معاهدة بريست ليتوفسك (بالإنجليزية: Treaty of Brest-Litovsk)، وتُسمى كذلك معاهدة بريست للسلام، هي معاهدة سلام أُبرمت في 3 مارس 1918 بين الحكومة البلشفية الجديدة في روسيا ودول المحور، وأنهت المعاهدة المشاركة الروسية في الحرب العالمية الأولى، وسميت بهذا الاسم نظرًا لتوقيعها في منطقة في بريست ليتوفسك البولندية الواقعة في روسيا البيضاء.

خلفية تاريخية

أدى دخول روسيا في الحرب العالمية الأولى إلى جانب قوات الحلفاء إلى تكبدها خسائر فادحة، باستثناء بعض الانتصارات ضد المجر والنمسا، وأدت الهزيمة في ساحات المعارك إلى غضب جامح بين معظم أفراد الشعب الروسي، لا سيما الفلاحين والعمال الذين كانوا يعانون من الفقر الشديد، كذلك زاد العداء الشعبي للنظام الإمبراطوري بقيادة القيصر نيكولاس الثاني (1868-1918)، مما دعم قضية البلاشفة، وهم حزب اشتراكي راديكالي بقيادة فلاديمير لينين، حيث استغل البلاشفة غضب المعارضة لتحويله إلى ثورة حاسمة ضد القيصر وحكومته.

اندلاع ثورة فبراير

اندلعت ثورة فبراير ضد نظام الحكم الروسي في أوائل مارس 1917 (سميت ثورة فبراير لأنها وقعت في شهر فبراير وفقًا للتقويم اليولياني الذي كان يستخدمه الروس آنذاك)، تنازل على إثرها القيصر نيكولاس الثاني عن العرش، بعد نزول المتظاهرين المطالبين بالخبز إلى شوارع بتروغراد، بدعم من أعداد هائلة من عمال الصناعة المضربين، وحصلت اشتباكات بين قوات الشرطة والمتظاهرين الذين رفضوا مغادرة الشوارع، وبحلول 11 مارس تمّت الاستعانة بقوات حامية بتروغراد لقمع الثورة، وفتحت القوات النار على المتظاهرين وقتلت أعداد منهم، ولكنهم بقوا في الشارع رغم العنف المستخدم، ولم تتمكن القوات الحامية من ردعهم، وفي 12 مارس تمّ تشكيل حكومة مؤقتة، وبعد عدة أيام تنازل القيصر عن الحكم، منهيًا قرون من حكم أسرة رومانوف الروسية، وفي منتصف أبريل عاد فلاديمير لينين للبلاد من المنفى وسارع مع رفاقه البلاشفة لانتزاع السلطة من الحكومة المؤقتة، بقيادة ألكسندر كيرينسكي وزير الحرب الروسي، وبحلول نوفمبر 1917 تمكنوا بمساعدة جيش البلاد من تنصيب لينين قائدًا بيده وقف مشاركة روسيا في الحرب.

روسيا بعد الثورة

بعدما انتزع البلاشفة السلطة في روسيا كانت البلاد ما تزال متورطة في الحرب العالمية الأولى، مع حلفائها فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة ضد ألمانيا والنمسا والمجر وحلفائهم العثمانيين، وكان الجيش الروسي وصل إلى حالة من الإنهاك والتفكك، في الوقت الذي توغل فيه الألمان إلى داخل البلاد واحتلوا بولندا وليتوانيا الروسية، وكانت الخطوة الأولى على جدول أعمال الحكومة الجديدة هي الخروج العاجل من الحرب، بعد الاتفاق على هدنة مستعجلة متبوعة بمؤتمر سلام، وبالفعل انسحبت روسيا من المشاركة في الحرب العالمية الأولى، وفي الوقت ذاته حرص فلاديمير لينين على وقف احتجاجات المعارضة الداخلية.

انعقاد مؤتمر بريست ليتوفسك

بحلول 3 مارس 1918 انعقد المؤتمر في مدينة بريست ليتوفسك في بولندا (بيلاروسيا حاليًا)، حيث مقر القوات الألمانية، وترأس الوفد الروسي وزير الخارجية تروتسكي وترأس الوفدين الألماني والنمساوي وزيرا الخارجية ريتشارد فون كولمان وأوتاكار تشيرنين، ولكن كان الجنرال ماكس هوفمان قائد الجيوش الألمانية على الجبهة الشرقية هو الشخصية المؤثرة للألمان، أما الإمبراطورية العثمانية فمثّلها طلعت باشا، وبعد مناقشات طويلة أعلنت روسيا أنها لن تستأنف القتال، ولكنها لن توافق على التخلي عن أراضيها أو دفع أي أموال، ولكن لم يحدث كل ذلك تمامًا على أرض الواقع، حيث كان لينين يخشى من استمرار التوغل الألماني في الأراضي الروسية، الذي من شأنه الإطاحة بحكومة الثورة، لذلك اضطر إلى قبول شروط الألمان على مضض.

نتائج معاهدة بريست ليتوفسك

كانت بنود معاهدة بريست ليتوفسك قاسية للغاية، لا سيما على الدولة الروسية، وتضمنت الشروط ما يلي:

  • تخلي روسيا عن نحو نصف أراضيها الأوروبية، فتنازلت عن بولندا الروسية وليتوانيا وأجزاء من لاتفيا لنمسا وألمانيا.
  • تحويل فنلندا وإستونيا وباقي أراضي لاتفيا إلى دول مستقلة تحت وصاية ألمانيا.
  • كان من المقرّر أن تصبح بيسارابيا تحت سيطرة رومانيا.
  • أصبحت المناطق الأرمينية في القوقاز تحت سيطرة الإمبراطورية العثمانية.
  • تمّ إنهاء أي وجود للبلاشفة في المناطق التي تنازلت عنها روسيا.
  • خسرت روسيا مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية الأساسية، كذلك خسرت 80% من مناجم الفحم ونصف صناعاتها الأخرى.
  • التزمت الحكومة الروسية بدفع مبلغ 6 مليارات مارك تعويضات للألمان.

رد الفعل الشعبي الروسي على بنود معاهدة بريست ليتوفسك

دخل الشارع الروسي بحالة جديدة من الغضب والاضطراب الشعبي نتيجة بنود معاهدة بريست ليتوفسك التي تمّ التوقيع عليها، فمثلًا نظر عمال مصانع الأسلحة إلى المعاهدة على أنّها خيانة مدمرة لمصالح العمال الروس وللاقتصاد الروسي عمومًا، وكذلك نظر بقية أفراد الشعب الروسي لبنود الاتفاقية، وعلى إثر ذلك قامت في البلاد حرب أهلية وانسحب الثوريون الاشتراكيون اليساريون من الحكومة وتركوها بالكامل للبلاشفة، وفي هذا الوقت تدخلت قوى الحلفاء، فوصلت البحرية الفرنسية إلى أوديسا وقوات من الجيش البريطاني إلى مورمانسك، وأرسلت اليابان قوات إلى الشرق الأقصى من روسيا، تحسبًا لخرق الألمان بنود المعاهدة ومواصلة غزوهم للأراضي الروسية، فالسلام الذي تمّ توقيعه لم يكن مطمئِن بالنسبة للحكومة الروسية، ولحسن الحظ بالنسبة للروس، انتصرت دول الحلفاء في الحرب العالمية الأولى لاحقًا من نفس العام، وتمّ إلغاء معاهدة بريست ليتوفسك، ممّا أنقذ روسيا من عواقب سيئة للغاية، وعلى الرغم من استرجاعها أوكرانيا، لم تستطع استرجاع فنلندا وبولندا ودول البلطيق حتى عام 1919 من خلال معاهدة السلام في فرساي.

6 حقائق مثيرة للاهتمام حول معاهدة بريست ليتوفسك

معاهدة بريست ليتوفسك هي اتفاقية سلام بين الحكومة الشيوعية الروسية حديثة العهد والقوى المركزية، ومن أبرز الحقائق المثيرة حولها ما يلي:

  • كان البلاشفة أقلية داخل الجماعات الاشتراكية والشيوعية في روسيا آنذاك، ولكنهم كانوا أكثر هيمنة وتنظيم.
  • كان الاسم الرسمي لروسيا الجديدة هو جمهورية روسيا الاتحادية الاشتراكية السوفيتية.
  • كان النزاع عنيف على مدينة بريست ليتوفسك خلال الحرب العالمية الأولى من روسيا والقوى المركزية، إلى أن تمكن الألمان من طرد الروس من المدينة في عام 1915، ولكن استخدمت روسيا سياسة الأرض المحروقة في أثناء انسحابهم من المنطقة.
  • أصبحت فنلندا التي حكمتها السويد وروسيا لوقت طويل مستقلة بناءً على بنود المعاهدة.
  • كانت بولندا قبل توقيع المعاهدة مقسمة بين روسيا وألمانيا، وبعد المعاهدة أصبحت دولة قومية مستقلة كما كانت من قبل.
  • نقل لينين العاصمة من بتروغراد (سانت بطرسبرغ) إلى موسكو بعد توقيع المعاهدة.