"الغناء والرقص والبخور طعام الآلهة"... مقولة وردت في بردية مصرية

نمت العديد من الفنون لدى المصريين القدماء وشكلت جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية والعقدية، واحتلت الموسيقى مكانة مهمة في حياة الناس آنذاك وصنفت ضمن الفنون الملكية والشعبية والدينية، وتطورت الأدوات المستخدمة في المجال الفني الموسيقي نتيجة الاحتكاك بالثقافات والحضارات الأخرى، ومن ناحية أخرى رُبطت الموسيقى بحركة الكون ومساره إلى جانب العديد من الرقصات والأغاني التي تظهر بشكل جلي في النقوش على الجدران المرتبطة بالطقوس الدينية والمهرجانات الزراعية والحياة اليومية، مثل فن الكف.

مفهوم فن الكف الصعيدي

فن الكف الصعيدي (بالإنجليزية: Al-kaf) أحد الفنون الشعبية في جنوب مصر حيث منبع الحضارة المصرية المُحتضَن في معظم محافظات الصعيد والقائم بشكل أساسي على تقديم الأغاني والموروثات الشعبية التي تلهب القلوب وعلى إيقاع حركة اليد في أثناء التصفيق والتمايل الجسدي بحركات منظمة.

وتتميز الأغاني المرافقة لهذا الفن بتناولها للقضايا الاجتماعية والحب والغزل إضافة إلى تطرقها للموضوعات الدينية، ويضم هذا الفن، من جانب آخر، العديد من العناصر التي من أهمها:

  • المواويل التي تعد افتتاحية فن الكف.
  • إيقاع الكف المؤدى من قبل الكفافة والمتوافق مع الارتجال الأول للأبيات الشعرية المعروف باسم الخانة.
  • التمايل الظاهر عن الكفافة في أثناء التصفيق والمتوافق مع حركات قائد الصف وتمايله والذي يعد الأمهر غالبًا بين جميع أعضاء الفريق.

مُورِس فن الكف الشعبي بشكل منتظم من قبل المصريين القدماء في العديد من الحفلات الراقصة والمهرجانات، وتشير العديد من النقوش الموجودة في معبد أبو سمبل وجدران مقابر الأشراف في البر الغربي لمدينة الأقصر إلى أن هذا الفن مُورس بشكل كبير ومنتظم من خلال حركات تصفيق اليد وتم توارثه إرثًا شعبيًا غير مادي جيلًا بعد جيل إلى أن ظهر جليًا بارزًا في يومنا الحالي في العديد من المناسبات وخاصة الأفراح.

ويعرف فن الكف الصعيدي بأسماء أخرى أهمها الفن الجعفري نسبة إلى قبيلة الجعافرة إذ تشير العديد من المصادر إلى أن المنتمين لهذا الفن هم غالبًا من جذور وأصول جعفرية في مدينة إدفو، أما أصل تسمية هذا الفن فيعود لاستخدام الكف في التحكم في ضبط الإيقاعات الناتجة عن التصفيق التي تترافق عادة مع آلات موسيقية عدة أهمها العود والدف، وتجدر الإشارة إلى أن هذا الفن قائم بصورة أساسية على إيقاع الكف والكلمة بالمقام الأول ثم الموسيقى بالمقام الثاني.

ويعرف أول مقطع مؤدى في فن الكف باسم الخانة وهو مجموعة من الأبيات الشعرية المرتجلة التي تتخذ شكل الموال المربع إذ يتألف المربع الشعري من بيتي شعر يتكونان من أربع أشطر مستقلة ومتصلة في آن واحد وتتشابه قوافيه ضمن قواعد محددة إذ تتوافق قافية الشطر الأول مع الثالث، ومن ناحية أخرى تتوافق قافية الشطر الثاني مع الرابع وهو من أهم أشكال الشعر في الصعيد.

خصائص فن الكف الصعيدي ومميزاته

يتمتع فن الكف الصعيدي بعدة خصائص تميزه عن غيره من الفنون الشعبية الأخرى وفيما يأتي ذكر أهمها وأبرزها:

  • الأصالة

يشير الباحث الأثري ومدير العلاقات العامة للأثار المصرية مصطفى وزيري إلى أن فن الكف الصعيدي ذي جذور تاريخية أصيلة إذ مارسه المصريون القدماء منذ آلاف السنين، وتدل على ذلك النقوش العديدة على جدران المعابد والمقابر خاصة في مقابر العساسيف في البر الغربي لمدينة الأقصر حيث صورت أحد أهم الطقوس الظاهرة في الاحتفالات والمناسبات المختلفة.

  • فن قولي

إضافة إلى أن فن الكف الصعيدي يتضمن بشكل أساسي حركات جسدية إلا أنه قائم على القول وتشير عضو فرقة الموسيقى العربية بقصر ثقافة الأقصر صباح فاروق إلى أن فن الكف يندرج ضمن العديد من الأشكال الفنية التي منها فن القول حيث يتخذ شكل حلقات سمر ويضم مبارزة كلامية يصحبها نمط معين من التصفيق بالكفوف.

  • المشاركة الثنائية

لم يقتصر فن الكف الصعيدي على الرجال فقط كما هو الحال في فن التحطيب إذ برز الدور النسائي جليًا في تطوره وانتشاره كما برزت العديد من الفرق التي تؤدي هذا الفن وكان العنصر النسائي أساسًا فيها.

  • المرونة والتنوع

تميز فن الكف الصعيدي بقدرته على التكيف واحتواء التنوع إذ ضم العديد من الأدوات الموسيقية فبرزت فيه آلة الدف ثم العود فالناي ثم الطبلة، ومن ناحية أخرى استخدم هذا الفن في العديد من المناسبات مثل الأفراح والأتراح خاصة في قريتي البصيلة والزعرات في سانا وإدفو جنوب الأقصر.

  • تعدد الطبقات

يؤدى فن الكف الصعيدي عبر ثلاث طبقات رئيسية إذ يتم البدء به بنغمة هادئة تعرف باسم الفيلاوي ثم تبدأ الطبقة الأسرع وتعرف باسم التشيلة ومن ثم الأسرع والثالثة وتعرف باسم الجنزير، وغالبًا ما تبدأ جميع هذه الطبقات بالصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم في حال استخدامها منفصلة.

طقوس فن الكف الصعيدي وأنواعه

يضم فن الكف الصعيدي العديد من الطقوس التي من أهمها:

  • موسيقى الكف المرافقة للعديد من الآلات الموسيقة مثل العود والدف، وهو الشكل الفني المؤدى في الاحتفالات الدينية وذكرى المولد النبوي والأفراح.
  • رقصة خاصة حيث يصطف الشباب فيها ضمن صفوف منتظمة ويؤدون حركات منتظمة في تمايل خاص إلى أن يتم تبديل أعضاء الفرقة من قبل آخرين.

وينقسم هذا الفن إلى عدة أنواع وفيما يأتي ذكر أهمها والتعريف بها:

  • الكف الصعيدي الجعفري

يعد فن الكف الجعفري أساس فن الكف الصعيدي إذ اهتم الجعافرة بهذا الفن وأضافوا إليه خاصة خلال فترة تسعينيات القرن العشرين ميلادي وأعادوا شهرته في العديد من محافظات الصعيد، وتعد فرقة الكفافة من أهم الفرق الجعفرية التي تؤدي فن الكف الجعفري وتقدم العديد من العروض المسرحية المرتبطة بهذا الفن في القاهرة خاصة على مسرح الضمنة.

يستخدم فن الكف الجعفري بشكل خاص في الأفراح وفي ليالي الحنة حيث تعزف الأغاني على الدفوف ويبرز العنصر النسائي في أداء العديد من الطقوس، ويؤدي العديد من الفنانين هذا الفن والذين من أهمهم سيد ركابي وعبد الواحد البنا ومحمود أبو درويش ويوسف البرسي.

  • الكف النوبي

يظهر فن الكف في النوبة ضمن أهم أشكال الفنون التراثية الشعبية في المناسبات المختلفة ويعتمد بشكل خاص على موسيقى الكف والدف إذ يتم المزج بين تصفيق الكف وصوت الدفوف مما يكون مزيجًا يطرب السامعين ويزيد حماسهم، ومن أشهر فناني الكف النوبي حمزة علاء الدين.

  • الكف الصعيدي العام

يعد فن الكف الصعيدي الفن المنتشر في أنحاء الصعيد الذي طُوِرَ بشكل خاص على يد رشاد عبد العال الملقب بالريس إذ أنتج ما يقارب 12 ألبومًا في هذا الفن، وأحيا العديد من الأفراح والمناسبات في الصعيد، وأورث هذا الفن من بعده لابنه ياسر رشاد عبد العال وللعديد من الفنانين الذي من أهمهم وأبرزهم عبد النبي الرنان وعيد الشرنوبي وجابر الإسناوي.