النورمان أو كما يعرفون أيضًا باسم النورمانديين (بالإنجليزية: Normans) هم مجموعة من أقدم الشعوب التي كانت تستوطن الأراضي الإسكندنافية، وأطلق الهولنديون والفرنسيون والألمان عليهم هذا الاسم، أما سكان الجزر البريطانية فكانوا يطلقون عليهم اسم الدانس (بالإنجليزية: Danes)، وتعني النورمان "رجال الشمال"، إذ إنها محرفة من الكلمة الإنجليزية "Northman"، وهذه المجموعة العرقية ظهرت في منطقة شمالية في فرنسا تدعى نورماندي ونشأت نتيجة الاتصال بين كل من الفرنجة الأصليين والغال الرومان والفايكينج الشماليين، وبدأت تتشكل هويتهم الثقافية والعرقية في النصف الأول من القرن العاشر، ثم تطورت على مدى القرون التالية، وكان لهذه السلالة تأثير كبير على أوروبا والشرق الأدنى في العصور الوسطى من الناحية السياسية والثقافية والعسكرية، إذ إنهم اشتهروا بروحهم القتالية وعقيدتهم الكاثوليكية، فكانوا يحاربون ويدعون إلى الأرثوذكسية الكاثوليكية في المجتمع الذي عاشوا فيه وكانوا يتحدثون اللغة الجالو رومانسية وأطلق على لهجتهم اسم النورمانية أو النورماندية أو الفرنسية النورماندية، وهي لغة أدبية لا تزال تحظى بأهمية في بعض أجزاء نورماندي وجزر القنال القريبة منها.

أصل النورمان وتاريخهم

النورمان هم مجموعة من الشعوب التي تنحدر من الفايكينج النرويجيين، الذين هاجروا لشمال فرنسا واستقروا فيها، وهذا يعني أن النورمانديين هم جماعة تتكون من الفايكنج والسكان الأصليين في المنطقة، واشتهروا بقدراتهم العسكرية وحملات النهب والغارات التي قاموا بها منذ القرن الثامن وأرهبوا بها سواحل أوروبا القارية، وكانت هذه بدايتهم، وبحلول القرن التاسع توسعت عملياتهم العسكرية على سواحل فرنسا الشمالية والغربية وسيطروا على أرض الفرنجة في وادي نهر السين السفلي عام 900م تقريبًا، وبدأت هذه المنطقة تشتهر باسم نورماندي ككلمة مبسطة من نورثمان أو رجل الشمال، إذ استقرت هذه الشعوب في المنطقة بأعداد كبيرة.

وأصبح للنورمان الحق في الأرض بصورة رسمية بناءً على معاهدة سان كلير سور إبت التي وُقعت بين الملك شارل الثالث ملك غرب فرنسا وبين رولو دوق نورماندي عام 911م، حيث سمح الملك شارل بمنح رولو الأرض على طول نهر السين السفلي في مقابل أن يدافع عن المنطقة ضد الفايكنج الآخرين ويتحول هو وشعبه للمسيحية ويغير اسمه إلى روبرت المسيحي، وهذا ما حدث بالفعل، وحصل النورمان على الأرض التي توسعت من قبل رودولف ملك فرنسا فيما بعد، وتشكلت في السنوات اللاحقة الهوية النورماندية المميزة الجديدة بعد أن تزاوج مستوطني الفايكينج بالسكان الفرنجة السلتيين الأصليين.

وبحلول أواخر القرن العاشر أصبحت المنطقة تتخذ شكل دوقية أكثر، وأصبح الدوق ريتشارد الثاني هو أول دوق عليها، وهو جد ويليام الفاتح الذي سيحكم فيما بعد، والذي عرف بأنه أشهر النورمان على الإطلاق، وكان النورمان محاربين جيدين ويحبون زيادة مساحة أراضيهم، لذا بحلول عام 1030م إلى 1060م غزوا أراضي إيطاليا وصقلية، وبحلول عام 1099م كانوا استطاعوا السيطرة على معظم أراضي جنوب إيطاليا تقريبًا وأسسوا العديد من المدارس والأديرة والكاتدرائيات والكنائس، لا في إيطاليا وحدها، بل في إنجلترا وإيرلندا أيضًا، حتى أنهم بعد غزو إنجلترا قاموا ببناء القلاع فيها للدفاع عن أرضهم الجديدة.

ويمكننا تمييز فترة وجود النورمان خلال العصور الوسطى، إذ إنهم استقروا في شمال فرنسا أولًا عام 911 م، وكان هذا في بداية فترة العصور الوسطى، وأسسوا المنطقة المعروفة حتى الآن باسم نورماندي وظلوا مسيطرين عليها حتى عام 1204م حينما غزتهم فرنسا واستطاعت السيطرة على الأرض وأخذها منهم، إلا أن قوتهم ظلت مستمرة في إيطاليا وإنجلترا وأيرلندا لفترة طويلة بعد ذلك، وعلى الرغم من هذا اندمجوا مع السكان الأصليين بشكل ممتاز حتى أنهم لم يروا أنفسهم نورمان إلا اسمًا فقط.

صفات النورمان

وصف المؤرخ والراهب جيفري مالاتيرا من القرن الحادي عشر النورمان على أنهم ماكرين ويسعون دائمًا لكسب السيطرة والحصول على المزيد، وقال إنهم وسطيين بين البذخ والجشع وإنهم يتميزون بقدرتهم الكبيرة على الإطراء وفصاحة اللسان، حتى أن أولادهم الصغار كانوا يعدوا خطباء، وكانوا يحبون الخيول والأسلحة ويقدرون زي الحرب، حيث كانوا محاربين بالفطرة واستطاعوا شن عدة هجمات على الأندلس، ولا سيما إشبيلية حيث بُني سور إشبيلية الشهير لهذا السبب، وعلى العديد من الأراضي الأوروبية مثل أراضي الدولة الكارولنجية وغيرها وانتصروا في تلك الهجمات، وتميزوا بالقدرة الكبيرة على التكيف، وهذا ما ساعدهم على التزاوج مع السكان الأصليين بسرعة، وتقول معظم المصادر إن النورمان من حيث الشكل تميزوا بطول القامة والعيون الزرقاء والشعر المائل إلى الحمرة، وكانوا يرتدون ملابس متعددة الألوان، ويحبون التنقل من مكان لمكان ويكرهون الاستقرار في مكان واحد لفترة طويلة، وكانوا يشتهرون بقسوتهم على الأعداء وبدائيتهم في معاملة بعضهم البعض وحبهم للفوضى.

دين النورمان

على الرغم من أن النورمان كانوا ينحدرون من سلالة الفايكينج الوثنية، تحولوا للديانة المسيحية بعد أن عقد الملك شارل معاهدة معهم ليعطيهم الأرض ويعترف بهم مقابل أن يحموها ويعتنقوا المسيحية، وبالتالي تحولوا للديانة المسيحية شيئًا فشيئًا وتركوا تقاليدهم الوثنية القديمة.

لغة النورمان

كان النورمان يتحدثون في الأصل اللغة الاسكندنافية القديمة، التي تصنف لغة جرمانية شمالية، ومع اختلاطهم بالسكان الأصليين الذين يتحدثون الغالو الرومانسية دمجوا بينها وبين لغتهم، وعرفت هذه اللهجة باسم النورمانية القديمة، وهي سلف للغة النورماندية الحديثة التي لا تزال تستخدم حتى اليوم، وتحدث النورمان في إنجلترا اللغة الأنجلو نورمانية، وتميز الأدب النورماندي والأنجلو نورمان القديم بالانتشار على نطاق واسع لا سيما في العصور الوسطى، ومن أبرز الشعراء المعروفين من النورمان الشاعر وايس، المولود بجزيرة جيرسي والذي نشأ في البر الرئيسي للأراضي النورماندية.

الفنون عند النورمان

اشتهر النورمان بعمارتهم النورماندية المميزة التي نرى آثارها في كل من إنجلترا وإيطاليا وإيرلندا، إذ تميزت مبانيهم بأسلوبها المقوس المستدير، لا سيما فوق النوافذ والمداخل، وفي جنوب إيطاليا دمج النورمان تقنيات البناء الإسلامية والبيزنطية واللومباردية مع تقنياتهم الخاصة، ليبتكروا أسلوب جديد وفريد من العمارة يعرف باسم العمارة العربية النورماندية في صقلية، وتميز النورمان بأعمالهم الحجرية والمعدنية لا سيما في بريطانيا، ولم يتفوقوا في العمارة والبناء فحسب، بل تفوقوا أيضًا في الموسيقى وكان لهم تأثير كبير على الموسيقى الكلاسيكية في القرن الحادي عشر.