فن الملحون المغربي هو نوع من أنواع الشعر الشعبي الذي يكتب باللهجة العامية المغربية، سواء كان من يكتبه من أهل البدو أو الحضر، وهو من أهم أنواع الفنون الموسيقية التي تميز أهل المغرب العربي عن غيرهم، ويعود تاريخه إلى أكثر من ستة قرون مضت، وعلى الرغم من أنه قيمة تراثية تختزل كل مقومات الثقافة المغربية الأندلسية الأصلية، يعاني الآن من الإهمال والتهميش، ويتميز الملحون المغربي باستخدامه للهجات العامية مع التأثر بمضامين الشعر والنثر الفصيح، وتغلب عليه ألوان التوسل الإلهي والمدح النبوي والربيعيات والعشق والرثاء والهجاء.

أصل تسمية فن الملحون

هناك عدة أقوال فيما يخص أصل تسمية فن الملحون بهذا الاسم، إذ تقول المعاجم العربية إن كلمة اللحن معناها "الخطأ في الكلام" أو "الكلام الرديء"، وتقول أيضًا إن اللحن في الكلام يعني الفصاحة والبراعة في تنظيم الكلمات مع الحجة والتنغيم، ومعنى لحون العرب "طريقتهم في الكلام"، والتلحين هو الشجى وحسن الصوت والتأليف الموسيقي، ويقال إن الملحون جمع كل هذه المعاني التي ذكرت في المعاجم العربية ما عدا معنى "الخطأ"، وذلك لأن شعراء الملحون من المستحيل أن يطلقوا على فنهم الذي يعتزون به كثيرًا أي كلام رديء، بل إنهم يقدرونه لدرجة أنهم يطلقون عليه اسم "الكلام" و "علم الموهبة".

نشأة فن الملحون وتاريخه

يقول ابن خلدون إن أول ظهور لفن الملحون كان في عصر الدولة الموحدية، لا سيما بعد أن ظهرت العديد من القصائد الزجلية المغربية والأندلسية، وظهر الشعر الشعبي الذي كتبه الشعراء المغربيون المحليون في الفترة بين القرن الرابع عشر إلى القرن التاسع عشر على وجه الخصوص، وتعود أقدم نصوص لشعر الملحون إلى القرن السادس عشر، حيث يُعدّ هذا القرن هو العصر الذهبي للملحون لا سيما بعد افتتاح مدرسة الملحون الأولى في مكناس، وهناك رأيان مختلفان حول أصول هذا الفن، وهم:

  • الرأي الأول: يرى أصحاب الرأي الأول أن فن الملحون يعود أصله إلى تافيلالت وسجلماسة التي كان يستوطنها في هذا الوقت الأسر والقبائل العربية والأمازيغية، التي تكونت لديهم فيما بعد اللهجة العامية، فبدأوا يكتبون أشعارهم باللهجة المغربية، والدليل على هذا أن كل قصائد الملحون على وزن المبيت، وهو بحر من بحور الشعر الشبيهة ببحور اللغة العربية الفصحى المتعلقة بالشعر العمودي، ومن جانب آخر فإن ما يدعم هذا الرأي هو أن معظم شعراء الملحون القدماء ينتمون لهذه المنطقة.
  • الرأي الثاني: يقول الرأي الثاني إن أصل فن الملحون يعود إلى الأندلس، إذ يقول الأستاذ والمؤرخ والباحث محمد زنيبر إن أقدم قصيدة ملحونية عثر عليها حتى الآن تعود لابن عبود الأندلسي، وهي قصيدة "الحربة"، والتي كتبت في الأساس لتصف معركة أبي عقبة التي كانت بين أحمد الوطاسي وأحمد الأعرج السعدي عام 1536م.

شكل فن الملحون وأهم عناصره

ينظم الكلام في شعر الملحون لكن دون الالتزام بوحدة الوزن والقافية، ويمكننا أن نقول إن قصيدة الملحون تنقسم إلى خمسة أجزاء، وهم:

1) المقدمة: وهي قطعة صغيرة يفتتح بها الكلام، ويطلق عليها اسم "السرابة".

2) الدخول: وهو الشطر الاستهلالي بالقسم من دون عجز.

3) الحربة أو اللازمة: وهي الجزء الذي ينشده مجموعة المغنين والعازفين، والذين يطلق عليهم اسم "الشداشة".

4) الأقسام: وهي الأبيات التي يتم غناؤها.

5) الدريدكة: وهو الجزء المتعلق بختام القصيدة، وإنشاد هذا الجزء يكون على إيقاع سريع.

أما عناصر الملحون فهم:

  • شيخ الشجية: هو الشاعر الذي ينظم كلمات القصيدة حسب أوزان موجودة سابقًا أو أوزان يبتكرها بنفسه، لكن كلها في العموم أوزان تدخل ضمن حدود الأوزان الرئيسية وهم: المبيت، مكسور الجناح، المشتب، السوسي المزلوك، الذكر.
  • شيخ الكريحة: هو الشخص الذي يغني القصيدة بصوته بعد أن يتمكن منها ويحفظها جيدًا ويتقنها.
  • صحبة الجوق: هو الشخص الذي يعزف على الآلات المغربية الأصيلة، مثل السويسن، الكف، الدف، الكمانجة، الطعريجة، العود وغيرهم.
  • الكورال: هم مجموعة من الأشخاص الذين يرددون الكلمات على المغني ويعينونه على الأداء.

أجمل أشعار فن الملحون

هناك الكثير من الأشعار الجميلة التي تنتمي لشعر أو فن الملحون، ومن أجمل هذه الأبيات على سبيل المثال ما يأتي:

اَهْ عْلَى مَنْ اَكْوَ وُ قَلْبُ مَجْرُوحْ                كْمَا كْوِيتْ وُكَايَدْتْ اَجْرَاحِــــي

                       وَمَا قَسيتْ فَلْمْحَبَّا وَسْرَارِي بَاحُ

طُولْ اَدْجَيَا نْبَاتْ نَرْتِي وَانُّوحْ                 طَالْ هَجْرِي وَلْزَمْتْ اَنْوَاحِــــي

                 وَدْمُوعِي بَلْشْوَاقْ مَنْ فُوقْ اَخْدُودِي طَاحُ

وَلِّي نَهْوَى اَحْلَفْ لاَ عَتْقْ الرُّوحْ وُلاَ عْطَفْ وُ لاَ اطْلَقْ اسْرَاحِي

                     وَغْلَقْ بَابْ الرّْضَى عْلِيَّ وَدَّا مَفْتَاحُ

خَلاَّنِي دُونْ حَالْ بَالسَّرّْ انْبُوحْ                زَنْدْ جَمْرِي وَقْوَى تَلْحَاحِــــــي

           يَحْسَنْ عَوْنِي مْنَ الْهْوَى صَدْفْ الْقَلْبْ اجْرَاحُ

شَرْعْ الْمُولَى مْعَاكْ يَا قُوتْ الرُّوحْ              اَكْمَالْ اسْرُورِي وَ افْرَاحِــــــي

                 وَافِينِي بَلْوْصَالْ يَاكْ اخْلاَكي يَرْتَاحُم

وأيضًا:

مبْكانِي بَلْهْوَى امْجَيَّــحْ                            وَالْعَاشَقْ كِيفْ مَا يْجِيحْ

بَايَتْ طُولْ الدّْجَا اَلنُّوَّحْ                         سَاهَرْ وَمْدَامْعِي اتْسِيحْ

وَقْلِيبِي بَالجّْفَا امْجَــرَّحْ                           مَنْ فَكُدْ الزِّينْ مَانْرِيـحْ

وَبْقِيتْ اغْرِيبْ                              كَاوِي بَجْمَــــــارْ مَنْ الْغُرْبَا

فَرْقَتْ لَــحْبِيبْ                              مَا كِيفْ افْرَاقْ الزِّينْ صَعْبَا

كَاوِي بَصْلِيبْ                               مَنْ فُوقْ اجْبِينِي نَارْ الْمْحبَّا

يَحْسَنْ عَوْنِي افْرِيدْ هَايَمْ مَجْيُوحْ           مْنَ لَفْرَاقْ اتْقَوَّى تَجْرَاحِــــي

                    وَجْرَا لِي مَا اجْرَى الْقِيسْ فْهَوْلُ وَجْيَاحُ

عَمْدَا لَلِّي عْشِيقْ كِفِي مَكًرُوحْ                بَلْهْوَ قَلْبُ مَاهُ سَاحِــــــــــــــي

                      كِيفْ افْنَانِي وُ مَلْكْنِي وَطْعَنِّي بَرْمَاحُ

وَلِي نَهْوَى اسْلِيمْ سَالِي مَشْرُوحْ                وُلاَ عْلِيهْ افْعَشْقِي يَا صَاحِــي

                 مَا نَكْوَى مَنْ الْحُبّْ كِيفِي نَكْوِيتْ مْنْ الْمَاحُ

خَلاَّنِي بَلْغْرَامْ مَثْلْ الْمَرْيُوحْ                     هَاجْ وَجْدِي وَعْظَمْتْ ارْيَاحِـي

                وعْصَفْ رِيحْ الْهْوَى عْلِيَّ وَعْظَمْتْ ارْيَاحُ

شَرْعْ الْمُولَى مْعَاكْ يَا قُوتْ الرُّوح              اَكْمَالْ اسْرُورِي وَ افْرَاحِــــــي

                     وَافِينِي بَلْوْصَالْ يَاكْ اخْلاَكًي يَرْتَاحُ