شكّل الفن، ولا سيما الفن البصري، في مختلف العصور وسيلة للتعبير عن المهارات أو الخيال لدى الفنانين في مختلف المجالات، سواء كان ذلك في الرسم أو الزخرفة أو التصوير أو التركيب، ويُعدّ الفن التشكيلي أحد أهم أنواع التعبير في الفن المعاصر، إلى جانب الفنون المسرحية والأدبية والسينمائية والموسيقة.
وبصورة عامة، كان الفن يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالهدف النفعي، إلا أنه بحلول القرن الثامن عشر ميلادي أصبح مصطلح الفن التشكيلي يشير إلى الأعمال الفنية الناتجة عن دوافع حسية وجمالية وفنية، إذ تطورت أكاديميات الفن، وخاصة المرتبطة بالرسم، وأصبح الفن أكثر منه انفصالًا عن الغاية النفعية.
تعريف الفن التشكيلي
الفن التشكيلي (بالإنجليزية: Plastic Art)، أو كما يطلق عليه بصورة أشمل الفن البصري (بالإنجليزية: Visual Art)، هو مصطلح مشتق من كلمة (Plasticize) والتي تعني بالعربية القالب إشارة إلى كافة الفنون التي تتضمن التشكيل والنمذجة ضمن ثلاثة أبعاد، إضافة إلى استخدام التقنيات والأدوات والمواد والعناصر التي يمكن تعديلها وتشكيلها وإعادة بنائها من قبل الفنان، والتي تتصمن الرسم والنحت والعمارة والحفر وصناعة السيراميك وتشكيله وصياغة الذهب وكافة الحرف اليدوية والفن الرملي وتشكيل الزجاج والنحت على الجليد والفسيفساء والفن الورقي وطي الورق.
ويستخدم مصطلح الفن التشكيلي أو الفن البصري في وقتنا الحاضر بصورة مختلفة عن ذي قبل إذ يشار به حاليًا إلى الفنون الجميلة والفنون التطبيقية والفنون الزخرفية والحرفية، واستخدم سابقًا للإشارة فقط إلى فني الرسم والنحت، وذلك قبل القرن العشرين وحركة التطور الفني في بريطانيا.
أهمية الفن التشكيلي
تكمن أهمية الفن التشكيلي في قدرته على تسهيل عملية إدراك العالم من حولنا، إذ يعد ذريعة يمكن من خلالها التعبير عن الذات، بجانب أنه وسيلة تربط الثقافات ببعضها البعض، بحيث يشكل رابطة ما بين الإنسان والطبيعة وبين الدول والقارات، إضافة إلى ذلك يمكن القول إن الفن التشكيلي أحد الوسائل التي تعطي العالم من حولنا الحياة والألوان والسعادة والابتسامة.
ويُعد الفن التشيكلي أحد الأدوات التي نقلت، وتنقل، شكل التجربة البشرية وماهيتها، إذ يمكن فهم التجربة المعيشية والثقافية المنتشرة سواء في الماضي أو الحاضر من خلال دراسة الفن التشكيلي في مختلف الحضارات العالمية، إضافة إلى ذلك يُعدّ الفن التشكيلي أحد أهم مصادر الإلهام والتفكير والإبداع.
تاريخ الفن التشكيلي
يعود تاريخ الفن التشكيلي إلى الفترة الأولى من عصور ما قبل التاريخ وتحديدًا الفترة الأشولية، أي 700000 قبل الميلاد، إذ وجدت المنحوتات البدائية والتي من أبرزها تمثال من الكورتازيت يطلق عليه اسم فينوس طانطان (Venus of Tan-Tan)، واستخدمت الحضارات القديمة الرسم على جدران الكهوف ضمن مظاهر الفن التشكيلي.
وخلال فتره حضارة البحر الأبيض المتوسط -مهد الحضارات، إلى جانب الحضارة اليونانية والرومانية والبيزنطية والقوطية- انتشر الفن التشكيلي وظهر من خلال العمارة والنحت والتصميم الداخلي، وكان يُنظر للفنانين في ذلك الوقت على أنهم مهرة محترفين حتى عصر النهضة إذ يصبح الفنان ذو مكانة اجتماعية إذا حاز على التقدير والاهتمام بصورة جلية.
وفي بداية القرن الثامن عشر، حدد الفيلسوف الفرنسي تشارلز باتو (Charles Batteux) الأعمال الفنية التشكيلية في كتاب "اختزال الفنون الجميلة في مبدأ واحد" إذ أخذ مصطلح الفن التشكيلي مفهومًا أوسع وأوضح وأصبح يُشار به إلى الفن المنتج ببساطة ورِقّة وامتياز اعتمادًا على معايير عدة.
عناصر الفن التشكيلي
يتميز الفن التشكيلي باحتوائه على سبعة عناصر أساسية تميزه عن غيره من الفنون وفيما يأتي ذكرها وبيانها:
- الخط
يشكّل الخط (Line) أساس كل الرسم في الفن التشكيلي وهو أول أكثر العناصر تنوعًا فيه، إذ يمكن استخدامه بعدة طرق وذلك لتحديد الشكل والنمط والبنية ونمو العمل الفني وتحديد الحركة والإيقاع.
وتحمل الخطوط في الفن التشكيلي دلالات عدة إذ تُعبرّ الخطوط المنحنية عن السهولة والراحة، بينما الخطوط الأفقية تشير إلى المسافة والهدوء، أما العمودية فتدل على الارتفاع والقوة، بينما تشير الخطوط الخشنة إلى الاضطراب والقلق، في حين تشير الخطوط الحرة إلى الطاقة والمزاج الخاص للفنان، وتشير الخطوط الديناميكية إلى الصرامة والتحكم، أما الخطوط المكسورة فتشير إلى الأشياء السريعة أو غير الجوهرية.
- الشكل
ينقل الشكل (Shape) في الفن التشكيلي مشاعر الفنان ويتميز بكونه طبيعيًا أو مصطنعًا بحيث يظهر عاديًا أو غير منتظمًا ومسطحًا أو صلبًا وتمثيليًا أو مجردًا وهندسيًا أو عضويًا وشفافًا أو معتمًا، والجدير ذكره أن تفسير الشكل يخضع بالمقام الأول لرؤية المُتَلقي إذ يمكن أن يتغير من وجهة نظر الناظر إليه.
وتحمل الأشكال في الفن التشكيلي دلالات عدة إذ تُعبرّ المربعات والمستطيلات عن القوة والاستقرار، بينما تشير الدوائر إلى الحركة المستمرة، بينما تمثل المثلثات الحركة التصاعدية أو إحساسًا بعدم التوازن.
- الدرجة أو النغمة
يقصد بالدرجة أو النغمة (Tone) خِفّة اللون أو قتامته، وغالبًا ما يستخدم عنصر الدرجة للتحكم بالطابع التعبيري للعمل الفني، إذ يمكن من خلال الدرجة خلق تباين الضوء والظلال وخلق ظل الشكل وإظهار الجو الهادئ أو الدرامي أو خلق إحساس بالعمق والمسافة.
- اللون
يُعدّ اللون (Color) أحد أهم العناصر في العمل الفني الذي يؤثر على العواطف والحالة المزاجية، وغالبًا ما يستخدم اللون في الفن التشكيلي لعدة أغراض أهمها إظهار الضوء أو النمط أو الرمز أو الانسجام.
- الملمس
يقصد بالملمس أو النسيج (Texture) جودة سطح العمل الفني من حيث الخشونة والنعومة، وغالبًا ما يختبر الملمس في الفن التشكيلي بطريقتين إما بصرية أو حسية لمسية، والجدير بالذكر أن مصادر المواد التي تُستخدم في تحديد جودة سطح العمل الفني متعددة، فقد تكون بصرية بحيث يستخدم الفنان مهاراته والألوان فقط لنقل صوره بصرية أو حسية وقد تُستخدم المواد الطبيعية مثل الخشب والقشور والرمال وغيرها.
- النموذج
يشير مصطلح النموذج (Form) في الفن التشكيلي إلى حجم العمل الفني ومساحته، والذي قد يكون تمثيليًا أو مجردًا، وغالبًا ما يظهر هذا العنصر بشكل جلي في التصاميم ثلاثية الأبعاد والهندسة المعمارية.
- النمط
يشير النمط (Pattern) في الفن التشكيلي إلى التكرار والذي يهدف غالبًا إلى ايصال الإحساس بالتوازن أو الانسجام أو التباين أو الإيقاع أو الحركة، ويظهر النمط في الفن التشكيلي بشكلين رئيسيين وهما النمط الطبيعي كهيكل البلورات أو الخطوط على الحيوانات أو الأسماك أو أوراق الشجر، والنمط الاصطناعي -من صنع الفنان ومخيلته- كالمستخدم في الزخرفة والأشكال الهندسية.
مدارس الفن التشكيلي
تعددت مدارس الفن التشكيلي عبر العصور وفيما يأتي ذكر أهمها والتعريف بها:
- المدرسة البدائية
عنيت المدرسة البدائية بتصوير الواقع المادي كما هو خلال فترة محددة من الزمن، وتميز الفن التشكيلي البدائي بتعبيره عمّا كان يجول في خاطر الفنان بالاعتماد على معرفته الشخصية وإدراكه للعالم من حوله.
- المدرسة الكلاسيكية
تميزت المدرسة الكلاسيكية بإظهار الفن بناءً على قواعد وقوانين تمّت دراستها وتناقلها من جيل إلى آخر، ومن الجدير ذكره أن هذه المدرسة تضم الفنون التاريخية في العصر اليوناني والروماني.
- المدرسة التنويرية
تُعدّ المدرسة التنويرية جديدة العهد إذ برزت بشكل جلي في الفتره الواقعة بين 1660م و1770م، والتي هدفت إلى التخلص من القيم الجمالية القديمة البالية واتخذت من الفنون وسيلة للتعبير عن محبة الخالق.
- المدرسة التكعيبية
تعود أصول المدرسة التكعيبية إلى بيكاسو وبراك اللذان قادا الحركة الفنية الثورية القائمة على أساس إظهار ما تراه العين وتسجيله والتعبير عن جوهر الأشياء باستخدام الأشكال والرموز.
- المدرسة التكوينية
تُعدّ المدرسة التكوينية إحدى المدارس حديثة العهد والتي ظهرت عام 1920م في روسيا، إذ اعتمدت المدرسة التكوينية على الرؤية التكعيبية ثلاثية الأبعاد، ومن الجدير ذكره أن هذه المدرسة اهتمت بشكل كبير بالفراغ والإيقاع وعرفت أيضًا باسم المدرسة البنائية.
- المدرسة السريالية
ظهرت المدرسة السريالية عام 1920م في فرنسا والتي تهدف لإظهار الجوانب اللاشعورية للإنسان بحيث يظهر العمل الفني بشكل مخالف للمنطق.
- المدرسة التجريبية
تُعدّ المدرسة التجريبة إحدى أهم مدارس الفن التشكيلي التي تدعو للثورة على التقاليد والقناعات في التراث بهدف التعبير بشكل جديد عن اللاشعور والمفاهيم الجديدة للطبيعة.