معركة لودز (بالإنجليزية: Battle of Lodz) هي معركة وقعت في مدينة لودز في بولندا في  خلال الحرب العالمية الأولى، ودارت أحداثها بين الجيش التاسع الألماني والجيش الروسي الأول والثاني والخامس في ظل ظروف شتاء قاسية للغاية.

خلفية تاريخية

كانت الجبهة الشرقية مسرح للقتال خلال الحرب العالمية الأولى، والتي امتدت من بحر البلطيق شمالًا حتى البحر الأسود جنوبًا، وهي تبلغ أكثر من ضعف الجبهة الغربية، وكانت الدول المتحاربة في الجبهة الشرقية تشمل روسيا ورومانيا والدول الحليفة الأخرى، مقابل دول القوى المركزية وهي ألمانيا وبلغاريا والنمسا والمجر، وأدت المسافات الشاسعة والتباين الكبير بين معدات الجيوش ونوعيتها دور في حسم معظم معارك الجبهة الشرقية.

أحداث ما قبل المعركة

تمكّنت القوات الروسية من هزيمة القوات النمساوية المجرية في معركة غاليسيا بحلول شهر سبتمبر 1914م، والتي تركت خلفها قلعة برزيميل محاصرة من قِبل الجيش الثامن الروسي، وبعد انتهاء أحداث المعركة تمكّن الجنرال الروسي نيكولاي روزسكي من هزيمة الجيش الألماني في معركة نهر فيستولا، بسبب محاولة الألمان السيطرة على العاصمة البولندية وارسو، وانقسمت بعد ذلك القيادة العليا الروسية حول كيفية استغلال الانتصارات الأخيرة لصالح البلاد، فبينما فضّل الدوق الأكبر نيكولاس نيكولايفيتش القيام بهجوم على شرق بروسيا، رأى القائد الأعلى للجيش الروسي ميخائيل أليكسيف شن هجوم على منطقة سيليزيا، ولكن بعد تعيين الجنرال باول فون هيندنبرغ قائد لقوات الجبهة الشرقية الألمانية علم عن وجود نية لدى الروس في غزو سيليزيا ورأى أنه حانت الفرصة لتحقيق انتصار ساحق على القوات الروسية من خلال ضرب الجناح الروسي في أثناء سيره في الطريق إلى سيليزيا.

بدء المعركة

في 11 نوفمبر 1914 ضرب الجيش الألماني التاسع بقيادة الجنرال أوغست فون ماكينسن الجيش الروسي الأول المنتشر إلى الجنوب من نهر فيستولا، وتمكّن من هزيمته وأسر حوالي 12000 جندي روسي، وبعد هذه الهزيمة المباغتة فقد الجيش الروسي الأول والثاني الاتصال ببعضهما البعض، في هذا الوقت بدأ الجيش الروسي الثاني بالتراجع نحو مدينة وودج البولندية، وشعر الروس بمدى خطورة الوضع في بولندا، فالجيش الثاني بات مهدد بالمحاصرة، وكان الدوق الأكبر حريص بالدرجة الأولى على إنقاذ الجيش، لذلك طلب المساندة من قائد الجيش الروسي الخامس، للانتقال من سيليزيا إلى لودز، وتمكن بالفعل الجيش الروسي الخامس من مهاجمة القوات الألمانية ومحاصرتهم، ووقع قتال عنيف بين الجيشين، ولكن استطاع الألمان الانتصار في المعركة بحلول 26 نوفمبر وأسروا مرة أخرى أفراد من الجيش الروسي الأول واستمروا بالضغط على مدينة وودج حتى ديسمبر، ولكنهم أخفقوا في اختراق الخطوط الروسية، وبسبب نقص الذخيرة بدأ الروس بالانسحاب والانتشار على خط جديد قريب من العاصمة البولندية وارسو.

نتائج المعركة

لم تكن نتائج معركة لودز حاسمة، على الرغم من أنّ كلا الطرفين حققا أهم أهدافهما، حيث صدّ الروس الألمان وأنقذوا مدينة وارسو، التي كانت الهدف الأساسي للهجوم الألماني، بينما تمكّن الألمان من إجبار الروس على التراجع عن احتلال سيليزيا، ومن ناحية أخرى أعفت قيادة الجيش الروسي العليا الجنرال بول فون رينينكامبف قائد الجيش الروسي الخامس من منصبه وعيّن بدلًا منه الجنرال فيكتور ليتفينوف، وكان الشتاء البولندي أعاق استمرار القتال بين الروس والألمان وبات الروس يخشون الجيش الألماني، الذي بدا متفوق ومنظّم للغاية، بينما كان الألمان ينظرون للجيش الروسي بازدراء كبير، حيث أيقنوا أنهم  لو كانوا حوّلوا قوات كافية من الجيش الألماني المرابط على الجبهة الغربية فسيتمكنون من إجبار الروس على الانسحاب من الحرب بأكملها.

خصائص الجيوش المتحاربة على الجبهة الشرقية عامةً

كان جميع أفراد الجيوش التي تقاتلت على الجبهة الشرقية من المجندين، والأمر ينطبق على معركة لودز، فكانت روسيا وألمانيا والنمسا والمجر يجندون الذكور القادرين على الخدمة العسكرية لمدة ثلاث إلى أربع سنوات، ثمّ يضعونهم بعد ذلك في تشكيلات الاحتياط لعدة سنوات، وكان كل جيش يقسم قوته إلى فِرق (تتكون الفرقة من 12000-20000جندي وضابط)، والفرقة هي أصغر الوحدات العسكرية القادرة على القتال بشكل مستقل، وبحلول أغسطس 1914 كان الجيش الروسي يتكون من 102 فرقة منظمة مقسمة إلى ستة جيوش ميدانية، وبلغ العدد الإجمالي للقوات الألمانية نحو 1.4 مليون، أما الجيش الألماني فكان يتألف من 98 فرقة منظمة، مقسمة على ثمانية جيوش ميدانية، معززة بـ 27 لواء احتياطي، ليبلغ عدد القوات الألمانية الإجمالي 1.9 مليون، وعلى الرغم من تفوق الجيش الألماني على الروسي من حيث العدد، كان على الألمان توزيع قواتهم على جبهتين، أما قوات النمسا والمجر فتألفت من 48 فرقة ومن قوة بشرية وصل عددها إلى نحو 450.000 مقاتل.

مقارنة بين القوات الألمانية والقوات الروسية

كان الجيش الألماني من أقوى جيوش الحرب، في المقابل كان تنظيم أفراد الجيش الروسي عالٍ للغاية في عدة مجالات، حيث عُرف جندي المشاة الروسي بالانضباط والشجاعة، ولكنه كان يفتقر إلى قيادة ذكية، فالروس لم يمتلكوا رصيد من الضباط والقادة المحنكين يمكن الاعتماد على تكتيكاتهم العسكرية تمامًا في كسب المعارك، فبمجرد حدوث سقوط في صفوف الضباط العاديين أو ضباط الصف لم يكن هناك مرشحين قادرين على سد مكانهم، فالجيش الروسي لم يخرّج ضباط احتياط بكفاءة عالية، لذلك كان جيشهم ضعيف من الناحية الفنية، وكان الجيش الروسي يفتقر إلى سلاح المدفعية، لذلك كان يرسل أعداد هائلة من سلاح المشاة والفرسان، مما ألقى بضغوط كبيرة على أنظمة الاتصال الإدارية والتعزيزات العسكرية، وهذا ما انعكس على الإنجازات التي تمّ تحقيقها على الأرض.