أنشأت دولة الإمارات العربية أحد أهم المعالم التعليمية والثقافية والسياحية والتقنية والفنية في العالم في النصف الأول من القرن الواحد والعشرين المعروف باسم متحف المستقبل والذي يشكل مساحة لاستقطاب وجهات النظر المختلفة في مجال الثقافة والفلسفة والروحانيات، إضافة إلى المجال الاجتماعي، وذلك للتعبير عنها بصورة متسامحة ومبدعة، حيث يقوم في الأساس على مبدأ استشراف المستقبل كونه مساحة تعليمية قائمة على استكشاف مختلف تحديات العصر واقتراح الحلول حولها، وذلك بتوفير العديد من البرامج والدورات التعليمية بهدف إيجاد مستقبل أفضل.

ومن الجدير ذكره أن متحف المستقبل يساعد على نقل الشيء من حيزه الافتراضي إلى الحيز المادي إذ يظهر ذلك جليًا بما يوفره المتحف من تجارب ديناميكية في مجال الفضاء الخارجي والنظم الإيكولوجية والهندسة الحيوية والصحة والروحانيات والمياه والغذاء والنقل والطاقة، حيث يستكشف ما في هذه المجالات من تحديات وتوضع الخطط المناسبة لعلاجها لتفادي الأضرار أو المشكلات في المستقبل.

ما هو متحف المستقبل؟

متحف المستقبل (بالإنجليزية: The Museum of the Future، يُشار إليه اختصارًا بـ MOTF) هو متحف حي يضمّ العديد من المعروضات والأدوات الخام دائمة التجدد والتغير والتي يمكن من خلالها استيضاح المستقبل أو استشرافه والبحث في التقنيات الجديدة بما يسمح بإيجاد مستقبل مشرق أكثر تطورًا، ومن الجدير ذكره أن متحف المستقبل يعد أكبر مختبر تقني في العالم.

افتُتح متحف المستقبل رسميًا بتاريخ 22 فبراير/شباط 2022م في الإمارات العربية المتحدة –إمارة دبي- انطلاقًا من رؤية الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة وحاكم دبي، ويُقام على مساحة 17000 مترًا مربعًا بارتفاع 78 مترًا عن سطح الأرض، ويُشكّل أيقونة جديدة مبنية على الثقافة البصرية بحيث يقدم فرص جديدة للبشرية في الوقت الحالي والمستقبل تساعد على إحداث التغيير والتطوير باستخدام العلوم والتكنولوجيا، ويشار إلى أن متحف المستقبل يضم بين أرجائه المعارض التقليدية والمسرح التفاعلي أو المعروف بالمسرح الغامر والمعالم السياحية الخاصة، ويُذكر أيضًا أن المتحف يشكّل المقر الرئيسي لمبادرة (العقول العربية الكبرى).

ومن الجدير ذكره أن متحف المستقبل يشكل وجهة مهمة للعقول النيرة والمخترعين ورجال الأعمال، إذ يوفر المتحف بيئة متكاملة تسمح بالإبداع والتمويل والتسويق، وعليه يمكن تصنيفه مجمعًا وحاضنة  للمخترعين والمصممين والباحثين والعلماء والأفكار.

رمزية متحف المستقبل ورسالته

أنشئ متحف المستقبل وصمم بناء على رمزية ورسالة معينة إذ صمم هيكله الخارجي باستخدام شكل الحرف العربي بالاعتماد على اقتباسات خاصة بمؤسس المتحف الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم أو كما يطلق عليها رسالة الأمل، والتي نفذها الفنان الإماراتي مطر بن لحج، والذي قال حين نفذ تصميمه "أرى المبنى أنه إرث للمستقبل، لكن الخط إرث بلادنا، وكنت بحاجة إلى صنع شيء للمستقبل من الماضي".

ويشار إلى أن الاقتباسات التي تزين بها مبنى متحف المستقبل هي ثلاثة من أقوال الشيح محمد بن راشد آل مكتوم وهي:

"لن نعيش مئات السنين ولكن يمكن أن نبدع شيئًا يستمر لمئات السني"

"المستقبل سيكون لمن يستطيع تخيله وتصميمه وتنفيذه

  • المستقبل لا يُنتظر، المستقبل يمكن تصميمه وبناؤه اليوم

ويُذكر أيضًا أن متحف المستقبل يتكون من ثلاثة أجزاء رئيسية وهي التل الأخضر والمبنى والفراغ، إذ يمثل التل الأخضر الواقع والأرض والاستمرارية والجذور، بينما يمثل المبنى البشرية والعُدة بما في ذلك الفن والإبداع والقدرة، أما  الفراغ فيمثل العالم والمستقبل المجهول بصورة رمزية.

فن العمارة في متحف المستقل

صممت شركة (Killa Design) متحف المستقبل الذي يُعدّ أحد أهم تحديات العمارة الحديثة في القرن الواحد والعشرين ميلادي، حيث فازت في مسابقة تصميم المتحف عام 2015م بالاعتماد على التصميم المعياري ونمذجة معلومات البناء أو كما يطلق عليه تصميم البارامتري، وهو تقنية ثلاثية الأبعاد تعتمد على التفكير الحسابي ومعالجة المتغيرات أو عوامل محددة قد تؤثر على النتائج، ويشير في هذا الصدد مدير مشروع متحف المستقل إلى أن البيئة الرقمية كانت حاجة ملحة وأساسية لتحديد كل شي في عملية البناء، إذ لا تكفي الناحية الهندسية فقط لتحقيق النجاح.

ومن الجدير ذكره أن عملية الإنشاء مرت بمراحل عدة وفيما يأتي بيانها:

  • المرجلة الأولى (ضبط الشكل النظري)

شكلت المرحلة الأولى في تصميم مبنى متحف المستقبل وإنشائه ضبط الشكل النظري وتضمنت محاولة السيطرة على أكبر قدر ممكن من الانحناءات المعقدة بتحديد المليمترات البسيطة واستغرقت وقتًا طويلًا، لكنها ضمنت لاحقًا إزالة كافة فرضيات الفشل لإنهاء البناء.

  • المرحلة الثانية (تصميم الإطار الفولاذي)

صُمم الإطار أو الغلاف من العديد من العوارض المتقاطعة بصورة قطرية من الفولاذ كون الفولاذ من أكثر المواد القابلة للتكيّف مع شكل الإطار والمنحنيات المعقدة، حيث استخدمت خوارزمية خاصة للوصول للشكل النهائي في هذه المرحلة.

  • المرحلة الثالثة (البناء الخرساني والمسح بالليزر)

بعد ضبط الشكل النظري وتصميم الإطار الفولاذي، أُنشئت العارضة والبرج الدائري الخرساني خلال 14 شهرًا كخطوة أولية لمسح المبنى باستخدام تقنية الليزر ومقارنته مع النموذج ثلاثي الأبعاد، إذ كانت النتائج تسير بصورة جيدة مما مهد للانتقال للمرحلة اللاحقة والشروع في إتمام البناء دون خوف.

  • المرحلة الرابعة (النمذجة الرقمية)

استُخدمت في هذه المرحلة البرمجة النصية البارامترية لتحديد حجم الحروف على الألواح الزجاجية بهدف إيجاد التوازن بين كمية الضوء الطبيعي الداخل إلى المتحف وبين الضوء والحرارة الآتية من أشعة الشمس وتحديد تكييف الهواء.

  • المرحلة الخامسة (أعمال الفولاذ)

استُخدمت في هذه المرحلة برمجة تسلسل ساعدت على تركيب الألواح الفولاذية لتأخذ شكلها النهائي، ومن الجدير ذكره أن بعض الألواح في هذه المرحلة كان يستغرق وقت تثبيت طويل يصل إلى 3 أيام، مما يدل على دقة إتمام البناء وتعقيده.

  • المرحلة السادسة (البنية التحتية المتقدمة)

زُود المبنى بالعديد من الأدوات المساعدة على التحكم بالمبنى والتي من أهمها أنظمة إعادة تدوير المياه والمصاعد المتقدمة للسيارات والبشر واستخدام صفائح الطاقة الشمسية الكهروضوئية بما يسمح بشحن السيارات، مع مراعاة تقليل عدد المصفات لتشجيع استخدام وسائل النقل العامة، إضافة إلى القاعات المتخصصة في المجالات المناخية والاجتماعية والعلمية والصحية وغيرها.

  • المرحلة السابعة (الإنتهاء من البناء والتصميم)

تم الإنتهاء من بناء المبنى ضمن مساحة 17000 مترًا مربعًا والذي يتكون من 6 طوابق، إضافة إلى طابق إداري مقسم إلى ثلاثة أقسام إضافية، وهو مجهز بكافة المستلزمات التي تحقق الرسالة والرمزية القائم على أساسها.

زيارة متحف المستقبل

يمكن زيارة متحف المستقبل في دبي يوميًا من الساعة 10:00 صباحًا وحتى الساعة 06:00 مساء، والجدير ذكره أنه يتم التوقف عن بيع تذاكر الدخول للمتحف قبل الإغلاق بساعة واحدة أي الساعة 05:00 مساء، وتبلغ أسعار التذاكر لمن هم فوق سن 3 سنوات  38.48 دورلارًا أي ما يعادل 145 درهمًا إماراتيًا، بينما الأطفال دون سن 3 سنوات وأصحاب الهمم فدخولهم مجاني للمتحف.

ومن الجدير ذكره أنه يمكن الوصول للمتحف باستخدام محطة مترو أبراج الإمارات (الخط الأحمر) إذ تساعد هذه المحطة بالوصول إلى المتحف بشكل مباشر عبر جسر مخصص للمشاة أو استخدام حافلات دبي ذات الأرقام التالية: 27، 29، X22، (أبراج دبي)، ويمكن استخدام السيارات الخاصة أو الدرجات الهوائية للوصول إلى المتحف.