فاطمة الفهرية (بالإنجليزية: Fatima Al-Fihriya) هي فاطمة بنت محمد بن عبد الله الفهرية القرشية المعروفة أيضًا باسم أم البنين أو أم الأولاد -ويشير المؤرخ ياسر الهلالي أن هذا اللقب مصدره علاقتها المحبة مع طلابها- وهي من أصل عربي قرشي ومن هنا اشتق اسمها، وتُعرف بأنها أهم النساء التونسيات المسلمات اللاتي قدمن للحضارة والتاريخ الإسلامي أهم الإنجازات التعليمية إذ يرجع الفضل إليها في بناء أقدم جامعة تاريخية في العالم بصورة عامة، وفي المغرب بصورة خاصة.
تعد فاطمة الفهرية من الشخصيات البارزة التي تحظى بالاحترام والتقدير في الحضارة الإسلامية بصورة عامة وفي فاس بصورة خاصة، ويشار إلى أنه في عام 2017م أنشِئت جائزة فاطمة الفهرية التي تُمنح للمبادرات التي تشجع النساء في الوصول إلى تحمل المسؤوليات التدريبية والمهنية، ومن ناحية أخرى قدمت الجائزة العديد من المنح الدراسية للطلاب في شمال إفريقيا وأوروبا تكريمًا لهذه القامة العلمية والإسلامية.
فاطمة الفهرية... طفولتها ونشأتها
تفتقر المصادر التاريخية للمعلومات التي توثق حياة فاطمة الفهرية المبكرة ويذكر أنها ولدت حوالي عام 800م في مدينة القيروان في تونس وتوفيت عام 880م، وفي وقت مبكر من حياتها هاجرت وعائلتها إلى فاس من القيروان، إذ نشأت وترعرعت في كنف أسرة غنية فكان والدها محمد بن عبد الله الفهري تاجرًا محبًا للتعليم والعلم وشجع كل من فاطمة وأختها مريم على التعلم والاستزادة فيه، وقدم لهما التعليم الجيد فدرست فاطمة وأختها علم الفقه والحديث.
وبعد زواج فاطمة الفهرية توفي والدها ومن ثم زوجها مما خلّف لها العديد من الأموال الطائلة، إذ قررت فاطمة وأختها مريم استثمار هذه الأموال في فعل الخير الذي يعود على المجتمع المحلي بالفائدة، ووجدت أن المنطقة التي تقطن بها في المغرب (فاس) تفتقر لمكان تعليمي، فأسست حينها مسجد وجامعة القرويين، وقدمت فيه الدورات التدريبية الدينية والقرآن وتوسعت المناهح لاحقًا وضمت اللغة العربية والموسيقى والطب وعلم الفلك.
ويذكر أن فاطمة الفهرية ساعدت على تأسيس مفهوم الجامعة كما نعرفها في يومنا الحالي إذ وجدت أن التعليم بحاجة إلى مركز تعليمي يوفر العديد من الخدمات والفرص المتقدمة، إذ انتقلت هذه الفكرة وانتشرت في مختلف أنحاء العالم خلال العصور الوسطى مما ساعد على تأسيس الجامعات في أوروبا ومن أهمها جامعة بولونيا والتي أُسست عام 1088م وجامعة أكسفورد والتي أُسست عام 1096م.
ويذكر أن جامعة القرويين تُعدّ أول مؤسسة تعليمية تمنح درجة علمية في العالم وهي أحد المعالم البارزة المعترف بها ضمن قوائم التراث العالمي ومن قبل موسوعة جينس للأرقام القياسية كأول مؤسسة تعليمية في التاريخ، وشكلت مركزًا فكريًا في فترة العصور الوسطى وتستقبل الطلاب حتى يومنا الحالي من مختلف دول العالم، وتشير بعض المصادر أن كلًا من البابا سيلفستر الثاني(جيربرت دوريلاك) الذي يعزى إليه الفضل في إدخال الأرقام العربية إلى أوروبا والفيلسوف موسى بن ميمون تخرجا من جامعة القرويين.
فاطمة الفهرية وجامعة القرويين
أدركت فاطمة الفهرية أن مواردها المالية وعلمها لا بد أن يستثمرا في التعليم ونشر المعرفة من منطلق عقدي إيماني بحت، فعملت بشكل أساسي على تعليم الأطفال وغرس قيمة العلم في عقولهم وقلوبهم، ووفرت العديد من فرص التعليم لشباب فاس إلى أن اتخذت قرار بناء مسجد القرويين عام 859م، والذي تحول إلى جامعة فيما بعد، ويذكر أن هذه الجامعة سبقت جامعة الأزهر بما يقارب 100 عام وجامعة بولونيا بحوالي 200 عام، ومن الجدير ذكره أيضًا أن الجامعة وجدت في الأصل لخدمة المجتمع وتقديم العلوم الإسلامية بالدرجة الأولى ومن ثم توسعت مجالات التعليم فيها وشملت الشعر والفلسفة والرياضيات والعلوم.
اكتسبت جامعة القرويين شهرة كبيرة بين المسلمين والمسيحين وكان لها أثرًا كبيرًا في التاريخ الإسلامي عبر خريجيها الذي من أشهرهم وأبرزهم ابن رشد وابن خلدون، وعلى مر العقود والأعوام تنافس الرؤساء والملوك على توسعة بناء الجامعة ورُصدت الأموال الخاصة لذلك، وشهدت دولة المرابطين والدولة الزناتية ودولة الموحدين ودولة المرينيين حتى الدولة الحالية زيادة في رصد الأموال المخصصة للجامعة، وفي وقت من الأوقات التاريخية شكلت الجامعة مصدرًا ماليًا للدولة إذ كان صندوق الجامعة منفصل عن خزينة الدولة وتابع للأوقاف.
تحول جامع القروين إلى جامعة تمنح الدرجات العلمية لمنتسبيها عام 877م، أي قبل وفاة فاطمة الفهرية، فشهدت عام 877م تقديم الدروس العلمية في باحات المسجد من قبل أهل العلم والمعرفة، وفي فترة حكم دولة المرابطين، أي في القرن 11 ميلادي، تحول المسجد بشكل رسمي إلى جامعة تقدم مختلف العلوم إضافة إلى علم الفلك.
تاريخ جامعة القرويين
كانت جامعة القروين في بادئ الأمر مسجد بسيط مبني على مساحة 100 متر مربع يضم 4 أقسام ومأذنة وصحن المسجد ومحراب، وخلال حكم المرابطين تمت توسعة الجامعة وأضيف لها عناصر العمارة الأندلسية إذ ضمت النحت على الجبص والقباب المقرنصات والتيجان الرخامية والزخارف الكتابية والهندسية والزهرية والمنحوتات، ولاحقًا زينت الجامعة بالنقوش الكوفية.
وفي عهد الموحدين أعيد تجديد جامعة القرويين إذ أضيف إليها الزخارف الجديدة وبنيت المخازن تحت الأرض من الجزء الشمالي لتخزين النفط، وتم إنشاء بركة لتعزيز البنية التحتية الهيدروليكية ووجهت المياه إليها من أحد آبار المدينة، وزودت الجامعة بمصادر الإنارة عالية الجودة.
وفي العصر المريني بلغت جامعة القرويين ذروة ازدهارها إذ تم توسيعها بصورة أكبر وأصبحت تضم 15 بابًا و21 قوسًا 270 عامودًا، وأصبح البناء قادرًا على استيعاب 22700 شخص ضمن قاعاته المختلفة، واستلهم السعديون فيما بعد من قصر الحمراء تصميم الفناء الخارجي المتميز بعنصر الزخرفة المعمارية الفريدة، وفيما بعد تولى العلويون مهمة ترميم الأثريات والجدران والأعمدة.