معركة المارن الثانية (بالإنجليزية: Second Battle of the Marne) هي إحدى المعارك التي وقعت عام 1918م، أبّان الحرب العالمية الأولى، وجرت أحداثها على نهر المارن الفرنسي بين الجيش الألماني وقوات الحلفاء، وانتهت بانتصار الحلفاء على الألمان.

دوافع المعركة

وقعت معركة المارن الثانية في الفترة ما بين 15-18 يوليو 1918، وكانت أخر هجوم ألماني كبير خلال الحرب العالمية الأولى، فبعد نجاح أربع هجمات للألمان على فرنسا من مارس إلى يونيو 1918، قرر قائد القيادة العليا الألمانية الجنرال إريك لودندورف توجيه هجوم آخر ضد القوات الفرنسية، لسحب الجيش الفرنسي بعيدًا عن منطقة فلاندرز الممتدة بين فرنسا وبلجيكا ، والذي كان يهدف إلى شن هجمة نهائية ضدها، وكان الهدف من هذه العمليات العسكرية إضعاف القوات الفرنسية وتقسيمها والسيطرة على منطقة ريمس الفرنسية، ولكن توقع الجنرال الفرنسي فرديناد فوش الهجوم القادم ووضع استراتيجيات صارمة لمواجهة الألمان، وبالفعل وجدت القوات الألمانية مقاومة فرنسية شرسة لم تكن في الحسبان.

هجمات الربيع

في بدايات عام 1918 بدأ الجنرال إريك لودندورف بتنفيذ سلسلة من الهجمات الألمانية التي سُميت باسم هجمات الربيع بهدف هزيمة قوات الحلفاء وعرقلة وصولهم إلى الجبهة الغربية، وعلى الرغم من أنّ القوات الألمانية حققت بعض التقدم والنجاح في هذه الهجمات، تمكنت قوات التحالف من وقفها، وبحلول الصيف قرر الجنرال إريك لودندورف استئناف هجماته ضد قوات التحالف من جديد.

تعزيزات الحلفاء

نظرًا لتوقع فرنسا الهجوم الألماني على قواتها طلبت تعزيزات من قوات الحلفاء، حيث تمّ إمداد الجيش الفرنسي في المنطقة بنحو 85000 جندي أمريكي، إضافةً إلى الفيلق البريطاني الثاني والعشرين، وقبل بدء المعركة كانت المعلومات الاستخباراتية للحلفاء أحاطت بمعظم المعلومات اللازمة عن الهجوم الألماني، بما في ذلك تاريخ الهجوم الوشيك وتوقيته، وبناءً على ذلك تمّ وضع الخطط العسكرية اللازمة لصد الهجوم الألماني المقرر تنفيذه في 18 يوليو.

الخطط الألمانية

في صبيحة يوم 15 يوليو 1918 بدأت المعركة بخطة الجنرال الألماني إريك لودندورف بتقسيم جيشه إلى عدة فِرق لضرب القوات الفرنسية وإضعافها من كل الجوانب، فبينما كان مخطط لـ 17 فرقة من الجيش الألماني مهاجمة الجيش السادس الفرنسي، كان على قوات أخرى توجيه هدفهم نحو جنوب نهر المارن للاستيلاء على إبيرناي، وكانت 23 فرقة من الجيش الألماني على وشك مهاجمة الجيش الفرنسي بالقرب من نهر المارن، وكان يهدف هذا الهجوم المزدوج إلى تقسيم الجيش الفرنسي وإنهاكه.

بدء المعركة

بدأ الجيش الألماني هجومه بقصف مدفعي أولي، ووجدوا أنّ الفرنسيين وضعوا خنادق وهمية في المقدمة يحرسها عدد قليل من الجنود، بينما الخط الأمامي الفعلي الذي كان أبعد من ذلك لم يصله القصف، وهذه الاستراتيجية كانت من تدبير القائد الأعلى للجيش الفرنسي الجنرال فيليب بيتان، ونجحت هذه الخطة تمامًا، حيث قصفت المدفعية الألمانية الخنادق الفارغة بوابل من النيران، والتي كان يُفترض أن تكون موجهة لتمهيد الطريق أمام القوات الألمانية للتقدم، ولكن عند مواصلة الألمان تقدمهم تفاجئوا عند اقترابهم من الخطوط الأمامية الحقيقة للحلفاء بنيران كثيفة أطلقتها القوات الفرنسية والأمريكية، ووجدوا أنفسهم وقعوا في الفخ، وأصبحوا محاصرين من جميع الاتجاهات، مما كلفهم خسائر فادحة للغاية لم تكن متوقعة على الإطلاق.

توقف الألمان

سرعان ما تعثر هجوم القوات الألمانية نتيجة قصف عمقها بكثافة من قِبل قوات الحلفاء، التي تمكنت من إيقاف التقدم الألماني بكفاءة عالية، وأوقف الألمان هجومهم قرابة الساعة 11 صباح اليوم الأول للمعركة، ولم تتم مواصلة الهجوم نظرًا لاستحالته في ذلك الوقت، وبدأ الألمان بالتراجع وعبور نهر المارن والتمركز على جسر رأس المارن.

هجوم الحلفاء المضاد

واصلت الجيوش الفرنسية والأمريكية، بمساندة من القوات البريطانية، اللحاق بالقوات الألمانية وإجبارها على التخلي عن الأراضي التي حصلت عليها، وكان الموقف الألماني ضعيف للغاية، إذ كان يصعب نقل التعزيزات والإمدادات للجيش عبر نهر المارن بسبب الهجمات المدفعية والجوية المستمرة من قِبل الحلفاء، وكلّف ذلك القوات الألمانية المزيد من الخسائر الفادحة.

تراجع الألمان من جديد

تمكنت الهجمات المتواصلة والمكثفة لقوات الحلفاء من إجبار الألمان على التراجع عن رأس جسر المارن، حيث بدأوا في تغطية انسحابهم إلى خط نهري فيسل وأيسن، وفي اليوم التالي تراجعت القوات الألمانية إلى المناطق التي سيطرت عليها في بداية هجمات الربيع، واستطاع الدفاع الألماني صد عدة هجمات لقوات الحلفاء حاولت من خلالها اجتياز هذه الخطوط، وبعد انتهاء المعركة كان الحلفاء عززوا انتصاراتهم وأصبحوا أكثر حذرًا تحسبًا لأي أعمال هجومية جديدة للألمان.

نتائج المعركة

كلّفت معركة المارن الثانية الجيش الألماني نحو 139000 ضحية ما بين قتيل وجريح، بالإضافة إلى 29367جندي وقعوا في الأسر، بينما بلغ عدد قتلى وجرحى قوات الحلفاء 95165 فرنسي و16552 بريطاني و12000 أمريكي، وانتهت المعركة بهزيمة فادحة للجيش الألماني، وعلى إثر ذلك ألغى الجنرال إريك لودندورف الهجوم المخطط في فلاندرز، مع فشلهم في نهاية المطاف من تحقيق أي إنجازات مرجوّة.

أبرز الأسماء المعارضة للحرب

عارض ولي عهد ألمانيا الأمير فريدرخ فيلهلم هجوم بلاده من جديد على فرنسا قبل وقت طويل من حدوث معركة المارن الثانية، وكان من مؤيدي السعي للسلام منذ عام 1917، واصفًا الحرب بأنّها لا معنى لها، ولكن لم يؤخذ برأيه إلى حد كبير، وبقي الأمير جنرالًا محترمًا حتى بعد هزيمة ألمانيا في معركة المارن الثانية، حتى الوقت الذي طلب منه دعم حزب هتلر النازي، ونتيجة رفضه هذا العرض عاش بقية حياته مع زوجته كأي مواطن ألماني عادي.