معركة باشنديل هي إحدى معارك الحرب العالمية الأولى، وقعت في عام 1917 بين القوات الألمانية والقوات البريطانية، وتكبّد فيها البريطانيون خسائر لا يُستهان بها، وخلّفت المعركة خسائر متعددة في صفوف الحلفاء الإيطاليين والروس والفرنسيين.
معركة باشنديل بإيجاز
وقعت معركة باشنديل المعروفة أيضًا باسم معركة إيبرس الثالثة خلال الحرب العالمية الأولى في الفترة ما بين 31 يوليو 1917 إلى 10 نوفمبر من نفس العام، ودارت أحداثها حول إيبرس على الجبهة الغربية في بلجيكا، حيث كانت القوات الألمانية وقوات الحلفاء في صراع عنيف على مدى الثلاث سنوات السابقة، وفي 31 يوليو بدأ البريطانيون الهجوم لاختراق الخطوط الألمانية عن طريق الاستيلاء على سلسلة من الجبال القريبة من قرية باشنديل المحطمة، وفي محاولة لتنفيذ هذا المخطط شنّت القوات البريطانية والنيوزيلندية والأسترالية هجمات فاشلة، وفي 26 أكتوبر تمّت الاستعانة بالقوات الكندية التي تمكنت من السيطرة على الجبال في 6 نوفمبر تحت القصف والأمطار الغزيرة الذي حوّلت أرض المعركة إلى مستنقع، ووقع نحو 16000 جندي كندي ما بين قتيل وجريح، وبالرغم من ذلك لم تخدم معركة باشنديل مصلحة الحلفاء كما كان مخطّط لها، بل أصبحت إضافة أخرى إلى المذابح الحمقاء التي جرت في الحرب العالمية الأولى.
التحضير للمعركة
بحلول ربيع عام 1917 بدأت ألمانيا في اتّباع استراتيجية حرب الغواصات وأغرقت العديد من السفن التجارية في المياه الدولية، وبالتزامن مع ذلك بدأت مجموعات من الجنود الفرنسيين المستنزفين بعد معركة السوم بالتمرد على القوات الألمانية، على الرغم من عدم استعداد فرنسا للقتال في هذه الفترة، ودعّم قائد القوات البريطانية السير دوغلاس هيج هجوم القوات الفرنسية من خلال البدء بهجوم آخر من تنفيذ جيشه، وأراد مهاجمة الألمان في مدينة إيبرس في منطقة فلاندرز البلجيكية، حيث كانت المنطقة ساحة نشطة للمعارك منذ عام 1914.
بدء المعركة
بدأت المعركة بقصف مدفعي أولي لقوات التحالف استمر لأسبوعين، أُطلقت فيه آلاف القذائف على مواقع ألمانية، وفي الساعة 3:50 صباح 31 يوليو 1917 بدأ الهجوم الكبير، الذي تمكّن فيه الحلفاء من تحقيق بعض المكاسب، ولكن ليس دون خسائر، ففي فترة ما بعد ظهر اليوم الأول للمعركة بدأت الأمطار تهطل بغزارة، ممّا أفقد جنود المدفعية البريطانيين رؤية القوات المتقدمة، ولم يستطيعوا مساندتهم في صد الهجوم الألماني المضاد، ممّا أعاق تقدّم قوات التحالف وأفقدهم تقدّمهم، ومع استمرار نزول المطر تحولت المناظر الطبيعية إلى مستنقع من الوحل، وتأثر بذلك الفرنسيون والبريطانيون، الذين حاولوا بكل جهودهم إحراز تقدّم نحو الأرض المتنازع عليها، وكانت هذه المهمة شبه مستحيلة، حيث أوقف المطر الغزير عملية القصف وإمدادات الأسلحة وحتى تحرّك جنود المشاة، وبعد اليوم الأول سعى كل من طرفي النزاع إلى إثبات موقفهما، ولكن بحلول يوم 2 أغسطس أوقفت الأمطار الشديدة أي نوع من الحركة وتأجل الهجوم تمامًا لبضعة أيام.
استمرار الهجوم
عادت جميع القوات إلى أرض المعركة من جديد بعد عدة أيام من التوقف بسبب غزارة الأمطار، وحققت قوات التحالف في الفترة ما بين 16-18 أغسطس 1917 مكاسب لا يُستهان بها من مساحة الأرض، ولكن عادت القوات الألمانية وأجبرتهم على الانسحاب، ومرة أخرى أعاقت الأمطار محاولات الهجوم، في الوقت التي كانت الروح المعنوية للألمان أعلى مما توقعه البريطانيون الذين شملت قواتهم جنود من أستراليا والهند ونيوزلندا وجنوب إفريقيا ومنطقة بحر الكاريبي إلى جانب الجنود البريطانيين.
تدخل القوات الكندية
مع تعثر جهود قوات التحالف وازدياد إرهاقها، إضافة إلى الدفاع الألماني المستميت وصعوبة الأحوال الجوية، بعث قائد القوات البريطانية دوغلاس هيج في منتصف أكتوبر رسالة استغاثة للقوات الكندية في محاولة لإنقاذ الموقف وتحقيق النصر، وعلى الرغم من اعتراض قائد الفيلق الكندي الجنرال آرثر كوري على التدخل في هذه المعركة، قاتلت القوات الكندية إلى صف قوات التحالف حتى تمّ الاستيلاء على جبال باشنديل في 10 نوفمبر 1917، ولكن سقط نحو 16000 جندي كندي ما بين قتيل وجريح في هذا الهجوم، وهو ما كان يتوقعه الجنرال آرثر كوري.
نهاية المعركة
بعد أكثر من ثلاثة أشهر من الصراع الدموي العنيف انتهت معركة باشنديل فعليًا في 6 نوفمبر 1917 بانتصار حصلت عليه قوات التحالف في قرية باشنديل البلجيكية بشق الأنفس، والتي استطاعت فرض سيطرتها على سلسلة جبال باشنديل، ومع نهاية المعركة كان جنود قوات التحالف في حالة إنهاك شديد، فالقائد دوغلاس هيج كان يدفع رجاله إلى الأمام بكل عزم على الرغم من معرفته بوصولهم إلى حالة إعياء شبه تامة، وبعد الاستيلاء على الجبال أعطى الجنرال دوغلاس الأمر بإنهاء الهجمات معلنًا النصر، في الوقت الذي كانت فيه القوات البريطانية منهكة تمامًا بعد معركة طويلة دامية خسرت فيها نحو 275000 جندي بريطاني، منهم 70000 قتيل.
تقييم المعركة كحدث تاريخي
بعد خسارة القوات البريطانية لعدد هائل من الضحايا بين صفوفها أصبح موقف الجنرال دوغلاس هيج غير قوي إطلاقًا، فهو كان تعهد منذ البداية بعدم وقوع خسائر كبيرة بين قواته، وفي المقابل وقع بين صفوف الجيش الألماني نحو 220.000 جندي ما بين قتيل وجريح، وفي النهاية لم تكن معركة باشنديل جديرة بخسارة هذه الأعداد الكبيرة من الرجال، ففي عام 1918 تمّ الانسحاب من الأرض التي سيطر عليها الحلفاء استعدادًا لمواجهة هجوم ألماني جديد، وبذلك ستبقى معركة باشنديل تاريخيًا واحدة من ضمن أسوء معارك الحرب العالمية الأولى، والتي جرى فيها الكثير من القتال دون وجود مبرر حقيقي له، والذي زاد الأمر سوءًا هو تهاون كبار قادة الحرب بأرواح الرجال الذين كانوا تحت إمرتهم، من ناحية أخرى تكبّدت القوات الألمانية خسائر بالغة بين صفوف قواتها بلغت نحو 275000 بين جريح وقتيل.