عَكَس الشعر في العصر الجاهلي العديد من مظاهر الحياة ومجرياتها آنذاك، إذ كان وسيلة يمكن من خلالها تجسيد الكثير من العادات والتقاليد ورسم صور لطبيعة المجتمع، بالإضافة إلى تصوير البيئة الصحراوية وذلك عبر نَظْم العديد من القصائد، فكانت المعلقات أشهر ما نَظَم الشعراء العرب في الجاهلية وأروعه إذ عكست طبيعة الحياة والمجتمع والبيئة وعبّرت بشكل صادق وبسيط عما جال في خاطر الشاعر ووجدانه.

تعريف المعلقات لغة واصطلاحًا

المعلقات لُغة هي كلمة من أصل (مُعَلّق)، ويقال عَلِقَ بالشي أي نشب فيه وأصاب القلب، وعلِق بالذهن أي احتفظ به في الذاكرة، وعلق الشيء بالشيء أي استمسك به ونشب فيه، ويقال مُعلقة إشارة إلى إحدى عيون الشعر الجاهلي -المعلقات السبع- والتي كانت تعلق على ستار الكعبة.

بينما تعرف المُعلقات اصطلاحًا بأنها قصائد طوال منظومة من قبل شعراء الجاهلية، والمعروفة بعدة أسماء منها المعلقات السبع أو السبع الطوال أو القصائد السبع الطوال الجاهليات أو السبعيات أو المعلقات العشر  والسموط والمشهورات والمُذهبات، والتي تُعدّ من أفضل ما وصلنا من النتاج الأدبي الجاهلي.

ومن الجدير ذكره أن مصطلح المعلقات أطلق على كل ما يمكن أن يعلق، ومع تطور الزمن أخذ المصطلح معانٍ أخرى وقيل علقًا إشارة للشيء النفيس، واُطلق على المعلقات إشارة إلى أجود قصائد العصر الجاهلي وأوسعها وأعمقها معنى وأبرعها أسلوبًا.

سبب تسمية المعلقات بهذا الاسم

سميت المعلقات بهذا الاسم لعدة أسباب أهمها أنها عُلقت على ركن من أركان الكعبة في مواسم الحج، ومن الجدير ذكره أن أول معلقة علقت في الجاهلية هي معلقة امرؤ القيس، ليحذو الشعراء حذوه بعد ذلك، وقيل إنها سميت بهذا الاسم إشارة إلى أن الشعر المكتوب الذي كان يعلق في الذهن عند سماعه وإلقائه.

وفي موضع آخر اُطلق على المعلقات اسم المُذهبات، إذ اختيرت من سائر الشعر العربي وكُتبت بماء الذهب وعُلقت على ستار الكعبة، وهناك من يرى أن المعلقات لم تعلق في أركان الكعبة وإنما سميت معلقات نسبة إلى أصل الكلمة العِلْق إشارة إلى نفاستها من بين مجموع ما نظم في الشعر الجاهلي.

أبرز شعراء المعلقات

برزت سبعة أسماء لشعراء العصر الجاهلي والتي ارتبطت بصورة مباشرة بالمعلقات، وفيما يأتي ذكرهم والتعريف بهم:

  • امرؤ القيس

وهو امرؤ القيس بن حُجُر بن الحارث بن عمر بن حجر، المكنى بأبي وهب والملقب بالملك الضليل، المتوفى عام 565م، عُرف امرؤ القيس بأنه أشهر الشعراء في العصر الجاهلي وأكثرهم مكانة، إذ كان يعرف بأنه أشعر الناس آنذاك.

  • طرفة بن العبد

وهو طرفة بن العبد بن سفيان بن سعد بن مالك بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة بن عكابة صعب بن علي بن بكر بن وائل، المتوفى عام 550م أو 552م، والملقب بأشعر الشعراء بعد امرؤ القيس، فهو في المرتبة الثانية ضمن شعراء الجاهلية إذ قيل فيه أنه أجود شعراء القصيدة وله من غير المعلقة شعر حسن.

  • زهير بن أبي سُلمى

وهو زهير بن أبي سُلمى ربيعة بن رباح المزني من مزينة بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر، المتوفى عام 608م، والمعروف كثالث أهم الشعراء الجاهليين إذ وُصف كما سابقيه بأنه من أشعر الشعراء، واختلف على رتبته ما بين امرؤ القيس والنابغه الذبياني، ومن الجدير ذكره أن زهير بن أبي سُلمى اشتهر بصورة خاصة بنظم شعر المديح.

  • لبيد بن ربيعة

وهو لبيد بن ربيعة بن عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر هوازن بن منصور بن عكرمة بن حفصة بن قيس بن عيلان بن مضر، المتوفى عام 660م، ومن الجدير ذكره أن لبيد بن ربيعة صنف ضمن شعراء الطبقة الثالثة.

  • عمرو بن كلثوم

وهو عمرو بن كلثوم بن مالك بن عتاب بن سعد بن زهير بن بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب بن وائل، المتوفى عام 570م، ويشار إلى أن عمرو بن كلثوم اشتهر بشجاعته فكان مقدامًا مظفرًا وظهر ذلك جليًا في شعره ومعلقته.

  • عنترة بن شداد

وهو عنترة بن شداد وقيل بن عمرو بن شداد بن عمرو بن معاوية بن قراد أو بن قرادة بن مخزوم بن عوف بن مالك بن غالب بن قطيعة بن عبس بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان بن مضر، أحد أشهر الفرسان العرب والمتوفى عام 600م، لقب عنترة بن شداد بعنترة الفلحاء نسبة إلى سمة خلقية فيه وهي انشقاق الشفة، إذ يقال في اللغة الفلح إشارة إلى انشقاق الشفة العليا.

  • الحارث بن حِلزة

وهو الحارث بن حلزة بن مكروه بن يزيد بن عبد الله بن مالك بن عبيد بن سعد بن جسم بن عاصم بن ذبيان بن كنانة بن يشكر بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أقصى بن دعمي بن جدلة بن أسد بن ربيعة بن نزار، المتوفى عام 570م، ويشار إلى أن الحارث بن حلزة صنف من ضمن أجود الشعراء الجاهليين.

عدد المعلقات والتعريف بها

روى أبو القاسم حماد بن أبي ليلى بن المبارك بن عبيد الديلمي الكوفي المعلقات لأول مرة بديوان خاص وذكرها سبع، إلا أن علماء الشعر اختلفوا في ذلك فمنهم من قال بزيادتها ومنهم من رأى أنها أقل من سبع إلا أن الشائع والمتعارف عليه سبع معلقات، وفيما يأتي ذكرها وتعريف بها:

  • معلقة امرؤ القيس

نُظمت معلقت امرؤ القيس ضمن 77 بيتًا من الشعر، على قافية اللام (ل)، وبشكل عامودي بالاعتماد على البحر الطويل، وفيما يأتي مطلعها:

قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيْبٍ وَمَنْزِلِ

بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْنَ الدَّخُولِ فَحَوْمَلِ

فَتُوْضِحَ فَالمِقْرَاةِ لم يَعْفُ رَسْمُهَا

لِمَا نَسَجَتْهَا مِنْ جَنُوبٍ وَشَمْأَلِ

تَرَى بَعَرَ الأرْآمِ في عَرَصَاتِهَا

وَقِيْعَانِهَا كَأَنَّهُ حَبُّ فُلْفُلِ

كَأَنِّيْ غَدَاة َ البَيْنِ يَوْمَ تَحَمَّلُوا

لَدَى سَمُرَاتِ الحَيِّ نَاقِفُ حَنْظَلِ

  • معلقة زهير بن أبي سلمى

نُظمت معلقت زهير بن أبي سُلمى ضمن 59 بيتًا من الشعر، على قافية الميم (م)، وبشكل عامودي بالاعتماد على البحر الطويل، وفيما يأتي مطلعها:

أَمِن أُمِّ أَوفى دِمنَةٌ لَم تَكَلَّمِ

بِحَومانَةِ الدُرّاجِ فَالمُتَثَلَّمِ

وَدارٌ لَها بِالرَقمَتَينِ كَأَنَّها

مَراجِعُ وَشمٍ في نَواشِرِ مِعصَمِ

بِها العَينُ وَالأَرآمُ يَمشينَ خِلفَةً

وَأَطلاؤُها يَنهَضنَ مِن كُلِّ مَجثِمِ

وَقَفتُ بِها مِن بَعدِ عِشرينَ حِجَّةً

فَلَأياً عَرَفتُ الدارَ بَعدَ التَوَهُّمِ

  • معلقة طرفة بن العبد

نُظمت معلقت طرفة بن العبد ضمن 104 أبيات من الشعر، على قافية الدال (د)، وبشكل عامودي بالاعتماد على البحر الطويل، وفيما يأتي مطلعها:

لِخَولَةَ أَطلالٌ بِبُرقَةِ ثَهمَدِ

تَلوحُ كَباقي الوَشمِ في ظاهِرِ اليَدِ

وُقوفاً بِها صَحبي عَلَيَّ مَطيَّهُم

يَقولونَ لا تَهلِك أَسىً وَتَجَلَّدِ

كَأَنَّ حُدوجَ المالِكيَّةِ غُدوَةً

خَلايا سَفينٍ بِالنَواصِفِ مِن دَدِ

عَدَوليَّةٌ أَو مِن سَفينِ اِبنِ يامِنٍ

يَجورُ بِها المَلّاحُ طَوراً وَيَهتَدي

  • معلقة لبيد بن ربيعة

نُظمت معلقة لبيد بن ربيعة ضمن 88 بيتًا من الشعر، على قافية الميم (م)، وبشكل عامودي بالاعتماد على البحر الكامل، وفيما يأتي مطلعها:

عَفَتِ الدِيارُ مَحَلُّها فَمُقامُها

بِمَنىً تَأَبَّدَ غَولُها فَرِجامُها

فَمَدافِعُ الرَيّانِ عُرِّيَ رَسمُها

خَلَقاً كَما ضَمِنَ الوُحِيَّ سِلامُها

دِمَنٌ تَجَرَّمَ بَعدَ عَهدِ أَنيسِها

حِجَجٌ خَلَونَ حَلالُها وَحَرامُها

رُزِقَت مَرابيعَ النُجومِ وَصابَها

وَدقُ الرَواعِدِ جَودُها فَرِهامُها

مِن كُلِّ سارِيَةٍ وَغادٍ مُدجِنٍ

وَعَشيَّةٍ مُتَجاوِبٍ إِرزامُها

  • معلقة عمرو بن كلثوم

نُظمت معلقة عمرو بن كلثوم ضمن 127 بيتًا من الشعر، على قافية النون (ن)، وبشكل عامودي بالاعتماد على البحر الوافر، وفيما يأتي مطلعها:

أَلا هُبّي بِصَحنِكِ فَاَصبَحينا

وَلا تُبقي خُمورَ الأَندَرينا

مُشَعشَعَةً كَأَنَّ الحُصَّ فيها

إِذا ما الماءُ خالَطَها سَخينا

تَجورُ بِذي اللُبانَةِ عَن هَواهُ

إِذا ما ذاقَها حَتّى يَلينا

تَرى اللَحِزَ الشَحيحَ إِذا أُمِرَّت

عَلَيهِ لِمالِهِ فيها مُهينا

  • معلقة عنترة بن شداد

نُظمت معلقة عنترة بن شداد ضمن 75 بيتًا من الشعر، على قافية الميم (م)، وبشكل عامودي بالاعتماد على البحر الكامل، وفيما يأتي مطلعها:

هَل غادَرَ الشُعَراءُ مِن مُتَرَدَّمِ

أَم هَل عَرَفتَ الدارَ بَعدَ تَوَهُّمِ

يا دارَ عَبلَةَ بِالجَواءِ تَكَلَّمي

وَعَمي صَباحاً دارَ عَبلَةَ وَاِسلَمي

فَوَقَفتُ فيها ناقَتي وَكَأَنَّها

فَدَنٌ لِأَقضِيَ حاجَةَ المُتَلَوِّمِ

وَتَحُلُّ عَبلَةُ بِالجَواءِ وَأَهلُنا

بِالحَزنِ فَالصَمّانِ فَالمُتَثَلَّمِ

  • معلقة الحارث بن حلزة

نُظمت معلقة الحارث بن حلزة ضمن 85 بيتًا من الشعر، على قافية الهمزة (ء)، وبشكل عامودي بالاعتماد على البحر الخفيف، وفيما يأتي مطلعها:

آَذَنَتنا بِبَينِها أَسماءُ

رُبَّ ثاوٍ يُمَلُّ مِنهُ الثَواءُ

آَذَنَتنا بِبَينِها ثُمَّ وَلَّت

لَيتَ شِعري مَتى يَكونُ اللِقاءُ

بَعدَ عَهدٍ لَها بِبُرقَةِ شَمّاءَ

فَأَدنى ديارَها الخَلصَاءُ

فَمَحيّاةٌ فَالصَفاحُ فَأَعلى

ذي فِتاقٍ فَغَاذِبٌ فَالوَفاءُ

خصائص المعلقات

تميزت المعلقات كما الشعر الجاهلي بعدة خصائص معنوية وأخرى لفظية، وفيما يأتي بيانها:

  • الخصائص المعنوية

عَبّرت المعلقات بشكل صادق عن مشاعر الشاعر فتميزت بالصدق والبساطة وإظهار النزعة الوجدانية، إضافة إلى القول الجامع، أي أن الأبيات الشعرية في المعلقات كانت تجمع الكثير من المعاني البليغه التامة، وبرزت أيضًا خاصية الإطالة والاستطراد فيها إذ وُجد أن المعلقات زادت بعدد أبياتها جميعًا عن 50 بيتًا، وبرز فيها عنصر الخيال في الطرح بشكل جلي.

  • الخصائص اللفظية

تميز الشعر الجاهلي والمعلقات بشكل خاص بميزات لفظية أهمها: غرابة الألفاظ وجزالتها وسلامة التركيب اللغوي وبلاغة الأداء، بالإضافة إلى العناية والتنقيح.