يُعدّ الفن الإغريقي أو اليوناني القديم (بالإنجليزية: Greek Art) امتدادًا للحضارة المينوية الميسينية، المعروفة لاحقًا بأنها يونانية والتي تفككت جزئيًا في نهاية الألفية الثانية قبل الميلاد نتيجة غزوات البلقان، وانتشر بصورة أساسية عام 900 قبل الميلاد وتطور بشكل مستمر حتى الغزو الروماني لليونان عام 146م، إذ بعد وقوع اليونان تحت السيطرة الرومانية كُرست الفنون اليونانية القديمة للتعبير عن المُثل الرومانية وإعادة إنتاج الأعمال القديمة.
وتعرف الفنون الإغريقية بأنها كافة الأعمال الظاهرة في سياق تاريخي وثقافي واجتماعي وسياسي وفكري محدد في منطقة البحر الأبيض المتوسط (اليونان) والتي عبّر الإغريق من خلالها عن وعيهم الذاتي وصوروا أنفسهم وعالمهم الواقعي والخيالي ضمن مراحل عدة تبدأ بمرحلة التكوين المبكرة، ومن ثم المرحلة النشطة، وتنتهي بمرحلة الاضمحلال الأخيرة.
تاريخ الفن الإغريقي
تطور الفن الإغريقي عبر مراحل تاريخية عديدة وفيما يأتي ذكر أهمها وأبرزها:
- تأثر الفن الإغريقي بالفن الميسيني
نشأ الفن الميسيني في الفترة ما بين 1550 – 1200 قبل الميلاد في الأراضي اليونانية وتأثر به الإغريقيون إذ بنيت المقابر والبوابات الإغريقية اعتمادًا على الأسلوب والنمط الميسيني، ويُشار إلى أن الميسينين اشتهروا بصياغة الذهب والخزف وطوروا الأعمال الفخارية بحيث نقلوها من النطاق الوظيفي إلى الجمالي مما انعكس بدرجة كبيرة على فن الحضارة الإغريقية.
- الفن الإغريقي شبه الميسيني والهندسي الأولي (1200- 900 قبل الميلاد)
بعد حصار طروادة عام 1200 ق.م، تضاءلت الثقافة الميسينية إلى أن انتهت بصورة كاملة وظهر الفن الإغريقي شبه الميسيني أو فن العصور المظلمة (بالإنجليزية: Dark Ages Arts) واستمر من عام 1100 ق.م وحتى 1025 ق.م وتميز بتكرار الفن الميسيني دون ابتكار، وما بعد عام 1025 وحتى 900 ق.م بدأت مرحلة تزيين الفخار تظهر سمة بارزة في الفن الإغريقي من خلال استخدام الأشكال البسيطة والشرائط السوداء والخطوط المتموجة، وشهدت تقنية تشكيل الأواني تطورًا ملحوظًا خلال هذه الفترة.
- الفن الإغريقي الهندسي القديم (900 – 480 قبل الميلاد)
خلال هذه الفترة تطورت الزخرفة المستخدمة على الفخار إذ انتهى استخدام الأشكال البسيطة وبرز استخدام الأشكال الأكثر تعقيدًا مثل الحيوانات والبشر، ويشار إلى أن الرسوم المستخدمة كانت تعرض أو تنفذ باستخدام الأشكال الهندسية البسيطة، إضافة إلى ذلك، تأثر الفن الإغريقي في هذه المرحلة بالعديد من الحضارات الأخرى خاصة حضارات الشرق الأدنى (الأناضول والهلال الخصيب).
ويذكر أن هذه المرحلة شهدت التصوير الواقعي الأولي للبشر وظهور المنحوتات الحجرية الضخمة، إذ أنشأت التماثيل الذكورية والتي عرفت باسم كوروس (بالإنجليزية: Kouros) مقابل التماثيل الأنثوية والتي عرفت باسم كور (بالإنجليزية: Kore)، والتي غالبًا ما تظهر بشكل عارٍ ومبتسم.
- الفن الإغريقي في الفترة الكلاسيكية والهيلينستية (480 - 31 ق.م)
عرفت الفترة ما بين 480 و31 ق.م بالفترة الذهبية إذ نشأ الفن الإغريقي الكلاسيكي، وهي الفترة التي احتلت أثينا فيها مكانة بارزة وتوسع نطاق الدولة الإغريقية حتى وفاة الإسكندر الأكبر، وتميز الفن خلال هذه المرحلة بالمثالية إذ برزت التماثيل البشرية بشكل متناسق ومتناسب وعكست قيم الإغريق وإيمانهم بالنبل الإنساني والرغبة في الظهور كما الآلهة، ويشار إلى أن هذه الفترة شهدت اختراع أهم الأدوات الفنية وهي الأزاميل المعدنية والتي ساعدت في تطور الأعمال الفنية من الرخام.
- الفن الإغريقي الهيلينستي وما بعده (323- 31 ق.م)
خلال هذه الفترة، اتقن النحاتون الإغريقيون نحت الرخام إذ ظهر فنهم بصورة مثالية بشكل لا يصدق مما ساعد على استمرار القواعد الإغريقية الفنية في النحت واستمرار شعبية المنحوتات الإغريقية حتى يومنا الحالي.
فئات الفن الإغريقي
برزت ضمن الفن الإغريقي العديد من الفئات وفيما يأتي ذكرها والتعريف بها:
- العمارة الإغريقية الكلاسيكية
بزرت العمارة الإغريقية الكلاسيكية ضمن الفنون في القرن الخامس قبل الميلاد وكان من أهمها البارثينون الذي أنشئ على قمة الأكروبوليس (قاعدة طبيعية من الصخور مرتفعة شكلت أقدم المستوطنات في أثينا)، وهو بناء ديني بني تكريمًا للآلهة أثينا الراعية للمدينة، وكان كل من إكتينوس وكاليكراتيس المهندسين المعماريين المسؤولين بصورة أساسية عن بناء البارثينون إلى جانب النحات فيدياس.
وفي عام 437 قبل الميلاد بنيت البوابة بروبيليا (البوابة الضخمة المؤدية إلى الأكروبوليس) في الجهة الغربية، وأنشأ الحرفيون المزيد من العمارة التي تضمنت معابد صغيرة تكريمًا لدور الآلهة، إلا أن البارثينون شكّل عامل الجذب الرئيسي.
- عمارة المعابد الإغريقية
برزت عمارة المعابد الإغريقة ضمن الفن الإغريقي وتميزت بأعمدتها ومنصاتها الحجرية المستطيلة والشرفات الأمامية والخلفية، ويشار إلى أن المعابد الإغريقية لم تخصص للعبادة آنذاك وإنما كانت مركزًا لحفظ تمثال الآلهة وتكريمه وتقديم القرابين بعد الصلاة، إذ شكلت الساحات الخارجية للمعبد مكانًا للعبادة والصلاة.
- النحت الإغريقي القديم
برز النحت ضمن أشهر فئات الفن الإغريقي إذ تمكن النحاتون من تطبيق قواعد التشريح على الشكل البشري للتماثيل، ويذكر أن النحت ما قبل الفترة الكلاسيكية الإغريقية ظهر بشكل مزيف وغريب، على عكس النحت الإغريقي الذي تميز بدقته ومحاكاته للواقع المثالي بدرجة كبيرة مع القدرة على إظهار تعبيرات وجه واقعية على المنحوتات.
- الفخار الإغريقي القديم
شكل الفخار الكلاسيكي الإغريقي أكثر أشكال الفن نفعية إذ استخدم في تشكيل التماثيل الصغيرة كقرابين للآلهة وللدفن مع الموتى، واستخدمت أواني الفخار والجرار والمزهريات في العديد من المجالات التي لا تعد ولا تحصى، والتي رسمت بمشاهد دينية وأسطورية وتميزت بتعقيدها وتطورها بمرور الوقت.
خصائص الفن الإغريقي
يتمتع الفن الإغريقي بعدة خصائص فيما يأتي ذكر أبرزها:
- بروز الجمالية المثالية التي تسعى لتمثيل رؤية شاعرية.
- الابتعاد عن التمثيل الواقعي وإبراز التمثيل الكمالي اعتمادًا على الصورة العقلية للشكل في العمل الفني، إذ أتقن الإغريقيون تمثيل خطوط الشكل البشري ووصلوا لدرجات عالية جدًا قريبة من الكمال في الرسم والنحت.
- الاعتماد على مبدأ مركزية الإنسان والذي ينص على أن شكل الجسم الإنساني أساس كل جمال ونسب.
- بروز عناصر التناسب والتوازن في كافة الأعمال الفنية التي تساهم في إبراز الكمال الجمالي.
- الحرص على تمثيل رؤية مثالية لجمال الإنسان وعكس مفهوم النبل الإنساني.
- الحرص على تمثيل الطبيعة والعالم برؤية مثالية.
- استخدام المقاييس الرياضية لتمثيل النسب المثالية في الأعمال الفنية.