شَكَّل الشعر الجاهلي (بالإنجليزية: Pre-Islamic Poetry) قديمًا في شبه الجزيرة العربية مصدرًا للفخر والاعتزاز لناظِمّيه، وتميز بحكاياته الملحمية وملامسته للقلوب والمشاعر، ونُظّم اعتمادًا على 16 بحرًا شعريًا، إذ كان الشعر الجاهلي أحد أهم المظاهر التي تُبرز التفوق الأدبي للعرب في عهد ما قبل الإسلام.

تعريف الشعر الجاهلي

يُعّرف الشعر لُغة بأنه الكلام الموزون المُقفَّى قصدًا، ويقال في اللغة الفن الشعري إشارة إلى الشكل الأدبي الذي يتناول مثالب شخص ما أو مدح شيء أو معنى من المحيط أو الحياة، أما اصطلاحًا فالشعر الجاهلي هو القول المؤلف من مصادر شخصية خيالية بهدف الترغيب أو الترهيب والتنفير.

وعليه يمكن تعريف الشعر الجاهلي بأنه شعر عربي تميز بنقل مظاهر الحياة العربية في الجاهلية والأحوال المعيشية، وتميز بمفرداته وأساليبه ومعانيه وإيجازه وبلاغته وصدر بصورة ارتجالية بديهية دون معاناة أو مشقة على الشاعر، ومن الجدير ذكره أن الشعر الجاهلي هو الشعر المنتشر في شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام بما يقارب 150 عامًا والذي وصل إلينا بعضه، إذ يشار إلى أن الكثير من الشعر الجاهلي لم يُدون واختفى أثره بموت قائله أو حافظه.

ومن الجدير  ذكره أيضًا أن الشعر الجاهلي شكّل بوقت من الأوقات أحد المراجع التي يمكن من خلالها فهم طبيعة الحياة قبل الإسلام، خاصة في منطقة نجد والحجاز وما حولها -شمال الجزيرة العربية- إذ كان سجلًا لحياة العرب في الجاهلية، فضم شرح للبيئة الجاهلية وما فيها من معارك وجماد وحيوان وتقاليد وأماكن عيش القبائل وأسماء الآبار وأسماء الفرسان وغيرها الكثير.

أغراض الشعر الجاهلي

نُظّم الشعر الجاهلي قديمًا لعدة أغراض، ومن الجدير ذكره أن القصيدة الواحدة لم تكن تُنظم لغرض منفرد، وإنما كانت تضم العديد من الأغراض الشعرية وفيما يأتي بيان لأهم أغراض الشعر الجاهلي:

  • الوصف

اتخذ الشاعر في الشعر الجاهلي الوصف نمطًا ينقل من خلاله الطبيعة الحية والصامتة والمتحركة، إذ وصف الشعر الجاهلي بشكل عام صورة الصحراء وما تضم من ظواهر طبيعية وحيوانات وغيرها بصورة شاملة وبلغة بديعة قوية.

  • الفخر

تغنى الشعراء في الشعر الجاهلي بأمجادهم، سواء الشخصية أو المرتبطة بالقبيلة، إذ تميز الغرض الفخري في الشعر الجاهلي بنوعيه الشخصي والقبلي، وتُعدّ معلقة عمرو بن كلثوم والحارث بن حلزة من أشهر ما قيل في شعر الفخر القبلي، بينما تعد معلقات طرفة بن العبد وعنترة بن شداد من أشهر ما نُظم في شعر الفخر الشخصي.

ومن الجدير ذكره أن الفخر في الشعر الجاهلي ضم التغني بالبطولات وكثرة الحروب والقوة والبأس والخيل والعِدد والإبل والسلاح وإثارة الفزع في النفوس والتباهي بالأصل والنسب والآباء والأجداد وأصالة الرأي والمحبة والأخلاق والحُلم ورعاية الفقير والصَّفح وعظم المجالس وبعدهم عن الفحش وشرب الخمر وسقايته والكرم في تقديمه وغيرها العديد.

  • الهجاء والوعيد

أظهر الهجاء في الشعر الجاهلي عيوب الأعداء والخصوم، إضافة إلى التاريخ المشؤوم والذي ضم الهزائم والخسائر أو ما لحق بالقبائل أو الشعراء من خزي وعار، وكثيرًا ما كان يُجمع الهجاء مع الوعيد والتهديد، ومن الجدير ذكره أن الهجاء كان يوجه للأعداء في معرض فخر إذ كان تحقير العدو والحطة من قدره فيه نوع من رفع القدر للمفتخر، وأبرز مواضيع الهجاء في الشعر الجاهلي الهزيمة في الحروب والضعف والجبن والفرار من الميدان والأسر والقتل والنفي أو الإبعاد من الوطن والبخل وإنكار الجميل والخصام.

  • المدح

ظهر المدح في الشعر الجاهلي للإشادة بشخص عظيم أو تقديرًا لعمل جليل واعترافًا بالمعروف أو رغبة فيه، وغالبًا ما كان شعر المديح يضم المعاني المشابهة التي تظهر في شعر الفخر الجاهلي.

  • الرثاء

عبّر الشعراء في الشعر الجاهلي عن مشاعرهم الحزينة والأسى، وخاصة عند فقدانهم شخصًا عزيزًا، إذ كانت القصائد الشعرية تعبر عن عمق الألم والخسارة التي ألمت بالشاعر نتيجة فقدانه قريب أو عزيز، وأشهر ما قيل في الرثاء الجاهلي ما نظمته سعدى بنت الشمرد الجهنية في رثاء أخيها أسعد والخنساء في رثاء أخيها صخر.

  • الاعتذار

على الرغم من أن الاعتذار في الشعر الجاهلي ظهر بصورة قليلة إلا أنه وجد لإظهار الندم أو تبرئة النفس، وذلك للنجاة من اللوم أو بهدف إصلاح ما تم اقترافه، إذ يذكر الشاعر في شعر الاعتذار تفسيرًا أو شرحًا يساعد في إعادة الأمور إلى حالها الأول والمعتاد، ويعد النابغة الذبياني من أشهر شعراء الاعتذار في الشعر الجاهلي.

  • الغزل

نظم جميع شعراء الجاهلية الشعر الغزلي دون استثناء إذ كانت افتتاحية شعرهم  على الدوام، ويمكن تعريف الغزل في الشعر الجاهلي بأنه الاشتهار بمودة النساء وتتبعهم والحديث إلهم، وإن لم يتعلق القائل فعليًا بهم بهوى أو صبابة.

  • المنصفات

ضم الشعر الجاهلي العديد من القصائد التي كانت تنقل الوقائع على حقيقتها دون تعظيم للقبيلة أو هجاء للعدو، إذ كان الشاعر في شعر المنصفات يتحدث عن العدو كما يتحدث عن القبيلة المنتمي إليها بهدف الإنصاف وإظهار الحقيقة.

خصائص الشعر الجاهلي

تميز الشعر الجاهلي بالعديد من الخصائص إذ أظهر من الناحية المعنوية الطابع البدوي والصلة بالبيئة، وتميز أيضًا بالواقعية والوضوح دون مبالغة أو تشويه، وأوجز في التعبير وأظهر بساطة التفكير والحياة الجماعية وأظهر أيضًا الحركة بشكل واضح وجلي، فكثير من القصائد الشعرية الجاهلية تنقل القارئ لمشهد يزخم بالحركة والصور.

وأما من الناحية الشكلية، فتميز الشعر الجاهلي بالمحافظة على التقاليد الشعرية في النَظّم من حيث البداية والوقوف على الأطلال ثم الانتقال لغرض القصيدة، إضافة إلى الاهتمام بالألفاظ والعبارات والمحسنات البديعية التي تؤدي الغرض وتنقل المعنى، وأيضًا المحافظة على وحدة القافية التي تحقق النغم الموسيقي في القصيدة.

الشعر الجاهلي في أسواق العرب في الجاهلية

اشتهر العرب قديمًا في الجاهلية بأسواقهم الثابتة والموسمية التي كان يلتقي فيها العديد من القبائل بغرض التجارة، إلى جانب التناظر الشعري أو التجمع الأدبي، إذ كان لهذه الأسواق دور كبير في تطور الشعر الجاهلي وإعطائه مكانة كبيرة، وفيما يأتي أشهر  الأسواق الشعرية في الجاهلية:

  • سوق عكاظ

يُعدّ سوق عكاظ من أشهر أسواق العرب كلها، والذي كان يقام لمدة عشرين يومًا من شهر ذي القعدة من كل عام، وكان هذا السوق بجانب التجارة منزلًا للشعراء والتجمعات الأدبية.

  • سوق ذي المجاز

يُعدّ سوق ذي المجاز من أعظم أسواق العرب والمختصة بشكل مباشر بالشعر والأدب والفنون، وكان فيه عرض للأشعار والتفاخر من مختلف الشعراء والقبائل، وكان يُقام في موسم الحج آنذاك.

  • سوق مجنة

يُعدّ سوق مجنة ثاني أسواق العرب شهرة بعد سوق عكاظ إذ كان من الأسواق الأدبية التي يلتقي فيه الأدباء، والذي يقام لمدة عشرة أيام في أواخر ذي القعدة بعد سوق عكاظ.

أشهر شعراء الجاهلية

برزت العديد من أسماء الشعراء في العصر الجاهلي، وفيما يلي بعض أهم شعراء الشعر الجاهلي:

  • امرؤ القيس

وهو جندج وقيل جندح بن حجر بن الحارث بن عمر بن حجر، وكنيته أبي وهب وأبي الحرث وأبي يزيد، إلا أنه لقب بامرؤ القيس نسبة لشدة جمال الناتج الأدبي الشعري لديه والذي كان يقاس عليه جودة الشعر.

  • طرفة بن العبد

وهو عمرو بن العبد بن سفيان بن سعد بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة بن عكابة بن بكر بن وائل، ولد في البحرين عام 543م وعاش يتيمًا منبوذًا في قبيلته إلى أن غادر موطنه وصولًا إلى الحجاز، واشتهر بشعره في المدح والرثاء والغزل والوصف.

  • عنترة بن شداد

وهو عنترة بن معاوية بن قراد بن مخزوم بن مالك بن غالب بن قطيعة بن عبس المكنى بأبي المغلس وأبي الفوارس، والمشتهر بشعره الغزلي لعبلة بصورة خاصة.

  • عمرو بن كلثوم

وهو أبو عباد عمرو بن كلثوم بن مالك بن عتاب التغلبي، أشهر شعراء الفخر الجاهلي ولقب بشاعر الفخر، إذ تميز شعره بإظهار حب الذات المفرط والنرجسية القبلية.

  • الحارث بن حلزة

وهو الحارث بن حلزة بن مكروة بن يزيد بن عبد الله بن مالك بن عبد سعد بن جشم بن ذبيان بن كنانة بن يشكر بن بكر بن وائل، ويكنى بأبي ظليم.