تُعدّ الكتابة التّقنية الرئيسية التي ساعدت البشر على جمع المعلومات ومعالجتها وتخزينها واسترجاعها ونشرها، وساعدت الكتابة في حفظ تاريخ الحضارات من النسيان ونقله عبر الأزمنة، ففي البداية استخدم الإنسان في العصور الحجرية القديمة الرسومات والرموز على الصخور والكهوف والتي كان من الصعب على علماء الآثار والتاريخ فهم الكثير منها أو تفسيرها، وبعد أنّ ظهرت الكتابة  أصبح الأمر أكثر سهولةً وتطورًا فبدأ الإنسان بتدوين التاريخ على الجدران والألواح والصخور وبدأت الكتابة بالتطور حتى وصلت إلى ما هي عليه في وقتنا الحاضر.

تاريخ بدأ الكتابة

يتفق العلماء بأنّ الكتابة ظهرت لأول مرة قبل ما يقارب 5500 عام وكان ذلك في بلاد ما بين النهرين (العراق في وقتنا الحاضر) التي كانت حينها منطقة مهمة تحتوي على العديد من الثقافات، وبدأت الكتابة حينما بدأ السامريون الذين سكنوا العراق بتدوين الأحداث باستبدال الرسومات برموز مكتوبة على ألواح طينية وسُمي هذا النوع من الكتابة بالكتابة المسمارية، وللكتابة على هذه الألواح استعانوا بعيدان القصب وملؤوها بالطين الرطب وبدأوا بالنقش على الجدران أو على ألواح الطين الجافة، وأطلق على الكُتاب الذين أتقنوا الكتابة المسمارية اسم "كُتّاب الألواح" وكان معظمهم من الرجال مع وجود فئة قليلة من النساء.

استمرت الكتابة المسمارية لمدة 600 عام وكانت تُقرأ رموزها من الأعلى للأسفل ابتداءً من اليسار لليمين بخطوط أفقية، وفي عام 2340 قبل الميلاد سقطت سومر تحت حكم الأكاديين الذين استمروا في استخدام الكتابة المسمارية، واستمرت الكتابة المسمارية لعدة قرون واستخدمت أحرفها ما يزيد عن 15 لغة، واستمرت اللغة المسمارية لغة التعلم الوحيدة حتى 200 قبل الميلاد.

الكتابة الهيروغليفية

ظهرت الكتابة الهيروغليفية عام 3200 قبل الميلاد في مصر وتنقسم العلامات التي استخدمت في الكتابة المصرية القديمة إلى نوعين وهما كالتالي:

  • علامات صوتية: وهي العلامات التي تدل على صوت معين كالأحرف في وقتنا الحاضر وتنقسم هذه العلامات إلى ثلاثة أقسام وهي: علامات أحادية الصوت، علامات ثنائية الصوت، علامات ثلاثية الصوت.
  • علامات تصويرية: وهي العلامات التي تُعبر عن صورتها، فعلى سبيل المثال إذا رسموا حيوانًا فإنهم يقصدون التعبير عن الحيوان وكذلك الأمر لوصف الأنهار والجبال والإنسان وأعضائه والنبات، وفي وقتنا الحاضر هناك بعض اللغات ما زالت تعتمد على الطريقة التصويرية في الكتابة مثل اللغة الصينية.

واستخدم المصريون القدامى الكتابة لعدة وظائف منها الإدارية والقانونية والأدبية، وكانت هذه العلامات إما منحوتة على الصخور والجدران وإما مكتوبة، حيث تم العثور على كتابات مدونة بالحبر باستخدام أقلام القصب والفرش لأول مرة في مصر.

الحروف الصينية ورموز المايا

تم اختراع الكتابة على عدة مراحل؛ المرحلة الأولى كانت الكتابة المسمارية والثانية الكتابة الهيروغليفية والمرحلة الثالثة كانت الحروف الصينية في الصين قبل حوالي 1200 قبل الميلاد ورموز المايا في أمريكا الوسطى قبل حوالي 300 قبل الميلاد، حيث تم العثور على سجلات مكتوبة على عظام حيوانية تعود للحضارة الصينية وتناولت عدة مواضيع كالحديث عن المحاصيل الزراعية والحرب والأمور الطبية والعلاجية كالولادة وطريقة معالجة ألم الأسنان، وحتى يومنا هذا تم العثور على ما يقارب 150.000 قطعة من هذه العظام تحتوي على 4500 رمزًا مختلفًا.

أما رموز المايا التي تم التعرف عليها من خلال الاكتشافات الحديثة والتي تعود لحضارة شعب المايا التي سكنت أمريكا الوسطى كانت تُظهر عدة نقوش على ألواح من الحجر الجيري والفخار، ويضم نظام كتابة المايا ما يزيد عن 800 حرف ورمز والكثير منها تشبه إلى حد ما الرموز الهيروغليفية التصويرية، وحتى يومنا هذا ما زال العلماء غير قادرين على فك الكثير من كتابات المايا لسببين الأول هو أنّ كل حرف رسومي أو رمز يّشير إلى كلمة كاملة، والسبب الثاني هو أنّ الكتابات كان معظمها ذا طابع ديني، لذلك توصف كتابات المايا بأنها مُعقدة.

هل الأبجدية أعظم اختراع عرفته البشرية؟

الأبجدية هي الحروف التي تُستخدم من قِبل اللغة بشكل جماعي ويعتقد الكثير من العلماء أنّ الأبجدية هي في الحقيقة أعظم اختراع في العالم، حيث تمّ البدء في إنشائها قبل نحو 2000 عام في مصر القديمة كطريقة لإظهار الكلمات، وقرأها الأفراد الأوائل بصوت مرتفع، لتكون بعد ذلك ممارسة طبيعية ومعروفة على مدى العصور القديمة ثم العصور الوسطى، واليوم تُستخدم قرابة 26 أبجدية أساسية في جميع أرجاء العالم، وتُعدّ الأبجدية الوسيلة الوحيدة لمحو الأمية من المجتمعات، بدءًا من المصريين القدماء قبل ألفي عام وصولًا إلى هذا اليوم، حيث سمحت الأبجدية لجميع الأفراد بالقراءة والكتابة واكتساب المعرفة، بغض النظر عن مهنتهم أو حالتهم الاجتماعية أو الاقتصادية أو انتمائاتهم العرقية وغيرها من الفروقات البشرية الأخرى، وبالتالي المساهمة بشكل رئيسي في تطور دول العالم أجمع.