتشافات من حضارة مصر القديمة والتي تعود إلى أكثر من 5000 عام، ومن أبرز الحقائق الأساسية عن هذه الكتابة المصرية القديمة ما يأتي:
1) تستخدم الهيروغليفية الصور، لكنها لا تعني الكتابة بالصور
تبدو الرموز المستخدمة في الكتابة الهيروغليفية كأنها صور صغيرة للأشياء والإنسان والحيوان، وهذا قد يدفع للاعتقاد أنّ هذه الرموز تمثّل الحروف الهيروغليفية، ولكن في الواقع فإن نقش الطير يدل على الطير ونقش الأنف يدل على الأنف وهكذا، والكتابة الهيروغليفية تضم 1000 حرف، اختصرت في عهد المملكة المصرية الوسطى لتصبح 750 حرفًا.
2) ترتبط الهيروغليفية بمقابر النخبة
انحصر استخدام الكتابة الهيروغليفية في العصور المبكرة على المقابر الملكية بشكل خاص، إلى جانب انتشارها في معابد الآلهة، وبعد ذلك استُخدمت للتزيين والنقش على قبور الأشخاص الأثرياء الذين لا ينتمون إلى العائلة المالكة، ثمّ بدأ انتشار الهيروغليفية بشكل أوسع في وقت لاحق.
3) نظام الكتابة الهيروغليفية محير للغاية
لا تحتوي الكتابة الهيروغليفية على علامات ترقيم ولا مسافات بين الكلمات، وهذا يعني أنّ القارئ يجب أنّ يكون لديه إلمام تام بقواعد اللغة المصرية القديمة حتى يميز بين العبارات والكلمات والجمل، وعلى عكس اللغات الحديثة لا توجد جهة معينة لقراءة الهيروغليفية، فكتابتها يمكن أن تكون من اليمين إلى اليسار أو من اليسار إلى اليمين أو عموديًا أو أفقيًا.
4) فئة قليلة من قدامى المصريين كانوا يتقنون الهيروغليفية
كانت الكتابة الهيروغليفية حتى في المراحل المتقدمة من الحضارة المصرية القديمة حصرًا على الكهنة فقط، فوحدهم كانوا القادرين على كتابة الهيروغليفية وقراءتها.
5) لا يزال فك رموز الهيروغليفية يمثل تحديًا إلى الآن
لا يزال الباحثون يواجهون تحديًا كبيرًا في فك رموز الكتابة الهيروغليفية ومعرفة معاني نصوصها، وحتى قراءتها بصوت مرتفع ليس أمرًا بسيطًا، وقد تخضع بعض الأنظمة اللفظية المعقدة إلى التخمين بسبب صعوبة حلها.