الدولة الجبرية، المعروفة أيضًا باسم الإمارة الجبرية والسلطنة الجبرية، هي إمارة عربية تعود أصولها لفرع الجبور، وهم أحد فروع قبيلة تدعى بني خالد، والتي حكمت الجزء الشرقي من شبه الجزيرة العربية في منتصف القرن الخامس عشر الميلادي حتى منتصف القرن السادس عشر الميلادي، وامتد نفوذهم وسيطرتهم ليصل إلى وسط نجد وجزيرة البحرين وعمان وغيرهم، وتأسست الدولة الجبرية على يد السلطان زامل بن حسين الجبري، وجاء بعده ابنه سيف ليلعب دورًا كبيرًا في أثناء حياة والده وبعد وفاته، حتى أن الكثير من المؤرخين يعدونه مؤسس الدولة الجبرية الحقيقي، ووصلت الدولة الجبرية لأوج سطوتها وسلطتها على يد السلطان أجود بن زامل الجبري في حدود عام 874 هجرية، إذ إنه اشتهر وذاع صيته بين السلاطين بفضل مواهبه العسكرية وحنكته السياسية، لذا أحبه الشعب وأطلقوا عليه العديد من الأسماء مثل سلطان القطيف والبحرين والأحساء ورئيس أهل نجد وغيرهم.
تأسيس الدولة الجبرية
استغل بنو جبر ما كان يمرّ به الجروانيون من حالات ضعف وما كانوا يمتلكونه من حنكة ونفوذ وقوة ومقدرات عسكرية، فقاموا بعدة أعمال عسكرية مكنتهم من السيطرة على المنطقة، فاستولوا على الأحساء بعد إقصاء بني جروان منها، ثم أسقطوا إمارة بني جروان تمامًا، وامتد نفوذهم بعدها ليشمل القطيف وبلاد البحرين عام 1439م الموافق 843 هجرية، وهو في الغالب تاريخ تأسيس السلطنة، التي أسسها زامل بن حسين بن جبر بعد إسقاطه للدولة الجروانية، وامتدت الدولة الجبرية جنوبًا ناحية سواحل عمان حتى الشمال ناحية الكويت، وكانت تضم أيضًا جزر البحرين وشرق نجد، وكان بنو جبر يتخذون من الأحساء عاصمة لهم.
تاريخ الدولة الجبرية
بعد أن أسس زامل الجبري الدولة الجبرية، سعى إلى توسيع نفوذها ورقعتها، فاستغل انشغال مملكة هرمز بالمشاكل الداخلية التي نشبت فيها، وقام بالاستيلاء على ميناء القطيف عام 1439م الموافق 843 هجرية، وبعد وفاته انتقلت السلطة لابنه سيف الجبري الذي كان واحد من أشهر أمراء الدولة الجبرية، حتى أن البعض يعدونه مؤسسها الحقيقي، إلا أن أشهر أمراء الدولة الجبرية على الإطلاق كان السلطان أجود بن زامل الجبري، الذي قال عنه السخاوي: "كان رئيس نجد ذا أتباع يزيدون على الوصف، مع فروسية وقد تعددت في بدنه جراحات كثيرة، وأقام الجمعة والجماعات، وأكثر من الحج في اتباع كثيرين، يبلغون الآلاف، مصاحبا للتصدق والبذل"، ووصلت شهرة السلطان أجود للهند، حيث طلب منه الوزير الأول في الهند همايون شاه بن أحمد بن شاه إقامة علاقة صداقة بين السلطتين، وامتدت الدولة في عهده وتوسعت فكان نفوذه يصل إلى الأحساء والبحرين والقطيف ووسط نجد وعُمان.
وجاء بعد السلطان أجود في الحكم ابنه محمد بن أجود، والذي ساعد في حفظ الأمن والنظام في مكة بسبب تمرد بعض القبائل البدوية في حدود عام 912 هجرية، وبحلول العقد الثاني من القرن العاشر جاء إلى الحكم السلطان مقرن بن زامل بن أجود حفيد السلطان أجود، والذي لمع بريقه كثيرًا، كونه استطاع أن يحافظ على وحدة الدولة الجبرية وهيبة بني جبر، وإخضاع الكثير من القبائل التي كانت تمردت على الدولة الجبرية مثل بني لام ويزيد ومزيد وغيرهم، بجانب أنه صد هجوم الهرمزيين على البحرين عام 917 هجرية، وهجوم الصليبيين البرتغاليين على الجزيرة عام 927 هجرية، ولم تبدأ الدولة الجبرية في التقهقر والضعف إلا بعد وفاة السلطان مقرن عام 927 هجرية.
نهاية الدولة الجبرية وسقوطها
بدأ الضعف يدب في أوصال الدولة الجبرية بعد استشهاد السلطان مقرن عام 927 هجرية على يد الصليبيين البرتغاليين بمعاونة من الهرمزيين، حيث اجتاحوا البحرين والقطيف بشراسة، وعلى الرغم من أن السلطان مقرن تصدى لهم وقاد المعركة بنفسه، أصيب فيها بسلاح ناري في رجله ونقل بعدها لأحد المساجد حيث توفي بعد 6 أيام بسبب الجراح، ونقل جثمانه للأحساء ودفن هناك، وعم الحزن على البلاد باستشهاده حتى أن المؤرخ ابن إياس قال عن هذه الحادثة: "ذلك كان من أشد الحوادث في الإسلام وأعظمها".
وثار الناس بعدها على طوران شاه القائد الهرمزي بقيادة حسين بن سعيد زعيم الجبور للثأر مما فعله بالسلطان مقرن، ما أضطر طوران شاه للهرب لجزيرة قشم، حيث أرسل الزعيم حسين واحدًا من أتباعه خلفه وقتله، لكن كأي دولة على الإطلاق، نشب الصراع الداخلي بين زعماء الدولة الجبرية بعد وفاة مقرن، وهذا ما جعل الدولة تضعف كل يوم أكثر فأكثر، ويقال إن علي بن أجود عم السلطان مقرن هو من جاء بعده على العرش، لكنه لم يستطع الاحتفاظ بمكانه أكثر من شهر، وجاء بعده أخوه ناصر بن محمد بن أجود الذي استمر في الحكم لمدة ثلاث سنوات، وكانت فترة تعمها الفوضى ويسود عليها الضعف، فتنازل عن السلطة لقطن بن علي بن هلال بن زامل مقابل بعض المال.
وبتولي قطن تكون السلطة خرجت من بيت السلطان أجود لتنتقل لبيت أخيه هلال بن زامل، حيث كان نفوذهم ممتد إلى شمال عمان، حتى أن المؤرخين يطلقون عليهم العمانيين أحيانًا، وكان يغلب عليهم الطابع البدوي، وكان لقطن هذا ثلاث أولاد هم قطن وناصر وعلي، تولى واحد منهم الإمارة بعد وفاته، لكنه لم يستطع الاحتفاظ بها إلا لوقت قليل –شهر أو شهرين– ليضطر للتنازل عنها لعمه قضيب أو غصيب بن زامل بن هلال بن زامل، وبحلول عام 931 هجرية / 1524م طلب الشيخ راشد بن مغامس زعيم المنتفق من قبيلة المنتفق التدخل في أمور الدولة الجبرية حليفًا لهم بهدف ضبط الأمن والنظام، لكنه استغل انشقاقهم وانتزع منهم إمارة الأحساء والقطيف، وبهذا تكون الدولة الجبرية سقطت كسلطة سياسية في هذه البلاد، واختفت الدولة الجبرية تمامًا بعدها حينما أسقطتها الدولة العثمانية.