الواندال، أو الفاندال كما يُطلق عليهم أيضًا، (بالإنجليزية: Vandals) هم إحدى القبائل الجرمانية التي كانت تعتنق المسيحية الآريوسية، لذلك اضطهدتهم الكنيسة الرومانية المؤمنة بعقيدة الثالوث، مما دفعهم إلى توحيد رايتهم ضد الروم، وبعد سلسلة من الحروب تمكن الواندال من تأسيس دولة في جنوب أوروبا.
أصول الوندال
ترجع أصول الوندال الذين كان اسمهم مرتبط بالتدمير والتخريب إلى الشعب الجرماني البربري، وعُرف عن الوندال اشتباكاتهم ومعاركهم الدائمة مع الإمبراطورية الرومانية في شمال إفريقيا وجميع أجزاء أوروبا، وذلك من القرن الثالث إلى القرن الخامس الميلادي، وفي نهاية المطاف تمكن الوندال من إسقاط الإمبراطورية الرومانية في أوروبا، ولا يُعرف الكثير عن أصول الوندال أو تاريخهم إلا بعد أن ظهروا في مواجهة الرومان، ولكن وفقًا لبعض المصادر فإنهم ربما جاؤوا من الدول الاسكندنافية أو من بولندا الحديثة، وبدأت التوترات بين الرومان والوندال بمساعدة القوط الذين ينحدرون من نفس الأصول في حوالي القرن الثالث للميلاد، حيث كان الرومان ينظرون لهذين العرقين على أنهما أقل شانًا منهم، بل صنفوهم دون البشر، وزادت العداوة بينهم وبين الرومان في أوائل القرن الخامس للميلاد عندما حاصر القوط والوندال العاصمة الرومانية ونهبوا خيراتها وعاثوا فيها فسادًا.
بداية غزو روما
في حوالي عام 375 للميلاد ظهر شعب يسمّى الهون شمال نهر الدانوب، يقودون عدد من القبائل البربرية بمن فيهم الفاندال، قاصدين الاستيلاء على الإمبراطورية الرومانية، وكان الفاندال أكثر القبائل البربرية تحركًا ونشاطًا، ولكن لم تقف الإمبراطورية الرومانية بحزم نحو تقدمهم بسبب انشغالها بالانقسامات الداخلية التي أضعفت قوتها وشتتها، وهو ما كان الرومان ينظرون إليه على أنه التهديد الأكثر خطرًا على الإمبراطورية الرومانية من طموحات الفاندال، ووسط حالة عدم الاستقرار التي كانت تعيشها روما، تمكن الفاندال من الوصول إلى أيبيريا (البرتغال وإسبانيا حاليًا) وطردوا الجيش الروماني منها بعد أن استولوا عليها، وتوالت بعد ذلك المواجهات والمعارك بين الرومان والفاندال، ونتج عنها تفوق الفاندال الذين زاد زحفهم لأراضي الإمبراطورية الرومانية في أوروبا.
غزو الواندال لإفريقيا
في عام 428 للميلاد تولى زعامة الفاندال شخص قوي يدعى جينسيريك، والذي توجهت أنظاره نحو الأراضي الرومانية في إفريقيا، وساعده في تحقيق هدفه الصراعات التي ما زالت قائمة داخل الإمبراطورية الرومانية، فتوجه جينسيريك بجيشه إلى شمال إفريقيا وأسس هناك مملكة خاصة بشعبه، بعد أن صدّ عدة هجمات رومانية حاولت إيقاف قواته، وكانت شمال إفريقيا في ذلك الوقت منطقة غنية بالثروات، حيث كانت روما تعتمد بشكل أساسي على الحبوب الواردة منها، وفي عام 435 أبرم الرومان اتفاقية سلام تم فيها تنازلهم عن معظم شمال إفريقيا للوندال، ولكن عام 439 كسر الوندال المعاهدة واحتلوا مدينة قرطاج التي أصبحت عاصمتهم وزحفوا للاستيلاء على صقلية، وبعد وقوع الأراضي الرومانية في شمال إفريقيا بأيدي الفاندال، اضطهدوا رجال الدين الكاثوليك الذين أدانوا اتباع الفاندال للمذهب الآريوسي المسيحي ونظروا إليه على أنه بدعة في الدين.
المملكة الواندالية
المملكة الواندالية هي دولة ظهرت في شمال إفريقيا ما بين عامي 329 و533 للميلاد، وكانت عاصمتها قرطاج، وتأسست المملكة تحت قيادة الملك جايزريك، وفي عام 429م عبر الفاندال الذي يبلغ عددهم نحو 80 ألف شخص بقواربهم من إسبانيا إلى إفريقيا، واستولوا على المدن الساحلية الشرقية التي تسمى الآن الجزائر والمغرب وتونس، وفي عام 439م اضطر الرومان للسماح للوندال بالاستيلاء على أراضيهم في موريتانيا ونوميديا، بعد أن أيقنوا أنه لا يمكنهم هزيمة جيش الوندال، الذي استمر زحفه حتى استولى على قرطاج التي كانت أبرز مدينة في شمال إفريقيا، ثم استمر الوندال في غزوهم ووصلوا إلى صقلية وجزر مايوركا الخاضعة للحكم الروماني، وسقطت مملكة الوندال في 534م عندما غزاها الجنرال الروماني الشرقي بيليساريوس، وبذلك سقطت المملكة الوندالية التي استمرت قوية لعدة عقود.
ما قبل غزو الواندال لروما
بلغت مملكة الواندال أوج ازدهارها في عام 455م، بالتزامن مع سيطرتها على شمال إفريقيا وأجزاء من أوروبا، في الوقت الذي كانت قوة روما الغربية في تراجع مستمر، وبلغت قوة الفاندال لدرجة أنّ ابن الملك جينسيريك الذي يُدعى هونريك كان على وشك الزواج من إحدى الأميرات الرومانيات، ولكن عندما قُتل الإمبراطور الروماني فالنتينيان الثالث في نفس العام، تمّ تزويج الأميرة لرجل آخر، وردًا على ذلك حرّك الملك الغاضب جيشه نحو روما، التي كانت غير قادرة على مواجهته، لذلك أرسل البابا ليو الأول للتفاوض مع جينسيريك، حيث سُمح له بدخول روما دون أي مقاومة في مقابل عدم تدمير المدينة أو قتل سكانها، وبالفعل دخل الواندال إلى العاصمة ونهبوا خيراتها، ولكنهم أوفوا بوعدهم ولم يدمروا المباني أو يقتلوا الأفراد، ولكنهم أخذوا بعض الرومان إلى شمال إفريقيا عبيدًا.
قمة مملكة الواندال وسقوطها
عقب مقتل الإمبراطور الروماني فالنتينيان الثالث ونتيجة للحرب الأهلية القائمة في روما، أُتيحت الفرصة للواندال للاستيلاء على العاصمة الرومانية، وعلى إثر ذلك اقتحم جيشهم روما في 2 يونيو، ونهب المدينة على مدى أسبوعين، واحتل كورسيكا وسردينيا، وسيطرت قوات الواندال بأسطولهم البحري على البحر الأبيض المتوسط، وتمكنت من التغلب على العديد من المحاولات الرومانية التي أرسلت ضدهم لاحقًا، ولكن بدأت قوة الواندال بالتراجع تدريجيًا بسبب خلفاء العرش اللاحقين الذين لم يكونوا بنفس مستوى قوة أسلافهم وحزمهم، وهذا ما استغلته القوات الرومانية الشرقية (البيزنطيين) في القسطنطينية، التي تمكنت من السيطرة على الواندال وإنهاء حكمهم في إفريقيا واستبعاد جنودهم وإرجاع الممتلكات إلى الرومان، وكذلك أعيد بناء الكنائس، وبعدها بدأ شعب الواندال بالاختفاء السريع.
لماذا لم يُعرف الكثير عن الواندال؟
على الرغم من استيلاء الواندال على مساحات واسعة من أراضي الإمبراطورية الرومانية وتأسيسهم لمملكة كبيرة وبقائهم أقوياء وأثرياء للغاية على مدى عدة عقود، لا يوجد الكثير عنهم في كتب التاريخ، ويرجع السبب إلى افتقارهم للثقافة الفنية، وبالتالي عدم اهتمامهم بالمشغولات الفنية التي تشهد على تاريخهم وإنجازاتهم وحياتهم اليومية وغيرها، لذلك لم يُذكروا غالبًا إلا مدمرين بسبب استراتيجياتهم التي تعتمد على الدمار والتخريب أينما حلوا، لذلك كانت أعمال العنف هي أكثر ما اشتهروا به.