الزراعة المتنقلة أو المتغيرة هي طريقة تقليدية للزراعة تمارسها القبائل البدائية منذ قرون عديدة، وتتم تلك العملية في عدة مناطق منها وسط وغرب إفريقيا وإندونيسيا، ولكنها أكثر شيوعًا في غابات الأمازون المطيرة، موضوع حديثنا، فإلى جانب الأطوار الأخرى لثقافتهم وطريقة حياتهم التقليدية، مارست شعوب الأمازون تلك الزراعة بشكل كبير خلال تاريخهم، فهي واحدة من أهم أشكال الزراعة في المناطق الاستوائية وتشكل حجر الأساس للعديد من المجتمعات هناك وتساهم بشكل كبير في الأسواق المحلية والإقليمية، فدعونا نتعرف أكثر على تلك الطريقة في الزراعة والتي قد تكون سبب في تدهور غابات الأمازون المطيرة.

متى بدأ التعرف على ذلك النوع من الزراعة؟

قبل منتصف القرن الماضي، صيغ مصطلح الزراعة المتنقلة أو المهاجرة أو المتجولة أو المتغيرة أو أيضًا زراعة القطع والحرق لوصف الشكل الألفي للزراعة التي تتكون من قطع الغابة وحرق الأخشاب حتى يتم استخدامها وزراعتها، وبعدها التخلي عنها عندما لا تسمح خصوبة التربة بنمو المحاصيل، والتي تحدث في المتوسط ​​بعد 2 إلى 3 سنوات.  

يمكن لتجديد الغابات من خلال آليات فيزيائية وكيميائية مختلفة أن يعيد بعض الخصوبة للتربة، مما يسمح بعد فترة متغيرة تتراوح بين 5 - 20 عامًا بالعودة لزراعة المحاصيل في نفس المكان، وتُعرف هذه الفترة الزمنية عمومًا باسم "الراحة".
 

كيف تتم عملية الزراعة المتنقلة؟

تبدأ عملية الزراعة عادةً بعد هطول الأمطار الغزيرة، وبعدها تُحرق الأرض، ومن الضروري حرق الأرض لتطهيرها، وهو ما لا يمكن إجراؤه يدويًا، ويتم حرقها أيضًا من أجل توفير الوقت والجهد ولتخصيب قطعة الأرض عن طريق الرماد، نظرًا لأن الأسمدة والآلات باهظة الثمن، وتُحدد قوة الحرق من خلال لون الدخان وحجم اللهب وكمية الحطام المتبقية بمجرد أن يهدأ الحرق. 

بعد ذلك، تُطهر الأرض من الغطاء النباتي يدويًا من قبل رجال الأسرة أو مجموعات من العمال، وتحدث عملية تطهير الأرض يدويًا على مرحلتين، في البداية مع إزالة الجزء السفلي الذي يُترك ليجف، يليه قطع الأشجار الكبيرة والنخيل، ويتم ذلك عادةً باستخدام أدوات يدوية الصنع، وفي كثير من الأحيان تُستخدم المناشير، وبعد ذلك يُترك الموقع  لعدة أسابيع حتى يجف، وخلال هذا الوقت يكون المزارع متيقظًا للظروف الجوية، مع احتساب عدد الأيام المتتالية المشمسة الخالية من المطر حتى تجف جميع طبقات الغطاء النبات.

لاحقًا، تتم إعادة النظر في قطعة الأرض وعادة ما يتم حرقها مرة أخرى، وذلك عن طريق جمع الحطام غير المحترق في أكوام لحرقه، ويكون ذلك ضروريًا إذا بقيت الكثير من المواد الخشبية دون حرق، ويعرف هذا الحرق الثاني باسم " كويفيرا". 

بعد الحرق الأول والثاني والتخلص من الأشجار، تكون الأرض مهيأة لزراعة محاصيل جديدة، وإذا تبقت بعض الجذوع الصغيرة فهذه ليست مشكلة لأنها تقدم دعمًا لسيقان نبات المنيهوت أو المحاصيل الأخرى.

لماذا تستخدم شعوب حوض الأمازون ذلك النوع من الزراعة؟

تستخدم قبائل حوض الأمازون الزراعة المتغيرة، من حيث المبدأ، نتيجة لانخفاض الخصوبة الطبيعية للتربة ولإنتاج محاصيل جديدة ونباتات غير موجودة طبيعيًا في الغابات لاستخدامها في أمور الطعام والتجارة، وهذا هو سبب استخدامها على نطاق واسع، فأكثر من 97 في المائة من منطقة الأمازون البيروفية كانت لديهم هذه الطريقة الزراعية.

فالسكان المهاجرون -وهم فقراء للغاية- يصلون إلى منطقة الأمازون غير مدركين للواقع، متأثرين أو مُنخدعين بالخصوبة الظاهرة للغابات، ويستقرون حيثما يستطيعون وكيفما يمكنهم ذلك، دون مراعاة إذا ما كانت الأرض التي يشغلونها مناسبة للزراعة.  

وثبت أن معظم عمليات إزالة الأشجار لأغراض الزراعة تحدث على أراضي هي في الأساس دون أي كفاءة زراعية، خاصة على المنحدرات الشديدة، بالإضافة إلى أن الفقر الشديد للمهاجرين والسكان المحليين يجعلهم غير قادرين على شراء المدخلات لتحسين التربة أو الحفاظ عليها، فبمجرد انخفاض الإنتاج تنهار قطعة أخرى من غابات الأمازون وتترك خالية وتبدأ الدورة مرة أخرى.  

ويُذكر أن جزء كبير من إزالة الغابات، على منحدرات الأنديز والأمازون، هو أيضًا نتيجة لفتح المراعي التي لا يتم الحفاظ عليها إلا باستخدام النار، حتى استنفاد التربة بالكامل أيضًا.

عيوب الزراعة المتنقلة

يصبح هذا الشكل من الزراعة، الذي يكون مستدامًا في حالة المساحات ذات الكثافة السكانية المنخفضة جدًا فقط، التهديد الرئيسي لتراث الغابات في حوض الأمازون عندما يمارسه السكان المهاجرون بشكل جماعي على مساحات شاسعة، مثلما يحدث في دولة البيرو، وتحديدًا في منطقة الأنديز العليا.

ومن الناحيتين الاجتماعية والاقتصادية، لا تسمح هذه الزراعة البدائية باستقرار المزارعين أو تراكم الثروة، لأنها تتميز بإنتاجية منخفضة للغاية، ومن الناحية الزراعية، تؤدي هذه الممارسة إلى إجهاد التربة، ومن الناحية البيئية، فهي السبب الرئيسي لإزالة الغابات في حوض الأمازون، والتي تؤدي بدورها إلى فقدان التنوع البيولوجي هناك، بالاضافة إلى تآكل التربة وتحرير تدفقات المياه، وأيضًا خلال عملية الحرق، يتم تفريغ كميات هائلة من ثاني أكسيد الكربون في نهر الأمازون.

الزراعة المتنقلة تهدد غابات الأمازون

من المعروف أن كل شيء تقريبًا يضيع في الأمازون، لهذا السبب، وُصفت بالفعل تلك المنطقة بأنها أرض مستغلة بشكل مفرط وغير مستغلة بالكامل، ولكن من بين كل الأمور التي تحدث، فإن الأسوأ والأقل فهمًا هو هدر الأرض، ففي منطقة الأمازون البيروفية مثلًا، يتم استخدام مساحة واحدة فقط من كل 6 إلى 8 هكتارات أزيلت منها الغابات كل عام لإنتاج المحاصيل أو تربية الماشية، والبقية تبقى في حالة راحة أو، في الواقع، هجران دون إنتاج أي شيء أو لا شيء تقريبًا.  

فالأرض التي أزيلت منها الغابات في الأمازون البيروفية، والتي تبلغ رسميًا أكثر من 7 ملايين هكتار هي ضعف الأرض المزروعة حاليًا في البلد بأكملها، أي ما يزيد قليلًا عن 3 ملايين هكتار.

وفي عام 1957، أفادت منظمة الأغذية والزراعة أنه في البلدان المدارية الرطبة تشكل الزراعة المتنقلة أكبر عقبة ليس فقط أمام الزيادة الفورية في الإنتاج الزراعي، ولكن أيضًا أمام الحفاظ على الإنتاجية المحتملة في شكل التربة والغابات.

ولسوء الحظ، تكشف الإحصائيات، مثل الإحصائيات البيروفية، أن المشكلة ما تزال قائمة وبالتالي فإن الهدر مستمر، وهذا هو السبب في أنه من المهم إعادة النظر في هذا الشكل من الزراعة كونه تهديدًا خطيرًا للأمازون والقيام بشيء ثابت لتغييره للحفاظ على رئة الأرض.