معاهدة فرساي هي وثيقة سلام تمّ توقيعها بين الحلفاء والألمان والقوى الأخرى، وبناءً على هذه المعاهدة أُغلق ملف أحداث الحرب العالمية الأولى من جانب القانون الدولي، وتمّ التوصل إلى اتفاق على بنود المعاهدة بعد ستة أشهر من المفاوضات الشاقة، وهي مفاوضات مؤتمر باريس للسلام.

ملخص المعاهدة

وُقّعت معاهدة فرساي عام 1919م في قصر فرساي في باريس نهاية الحرب العالمية الأولى، ونصّت المعاهدة على شروط السلام بين ألمانيا والحلفاء المنتصرين، ووضعت المعاهدة مسؤولية بدء الحرب على عاتق ألمانيا وفرضت شروط شديدة وصارمة على الألمان، ويشمل ذلك نزع السلاح ودفع تعويضات هائلة والتنازل عن الأراضي، وأهانت معاهدة فرساي ألمانيا وأخفقت في حل المشكلات الأساسية التي أدت إلى اندلاع الحرب، وبالتزامن مع غضب الشعب الألماني من نتائج المعاهدة، كانت البلاد تعاني من أزمة اقتصادية شديدة، ممّا ساعد في صعود الحزب النازي بممثله أدولف هتلر إلى الحكم وتهيئة الظروف لقيام الحرب العالمية الثانية.

مؤتمر باريس للسلام

افتُتح مؤتمر باريس للسلام والذي خرجت منه معاهدة فرساي في 18 يناير 1919م، وهو تاريخ مهم لأنه يوافق ذكرى تتويج الإمبراطور الألماني فيلهلم الأول، والذي عُقد أيضًا في قصر فرساي في نهاية الحرب الفرنسية البروسية عام 1871م، والتي انتهت بانتصار بروسيا وتوحيد ألمانيا واحتلالها لمقاطعتي اللورين والألزاس الفرنسيتين، ولم تنسَ فرنسا ثأرها وأرادت الانتقام من الألمان من خلال اتفاقية السلام الجديدة، وهذا كان السر الذي يقف خلف اختيار الفرنسيين قصر فرساي لإجراء المفاوضات السلمية.

كواليس المعاهدة

عُقد مؤتمر باريس في الوقت الذي كان فيه العالم يعاني من انتشار وباء الإنفلونزا، وتولى ممثلو القوى العظمى الأربع زمام الأمور، وهم جورج كليمنصو رئيس وزراء فرنسا وديفيد لويد جورج رئيس وزراء المملكة المتحدة وتوماس وودرو ويلسون رئيس الولات المتحدة وفيتوريو أورلاندو رئيس وزراء إيطاليا، حيث رجع اتخاذ القرارات المهمة لهم، ولم يكن لممثلي الدول المهزومة أي آراء مأخوذة بالاعتبار في صياغة المعاهدة، وحتى الدول الحليفة للألمان لم تلعب سوى دور ثانوي غير مأخوذ به، وصُدم ممثلو ألمانيا من قسوة الشروط التي فُرضت على بلادهم وحاولوا تقديم اعتراضات على بنود المعاهدة، لا سيما بند تحميل ذنب الحرب لألمانيا وبند فرض التعويض عليها.

أهداف القادة الكبار الثلاثة من المعاهدة

كان لقادة الدول العظمى الثلاث أهداف متناقضة من فرض شروط معاهدة فرساي على ألمانيا، وكانت أهداف كل واحد منهم كما يلي:

  • سعى ممثل فرنسا جورج كليمنصو إلى تشديد العقوبات على ألمانيا بهدف إضعاف قوتها ومنعها من تشكيل أي تهديد لبلاده لاحقًا، حيث كان البلدان المتجاوران في نزاع مستمر.
  • كان رئيس الوزراء البريطاني ديفيد لويد جورج حذر من فرض عقوبات قاسية على ألمانيا، لكنه كان يدرك أنّ الشارع البريطاني ينتظر أن تدفع ألمانيا ثمن الحرب.
  • كان تركيز الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون على تحقيق السلام على المدى الطويل، ورأى أنّ فرض عقوبات مالية على ألمانيا تعويضًا للدول الأوروبية سيساعد في إعادة بناء أوروبا التي أنهكتها الحرب، واعتقد أنّ تشديد العقوبات على الألمان سيمنعهم من التخطيط لحرب مستقبلية.
  • أما فيتوريو أورلاندو رئيس الوزراء الإيطالي فكان هدفه توسيع نفوذ بلاده وتحويلها إلى قوة عظمى تضاهي قوة الدول الكبرى الأخرى.

خسارة الأرض

وفقًا لبنود معاهدة فرساي تمّ تخفيض عدد سكان ألمانيا وأراضيها حوالي 10%، ففي الغرب أعادت ألمانيا لورين والألزاس لفرنسا، ووضعت سارلاند تحت إشراف عصبة الأمم حتى عام 1935م، وفي الشمال تنازلت عن ثلاث مناطق لبلجيكا، كذلك تنازلت عن شمال شليسفيغ للدنمارك، وأُعلن عن استقلال غدانسك البولندية، وأُجبرت ألمانيا على التخلي عن جميع مستعمراتها الخارجية في الصين وإفريقيا والمحيط الهادئ واليابان وفرنسا ودول الحلفاء الأخرى.

القيود العسكرية والتعويضات المالية

بموجب بنود معاهدة فرساي أُجبرت ألمانيا على دفع مبلغ ضخم تعويضًا عن الأضرار والخسائر التي لحقت ببعض الدول نتيجة الحرب العالمية الأولى، لا سيما فرنسا وبلجيكا، وإذا تأخرت ألمانيا عن دفع هذه التعويضات فإنّه سيترتب عليها إجراءات عقابية صارمة، وللحد من القوة الألمانية فرضت بنود المعاهدة على ألمانيا اقتصار عدد جيشها على 100 ألف رجل فقط، وتمّ فك هيئة الأركان العامة للجيش، كذلك تمّ حظر تصنيع الدبابات والسيارات المصفحة والطائرات والغواصات والغازات السامة على ألمانيا وحصر تصنيع الأسلحة والذخائر بعدد قليل من المصانع وفرض نزع السلاح على كل أراضي ألمانيا الواقعة غرب نهر الراين.

كيف أدت معاهدة فرساي إلى اندلاع الحرب العالمية الثانية؟

نظرًا للشروط القاسية التي فُرضت على ألمانيا في معاهدة فرساي، فإنّ السلام لم يستمر لفترة طويلة، فالألمان مستائين من بنود المعاهدة، ورأوها إملاءات سلام إجبارية، وغضبوا من وضع كل اللوم عليهم في قيام الحرب، وتحميل دولتهم عبء تعويضات تجاوز 132 مليار مارك ألماني (نحو 33 مليار دولار)، والذي توقّع الاقتصاديون أن يؤدي هذا المبلغ الضخم إلى انهيار الاقتصاد الألماني، وكل هذه العوامل مجتمعة ساهمت بشكل أساسي في قيام الحرب العالمية الثانية عام 1939م.

معاهدة فرساي من وجهة نظر المؤرخين

تعد معاهدة فرساي واحدة من أكثر معاهدات الهدنة إثارة للجدل في التاريخ، حيث أجبر فرض بند "ذنب الحرب" ألمانيا ودول حليفة لها على تحمّل مسؤولية قيام الحرب العالمية الأولى، وبناءً على هذا البند خسرت ألمانيا جزء من أراضيها وخفضت قواتها العسكرية ودفعت تعويضات لدول التحالف، لذلك يشير بعض المؤرخين أنّ معاهدة فرساي كانت واحدة من أخطر أعمال الحنكة السياسية، والتي ساهمت في اضطراب السياسة والاقتصاد في ألمانيا، ممّا سمح بتشكيل الحلف النازي (الاشتراكي الوطني) بعد عام من توقيع المعاهدة، بينما يعتقد مؤرخون آخرون أنّ معاهدة فرساي تمكنت من تحجيم القوة الألمانية، ومنع ألمانيا وحلفائها من الاستيلاء على المزيد من الأراضي بسبب ضعف قوتهم العسكرية والاقتصادية.