الحروب البونيقية (بالإنجليزية: Punic Wars) هي سلسلة من الحروب التي وقعت بين عامي 264 و146 قبل الميلاد بين قرطاج وروما، وصنفها المؤرخون على أنها من الحروب الأطول في التاريخ والأكثر دموية، وبدأ النزاع نتيجة تدخل الإمبراطورية الرومانية في مطالبات قرطاج بضم جزيرة صقلية لها.
العلاقات الرومانية القرطاجية قبل الحروب
كانت العلاقات بين روما وقرطاج ودية إلى حد كبير قبل وقوع أحداث الحروب البونيقية التي استمرت على مدار أكثر من 80 عام، حيث كانت هناك العديد من الاتفاقيات والمعاهدات التجارية بين الدولتين، وحتى عام 246 قبل الميلاد كانت قرطاج أغنى مدن المنطقة وأكثرها تطورًا، وهذا ما دفع روما إلى محاولة السيطرة عليها، وعلى الرغم من أن الأمر لم يكن سهلًا، تمكن الرومان من تحقيق هدفهم بعد عدة معارك استمرت سنوات طويلة.
عوامل التشابه والاختلاف بين روما وقرطاج
من أبرز عوامل التشابه والاختلاف بين روما وقرطاج ما يلي:
- سنة التأسيس
كانت قرطاج مرآة لروما، فهي تأسست مستعمرة فينيقية قبل نحو 800 قبل الميلاد، بينما تأسست روما بعد ذلك بحوالي 50 عام، ونتيجة لذلك كان القرطاجيون متفوقين على الرومانيين.
- إمبراطورية بحرية مقابل إمبراطورية برية
كانت قرطاج إمبراطورية بحرية بينما كانت روما إمبراطورية برية، وهي الميزة الأفضل.
- الحالة اللغوية
كانت قرطاج المستعمرة الفينيقية التي تسعى إلى توحيد المستعمرات الفينيقية المجاورة والتي تشترك معها في الثقافة واللغة، بينما كان الرومان الغزاة الذين حاربوا ضد عشرات الشعوب، وكانوا يتحدثون بمجموعة متنوعة من اللغات.
- الحجم والحالة العامة
كانت قرطاج إمبراطورية مزدهرة تهيمن على منطقة غرب البحر الأبيض المتوسط على ساحل إفريقيا الشمالي وعلى الساحل الجنوبي لإسبانيا، وكذلك معظم جزر غرب البحر المتوسط، ويشمل ذلك صقلية، بينما كانت روما عاصمة شبه جزيرة.
- ثقافة الشعبين
كانت قرطاج مدينة التجار، والذين كانوا يحكمهم مجلس من الأمراء التجار، وعمومًا كان سكان قرطاج أكثر تحضرًا وتطور علمي، بينما كانت روما يحكمها مجلس عسكري كبير، وكان معظم شعبها من المزارعين والجنود، بجانب أنّ ثقافتهم بدائية للغاية مقارنة بثقافة القرطاجيين، ولكنهم عوضوا هذا النقص بالقوة البشرية والتنظيم شديد الحزم، وطوروا حجم إمبراطوريتهم من خلال الغزو وسفك الدماء.
أسباب الحروب البونيقية
الحروب البونيقية، أو كما تسمى أيضًا الحروب القرطاجية، هي سلسلة من ثلاثة حروب وقعت بين الإمبراطورية الرومانية والإمبراطورية القرطاجية (البونيقية)، في الفترة ما بين 264 و146 قبل الميلاد، وأدت في نهاية المطاف إلى تدمير قرطاج واستعباد سكانها، وفرض الرومان سيطرتهم على غرب البحر الأبيض المتوسط، ويعود الصراع إلى موقف روما من حوالي 275 قبل الميلاد، حيث نصّب الرومان أنفسهم قادة وحُماة لجميع الأراضي الإيطالية، ونتيجة لهذا الالتزام سعى الرومان لحماية جزيرة صقلية المجاورة من أي تدخل أجنبي، ومن ناحية أخرى كانت قرطاج تهدف منذ مدة طويلة إلى الاستيلاء على صقلية لإتمام سلسلة أجزاء الجزيرة التي احتلها سابقًا.
الحرب البونيقية الأولى
اندلعت الحرب البونيقية الأولى في الفترة ما بين 264-241 قبل الميلاد، واستمرت على مدى 20 عام، كافح خلالها الرومان والقرطاجيون من أجل فرض السيطرة التامة على منطقة غرب البحر الأبيض المتوسط، وبالتحديد على جزيرة صقلية وما حولها، ففي عام 264 قبل الميلاد بدأت القوات الرومانية بشن هجوم بحري على قرطاج تمكن القرطاجيون من التصدي له، ولكن رفضت روما الاستسلام، وفي عام 241 قبل الميلاد استطاع الأسطول الروماني إحراز نصر مؤزر على القرطاجيين في البحر والقضاء على تفوقهم البحري الضخم.
الحرب البونيقية الثانية
بدأ الحرب البونيقية الثانية من 218 إلى 201 قبل الميلاد، فعلى مدى العقود اللاحقة استطاعت روما السيطرة على عدة أجزاء من غرب البحر الأبيض المتوسط، بما في ذلك سردينيا وكورسيكا، ولكن بحلول عام 237 قبل الميلاد تمكنت قرطاج من تأسيس قاعدة نفوذ جديدة لها في إسبانيا تحت قيادة الجنرال هاميلكار باركا، ومن بعده ابنه صدر بعل، وبعد وفاة صدر بعل عام 221 قبل الميلاد تولى حنبعل قيادة الجيش القرطاجي، وسار به حتى وصل مدينة إيبرية التي كانت تحت سيطرة الرومان، وأعلن من هناك الحرب على روما، وكان الجيش القرطاجي يتكون من نحو 90.000 جندي من المشاة و12.000 من سلاح الفرسان وعدد من الأفيال، ولكن تمكّن الجيش الروماني الذي يبلغ عدده أضعاف الجيش القرطاجي من إلحاق خسائر فادحة بالقرطاجيين، وعلى إثر هذه الهزيمة انتعشت قوة الرومان من جديد، وخسرت قرطاج سيطرتها على إسبانيا، ووجد حنبعل نفسه مضطرًا للتراجع عن إيطاليا للدفاع عن أراضي دولته في شمال إفريقيا، وتوالت هزائم جيش حنبعل على مدى الأعوام التالية، مما وضع حد آخر للتواجد القرطاجي في مناطق غرب البحر الأبيض المتوسط، وبقيت إسبانيا كاملة تحت سيطرة الرومان، بينما سمحت لقرطاج بالاحتفاظ بأراضيها شمال إفريقيا، وأُجبرت قرطاج على التنازل عن أسطولها البحري ودفع تعويض هائل لروما بالعملة الفضية.
الحرب البونيقية الثالثة
وقعت الحرب البونيقية الثالثة في الفترة ما بين 149-146 قبل الميلاد على إثر رأي مجلس الشيوخ الروماني الذي رأى أنّ قرطاج -على الرغم من حالة الضعف التي كانت تعاني منها- ما تزال تشكّل تهديد مستمر على روما، وما أشعل فتيل الحرب هو نقض قرطاج معاهدتها مع روما بإعلانها الحرب على دولة نوميديا المجاورة عام 149 قبل الميلاد، وعلى إثر ذلك أرسلت روما جيش إلى شمال إفريقيا، وكان ذلك إعلانًا عن قيام الحرب البونيقية الثالثة، حيث حاصرت القوات الرومانية القرطاجيين لمدة عامين، قبل أن يدخل الرومان إلى داخل المدينة ويحطموها بالكامل، وبعد 7 أيام من الصراع الدموي الوحشي استسلم القرطاجيون، بعد أن دُمّرت مدينتهم القديمة التي يصل تاريخها لمدة 700 عام، وبيع 50.000 مواطن قرطاجي عبيدًا، وفي نفس العام الذي انتهت فيه الحرب تحرك الجيش الروماني نحو الشرق لهزيمة الملك فيليب الخامس في مقدونيا، فيما يُعرف بالحروب المقدونية، التي تمكنت روما من خلالها الاستيلاء على الأراضي الممتدة من الساحل الأطلسي لإسبانيا مرورًا بالحدود مع اليونان وحتى آسيا الصغرى.
آثار الحروب البونيقية
كانت جميع الآثار الإيجابية الناتجة من الحروب البونيقية تصب في صالح روما، والتي من أبرزها ما يلي:
- سيطرة روما المطلقة على صقلية وكورسيكا واستغلال الرومان لموارد صقلية الطبيعية لجني الأرباح، وأصبحت صقلية مصدر مهم للحبوب.
- صادرت روما أراضي المواطنين القرطاجيين وأجبرتهم على دفع جزية ضخمة للغاية، لا سيما الأفراد الذين كانوا يدعمون الحرب على روما.
- اكتسب مجلس الشيوخ الروماني مكانة أكبر في الدولة، مما عزّز من ثروته ونفوذه في الحكومة الرومانية.
- هيمنت روما على جميع الأراضي القرطاجية في إسبانيا، مع بعض الأجزاء من شبه الجزيرة الأيبيرية، ممّا دفع اقتصاد روما نحو الازدهار نتيجة مواردها الغنية التي وصلت إليها من وضع يدها على المناطق الجديدة، فأصبحت تصدر كميات كبيرة من الحديد والنحاس والفضة، إلى جانب الأسماك والمنتجات الزراعية.
- أصبحت قرطاج مجرد دولة تابعة لروما، حيث تمّ اقتصار أسطولها البحري إلى 10 سفن فقط ومُنعت من تأسيس جيش.
- ازدياد استخدام العبيد، خاصةً بعد الحرب البونيقية الثالثة، حيث أصبحت أعداد هائلة من العبيد تُحضر إلى روما، إمّا أسرى حرب أو يتم شراؤهم من الخارج من قِبل الطبقة الثرية.