الموشحات (والمفرد منها موشح أو موشحة، وبالإنجليزية: Muwashshah) أحد فنون الشعر التي أبدعها الأندلسيون للتجديد في شكل القصيدة التقليدية وإنتاج نوعًا أدبيًا جديدًا يلائم طبيعة حياتهم وبيئتهم، وتميز هذا النوع الأدبي الجديد والمستحدث بإيقاعه وارتباطه بالموسيقى والغناء وطريقة بناء القصيدة المختلفة وقواعده الأدبية والشعرية المتنوعة، إلى جانب استخدامه للغة الدراجة أو اللغة الأعجمية، وهو ما أكسبه استحسان مستمعيه من الملوك والأمراء وجعلهم يولونه اهتمامًا كبيرًا، وبالتالي انتشر على نطاق واسع ولا سيما في عهد دولة المرابطين.

تعريف الموشحات

يعرّف ابن سناء الملك الموشحات لغويًا بأنها "الكلام المنظوم على وزن مخصوص"، واشتُق الاسم من الوشاح لأنه يشبه وشاح المرأة في أشكاله وتزيينه وتطريزه، ويُقال إن الغرض من الاسم هو لفت الانتباه إلى هذا النوع الجديد من الشعر الذي أدخل تغييرات على شكل القصيدة العربية المعروف، ويُلخص تعريف الموشحات بأنه فن من فنون الشعر العربي المستحدثة الذي يختلف عن القصيدة التقليدية في قوافيه وأوزانه المتعددة.

ويُقال إن لفظ موشح لفظ سرياني بمعنى "إيقاع أو ترتيلة من المزامير" نظرًا لأن الموشحات ظهرت في المشرق العربي وتأثرت بالموسيقى الكنسية السريانية حتى أن الموشحات الأقدم كانت تضمّ ألفاظًا سريانية.

نشأة فن الموشحات

نشأ فن الموشحات في بلاد الأندلس بين القرن العاشر والقرن الحادي عشر الميلاديين بعد انتشار الشعر العربي التقليدي وظهور جيل جديد من الشعراء يرغب في تكييف القصيدة مع الحياة التي يعيشها، حيث انتشرت في بلاد الأندلس مجالس الغناء والترف، إلى جانب الطبيعة الخلابة المختلفة عن طبيعة الجزيرة العربية، فأثرت هذه الأجواء في شعرهم وبدأوا بإلقاء قصائد غير ملتزمة ببحور الشعر وأوزانه التقليدية المعروفة.

ومن الجدير بالذكر أن اختلاط العرب بالإسبان واحتكاكهم بهم أحدث امتزاجًا لغويًا تمثّل في معرفة الأندلسيين باللغة العربية العامية واللغة اللاتينية، مما أدى إلى ثنائية لغوية تفرع عنها فن الموشحات التي نُظمت بالعربية الفصحى باستثناء الفقرة الأخيرة منها التي كانت تُنظم بالعامية الأندلسية، وهي لغة عربية عامية استخدمت ألفاظًا من العامية اللاتينية.

بناء القصيدة في الموشحات

عادةً ما تتألف القصيدة في الموشحات من نمطين متميزين في التكوين وهما الأقفال والبيوت:

الأقفال

القفل هو الشطر الأول من الموشح، وهو مركز الموشح الذي يدور حول موضوعه، ويتألف من شطرين على الأقل وقد يصل عدد الأشطار إلى اثني عشر شطرًا كلها موزونة من بحر الشعر نفسه، وتُسمى أشطار الأقفال بالأغصان أو الأسماط، وقد تتساوى في الطول أو تتفاوت فيه، ويجب أن تتفق أغصان القفل في العدد والوزن مع أغصان الأقفال الأخرى ولا يُشترط أن تتفق جميعها في القافية.

أنماط الأقفال

للأقفال ثلاثة أنماط، وهي:

  • القفل المطلع: ويُسمى المذهب أو اللازمة أو القفل الصفري، وإذا بدأ الموشح بهذا المطلع سُمي بالموشح التام، وقد يُحذف من الموشح ويبدأ الموشح بالبيت الأول بعد الغصن ويُسمى حينئذ بالموشح الأقرع.
  • قفل البيت: وهو القفل الذي يأتي بعد انتهاء أسطر البيت ويجب أن يتطابق مع أشطار المطلع، وتُرتب الأقفال بعد البيت الأول بالقفل الأول ثم الثاني فالثالث، ويحتوي كل موشح على خمسة إلى ستة أقفال أو أكثر، ويختم القفل أشطر البيت منشئًا ما يُعرف بالدور.
  • الخرجة: وهي القفل الأخير من الموشح ويتميز باختلاف لغته وتضمنه كلام عاميّ وميله إلى الفكاهة، وقد يُستخدم فيه كلام أعجمي إذا كان الموشح غزلي لحفظ الأدب وعدم استعمال ألفاظ خادشة، وعادةً ما يُسبق بكلمة "قالت أو قلت" أو يبدأ بها.

البيوت

تتألف البيوت من مجموعة أشطر أو أغصان، أقلها ثلاثة في كل بيت، وقد تكون الأشطر مفردة أو مركبة وتتفق جميعها في الوزن والبحر والقافية، لكنها تختلف عن باقي البيوت في الأدوار الأخرى، والدور هو القسم الذي يتكون من البيت والقفل الذي يليه، وعادة ما يكون عدد الأدوار بين خمسة وستة أدوار في الموشح الواحد.

آراء عن الموشحات

نشأت الموشحات في البداية في الأوساط الشعبية ونُظمت باللغة العامية، مما جعل المؤرخون يصفونها بالشعبية، وامتنع كبار الشعراء في البداية عن التأليف مستخدمين أسلوبها وطريقتها في البناء لأنهم رأوا هذا النوع من الشعر غير مناسب لهم ومستواه أقل من مستوى الشعر التقليدي، لكن هذه النظرة تغيرت مع الوقت وبدأ كبار الشعراء ينظمون الشعر على طريقة الموشحات.

خصائص شعر الموشحات

تتميز الموشحات بعدة خصائص وسمات تميزها عن غيرها من أشكال الشعر ومن أبرز هذه الخصائص:

  • البساطة في التعبير وتصوير الوقائع والأطلال
  • الجمع بين اللغة العربية الفصحى واللغة العامية أو الأعجمية
  • سهولة التراكيب اللغوية
  • مراعاة الموسيقى في استخدام الألفاظ وتركيب الجمل
  • كثرة استخدام التشبيهات والصور الفنية والمحسنات البديعية كالطباق والجناس وغيرها
  • تنوع القوافي والألفاظ الشعرية

أغراض الموشحات

تعددت أسباب نظم الموشحات ونشأتها، وكذلك أغراضها التي منها ما يلي:

الغزل

يُقصد بالغزل العواطف والشعور واللواعج النفسية، وهو من أسباب ظهور الموشحات حيث يتغنى الشعراء بالكلمات التي يملأها الطرب وتحمل معاني وجدانية مميزة، وأشهر شعراء الغزل هو الأعمى التطيلي الذي قال في موشحته الشهيرة:

ضاحكٌ عن جُمانْ

سافرٌ عن بَدرِ

ضَاقَ عنهُ الزمانْ

وَحَواهُ صَدْري

آهٍ ممَّا أجِدْ

شَفَّني ما أجِدُ

قامَ بي وقعَدْ

باطشٌ متَّئِدُ

كلما قلتُ قَدْ

قالَ لي أينَ قَدُ

وَانثنىَ خُوطَ بانْ

ذا مَهّزٍ نَضْرِ عابَثَتْهُ

يَدَانْ للصَّبا والقَطْرِ

الرثاء والهجاء

كان الرثاء من أهم أنواع الشعر عند العرب، ودخلت الموشحات سباق الرثاء لكنها لم تكن في المقدمة حيث عرفت الموشحات بروح الفكاهة والحب والإيجابية، فكان إنتاجها في هذا الغرض قليل، بالإضافة إلى أنها تميزت بالكلمات الرقيقة وعرفت بالعذوبة والطمأنينة والسكون ونعومة اللفظ ورقة العبارة، فلم يكن الهجاء ضمن أغراضها، ومع ذلك توجد بعض القصائد التي نُظمت في الرثاء بشكلٍ خاص، مثل موشحة ابن حزمون في رثاء أبي الحملات قائد الأعنة ببلنسية عندما غدر به الإسبان:

يَا عَيْنُ بَكِّي السِّرَاجْ الأَزْهَرا

النَّيِّرَا اللامِعْ

وَكَانَ نِعْمَ الرِّتَاجْ فكُسِّرَا

كَيْ تُنْثَرَا

مَدامِعْ مِنْ آلِ سَعْدٍ أَغَرّْ

مِثْلُ الشِّهَابِ المُتَّقِدْ

بَكَى جَمِيعُ البَشَرْ

عَلَيْهِ لَمَّا أَنْ فُقِدْ

شَقَّ الصُفُوفَ وكَرّْ

عَلَى العَدُوِّ مُتَّئِدْ

لَوْ أنَّهُ مُنْعاجْ عَلَى الوَرَى

مِنَ الثَّرَى أَوْ رَاجِعْ

عَادَتْ لَنَا الأَفْرَاحْ بِلا افْتِرَا

وَلا امْتِرَا تُضَاِجعْ

المدح

كُتبت الموشحات بغرض مدح الأمراء والملوك والخلفاء من أجل التكسب والربح، فكان مكانها القصور وكانت تُلقى في المناسبات تفخيمًا لأمير أو لملك، ومن أشهر موشحات المدح قصيدة لسان الدين بن الخطيب التي يمدح فيها الأمير الغني بالله صاحب غرناطة قائلًا:

جَادَكَ الغَيْثُ إِذَا الغَيْثُ هَمَى

يَا  زَمَانَ   الوَصْلِ   بِالأَنْدَلُسِ

لَمْ  يَكُنْ  وَصْلُكَ  إِلاَّ   حُلُمًا

فِي الكَرَى أَوْ خِلْسَةَ المُخْتَلِسِ

وصف الطبيعة

كانت طبيعة الأندلس من أهم أسباب نشأة الموشحات وكان وصف الطبيعة والتغني بجمالها من أهم أغراض الموشحات.

أشهر شعراء الموشحات

انتشر فن الموشحات في الأندلس وانتشر معه الشعراء وكثر عددهم، ومنهم مقدم بن معافي القبري، الذي يُقال بإنه واضع فن الموشحات وأول من نظم موشحة، وأحمد بن عبد ربه صاحب كتاب العقد الفريد، وأبو بكر عبادة بن ماء السماء الذي يُقال بإنه المؤسس الحقيقي لهذا الفن، وكذلك التطيلي الأعمى ولسان الدين بن الخطيب وابن زمرك صاحب موشحة "أبلغ لغرناطة السلام" وابن سناء الملك المصري الذي كان له الفضل في انتشار الموشحات في مصر والشام.

أشهر قصائد الموشحات

توجد العديد من الموشحات التي ذاع صيتها وانتقلت من جيل إلى جيل ومن مكان إلى مكان ومنها:

  • موشحة  ابن بقي الغزلية:

بمهجتي شادن تياه

من نور شمس الضحى مرءاه

من ذكره تعذب الأفواه

قد جردت للورى عيناه

سيفًا كأن ضباه القدر

أو القضاء لا يبقي ولا يذر

  • وموشحة يحيى بن بقي القرطبي في الخمر:

أَدِرْ لنا أَكْوَابْ

يُنْسَى بها الوَجْدُ

واستصحبِ الجلاَّسْ

كما قَضَى العهدُ

دِنْ بالهوى شَرْعَا

ما عشتَ يا صاحِ

وَنَزِّهِ السَّمْعَا

عنْ منطِق اللّاحي

والحكمُ أنْ يُدعى

إليكَ بالرَّاحِ

أناملُ العُنَّابْ

ونُقْلُكَ الوردُ

حَفَّتْ بِصُدْغَيْ آسْ

يَلْوِيهِما الخدُّ