معركة جوتلاند أو يوتلاند أو جاتلاند (بالإنجليزية: Battle of Jutland)، وتسمى كذلك معركة سكاجيراك، هي أكبر المعارك البحرية التي نشبت في فترة الحرب العالمية الأولى ووقعت أحداثها بين الأسطولين الألماني والبريطاني شرق جوتلاند في بحر الشمال من 31 مايو حتى 1 يونيو 1916، وتعد المعركة البحرية الوحيدة التي شاركت بها البوارج البحرية خلال الحرب العالمية الأولى.
خلفية تاريخية
لم تحدث أي مواجهات بحرية كبرى بين القوى البحرية العظمى في العالم، بريطانيا وألمانيا، قبل عام 1916، على الرغم من سباق التسلح الذي نتج عنه تأسيس أساطيل كبيرة استعدادًا لأي معارك بحرية كبيرة بين السفن الحربية الجديدة المدرعة وسفن الطرادات الأكثر حداثة، وفي يناير 1916 تمّ تعيين الأدميرال راينهارد شير قائد جديد للقوات البحرية الألمانية، والذي واصل عمله بحرص ودقة، وكان الألمان يمتلكون أقل من 100 سفينة مقابل البريطانيين الذين يمتلكون أسطول بحري كبير مؤلف من نحو 150 سفينة، وخطط شير لإغراق الأسطول البريطاني في المعركة القادمة، لكن باءت مخططاته بالفشل بعدما تمكن البريطانيون المستعدين للمواجهة من محاصرة الأسطول الألماني.
ما قبل المعركة
بعد معركة دوغر التي جرت في يناير 1915، فضّلت البحرية الألمانية ترك فاصل زمني لا يقل عن عام قبل مواجهة البحرية الملكية البريطانية المتفوقة عدديًا من جديد، واختارت وضع معظم جهودها في تعزيز وجودها البحري معتمدة على قواربها المقاتلة يو-بوت، والتي أطلق عليها الألمان اسم الغواصة، وبالرغم من ذلك، وفي مايو 1916عندما كان الجزء الأكبر من الأسطول البريطاني راسيًا بعيدًا في سكابا فلو قبالة السواحل الشمالية لاسكتلندا، ظنّ قائد أسطول أعالي البحار الألماني الأدميرال راينهارد شير أنّ الوقت حان لشن هجمات بحرية على أسطول الإنجليز، حيث كان شير واثق من أن اتصالاته التي أجراها للتخطيط للهجوم مشفرة بشكل آمن، فهو كان وجّه أمر لتسع عشرة غواصة من طراز يو-بوت (U-boat) للاستعداد لشن هجوم على مدينة سندرلاند الساحلية على بحر الشمال، ولكن حدث أمران أعاقا سير الغارة الألمانية المفاجئة، أولها عدم تمكن مناطيد الاستطلاع الجوي من مراقبة حركة الأسطول البريطاني في سكابا فلو لسوء الأحوال الجوية، وثانيهما علم القوات البحرية البريطانية بأمر الهجوم الألماني، حيث تمكنت وحدة استخبارات تمّ إنشاؤها حديثًا من التقاط رسائل شير وفك رموزها، وبناءً عليه تمّ إيصال رسالة تحذير لقائد الأسطول البريطاني الأدميرال جون روشورث جيليكو، وعلى إثر ذلك وفي ليلة 30 مايو تجهّزت قوة بحرية بريطانية مكونة من ثمان وعشرين سفينة حربية وتسع طرادات قتالية وأربع وثلاثين طرادات خفيفة وثمانين مدمرة، واتجهت إلى المواقع قبالة سكاجيراك.
بدء المعركة
في حوالي الساعة الثانية والنصف من بعد ظهر 31 مايو رصدت القوات البريطانية بقيادة الأدميرال ديفيد بيتي السفن البحرية الألمانية التي كانت بقيادة الأدميرال فرانز فون هيبر، ولكن لم يتم إطلاق النار من كلا الطرفين حتى حوالي الرابعة من ذلك اليوم، ومع بدء المرحلة الأولى للمعركة التي استمرت 55 دقيقة، تمّ تدمير سفينتين من البحرية البريطانية، مما أدى إلى مقتل أكثر من 2000 جندي، وبعد الجولة الأولى انضم بقية الأسطول الألماني بقيادة الأدميرال راينهارد شير إلى السرب المقاتل، مما أجبر بيتي على الانسحاب من المواجهة لحين وصول جون جيليكو بباقي الأسطول البريطاني، وبدأت المعركة مع مواجهة الأسطولين بالكامل، وكانت معركة بحرية عظمى بين القادة الأربعة، خاصةً بين شير وجيليكو، وتواصل القتال بين أقسام الأسطولين حتى وقت متأخر من ساعات المساء، وفي صباح 1 يونيو قام جيليكو بشن هجمة من 96 سفينة قام فيها بمحاصرة 59 سفينة ألمانية، مما أدى إلى شل حركة سفن هيبر الرئيسية، بعد استهدافها بأكثر من 24 ضربة مباشرة، وبحلول ساعات المساء من نفس اليوم، تمكن الأسطول البحري الألماني من تنفيذ انسحاب مدروس تحت غطاء الظلام، إلى قاعدته في ميناء فيلهلمسهافن الألماني، وبهذا الانسحاب تمّ إنهاء معركة جوتلاند البحرية.
نتائج المعركة
انتهت المعركة بخسارة البريطانيين 14 سفينة وأكثر من 6000 مقاتل، ولكن لم يؤثر ذلك على قوتهم بشكل كبير حيث كانوا مستعدين تمامًا للدخول في مواجهة جديدة في اليوم التالي، بينما تضرّرت القوات الألمانية التي فقدت 11 سفينة وأكثر من 2500 مقاتل إلى حد كبير للغاية، ولم تعاود محاولة شن أي هجوم على القوات البريطانية، ولكن على الرغم من أنّ معركة جوتلاند لم تكن حاسمة، أكدت على سيطرة البحرية البريطانية وضمنت هيمنتها على الممرات الملاحية، مما سمح لبريطانيا بالنجاح في الحصار الذي أسهم في النهاية بهزيمة ألمانيا عام 1918.
إعلان النصر من كلا الجانبين
أعلن الجانبان الألماني والبريطاني عن انتصاره في المعركة، في الوقت الذي انتقدت فيه الصحافة البريطانية إخفاق الأسطول البريطاني الكبير في تحقيق نتيجة حاسمة على العدو، بينما فشلت خطة شير في إحداث دمار كبير بالأسطول البريطاني، ولكن تمكنت الاستراتيجية البريطانية من منع الألمان من الوصول إلى المحيط الأطلسي والمملكة المتحدة، وهو هدف الإنجليز على المدى الطويل، وبالرغم من ذلك بقي البريطانيون حذرين من أي هجوم ألماني مباغت، مما دفعهم لتركيز بوارجهم البحرية في بحر الشمال، وحدثت خلافات كبيرة بين مؤيدي بيتي وجيليكو حول أدائهم في المعركة، وما يزال هذا الجدل وأهمية المعركة مستمرين حتى الوقت الحاضر.
8 حقائق مثيرة حول معركة جوتلاند
وفقًا لبعض المؤرخين العسكريين، فإنّ معركة جوتلاند تعد انتصار تكتيكي لألمانيا، بينما هي انتصار استراتيجي لبريطانيا، ومن أبرز الحقائق حول المعركة ما يلي:
- عُرف الأسطول الألماني باسم أسطول أعالي البحار، بينما عُرف الأسطول البريطاني باسم أسطول البحرية الملكية.
- سمّيت المعركة بهذا الاسم نظرًا لأنّها حدثت قبالة شبه جزيرة جوتلاند الدنماركية.
- كان هدف الألمان بقيادة الأميرال راينهارد شير وفرانز هيبر استدراج الأسطول البحري البريطاني بعيدًا عن بحر الشمال.
- كان هدف الإنجليز بقيادة الأميرال جون جيليكو وديفيد بيتي شن ضربة حاسمة على الأسطول الألماني.
- على الرغم من امتلاك البريطانيين طائرة استطلاع مائية، لم تلعب دور كبير في المعركة.
- سمح اللون الرمادي للسفن الألمانية ببعض التمويه تحت سماء بحر الشمال الملبدة بالغيوم.
- تعرض القائد جيليكو لانتقادات حادة في بريطانيا بسبب عدم إدراكه لخطة الأسطول الألمانية الانسحابية، في الوقت الذي لم يحصل القائد شير على تقدير يوازي استراتيجيته الفعالة في المعركة.
- بعد انتهاء المعركة عاد الألمان إلى استراتيجيتهم المتمثلة في حرب الغواصات غير المقيدة.