يضمّ حوض الأمازون مجموعة شديدة التميز من القبائل البدائية، وتوجد في وادي نهر جافاري على حدود بيرو والبرازيل أحد تلك القبائل الأكثر تقليدية وروعة وهي "قبائل الماتسيس"، والتي لا تزال تعيش على الصيد في المقام الأول وتمارس طقوس قبائل الأمازون التقليدية، ولن تواجه في أي منطقة أخرى من غابات الأمازون المطيرة مثل هؤلاء الأشخاص التقليديين الذين احتفظوا بثقافتهم الأصلية إلى هذا الحد.

 

أصل قبائل الماتسيس

ترجع أصول قبائل الماتسيس إلى الهنود الأصليين ممن كانوا يسكنون الأمريكتين الشمالية والجنوبية قبل الاستعمار الأوروبى، وإذا بحثت عن أصل الماتسيس الدقيق فلن تجد أي مرسومات تاريخية موثقة تُحدد أصلهم -فهو غير معروف بشكل كبير، ومع ذلك، يعتقد البعض أن شعب ماتسيس ربما كانوا موجودين في الأصل بالقرب من نهر "هوالاغا" في دولة البيرو عندما اتصلوا لأول مرة بالمرشدين اليسوعيين في القرن الثامن عشر، ووفقًا لهذه النظرية، بعد أن دمرتهم الأوبئة في تلك المنطقة، فروا إلى موقعهم الحالي على الحدود بين بيرو والبرازيل وتجنبوا أي اتصال مع الغرباء.

"إما بقتلهم أو دمجهم في قبيلتهم، تلك كانت الطريقتان الوحيدتان في تعامل الماتسيس مع الغرباء"

 

أماكن التواجد والتهديد

إن شعب ماتسيس قبيلة أصلية في غابات الأمازون البرازيلية والبيروفية المطيرة جنوبًا، وفي الوقت الحالي، يتمركز  مجتمع الماتسيس في منطقة نهر يافاري (جافاري بالبرتغالية) ونهر تشوباياكو وجالفيز على حدود البيرو مع البرازيل، ويتمثل التهديد الأكبر  لشعب الماتسيس وأراضيهم في الصيد الجائر من قبل المهاجرين الذين يأتون إلى أراضي الماتسيس من البرازيل والبيرو من أجل قطع الاخشاب والبحث عن النفط.

ظلّ أفراد شعب الماتسيس يدافعون عن عادات أسلافهم وثقافتهم وأراضيهم ضد الغرباء لعدة قرون، وفي القرن الثامن عشر الميلادي، أنهوا أخيرًا عزلتهم وحربهم مع الغرباء عندما قبلوا "مبشرين مسيحيين" في مجتمعهم.

لغة شعب الماتسيس

يتحدث الماتسيس في البرازيل لغة تُسمى "بانوان" وهي التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بلهجات شعب كوروبو الهندي، ويتحدث بها ما يقرب من 2200 شخص بينما يتحدث بعضهم، ممن يعملون في الحَضر ( البرازيل والبيرو)، إما الأسبانية أو البرتغالية.

 

طريقة معيشة الماتسيس

خلال السنوات الثلاثين الماضية، غيرت "قبائل الماتسيس" طريقة حياتهم شبه البدوية بشكل كبير من خلال الاستقرار في مجتمعات دائمة، ففي السابق، كانوا يتنقلون من مكان لمكان كل بضع سنوات (بعد استنفاد موارد المنطقة بسبب الزراعة)، وعلى الرغم من أنهم غيروا نمط استيطانهم، ما زالوا يعتمدون على الغابات المطيرة للحصول على كل طعامهم ومواردهم تقريبًا، ويوفر صيد الحيوانات والأسماك والزراعة الاستوائية تقريبًا جميع احتياجات الماتسيس الغذائية والمادية.

"يتوزع الماتسيس الحاليون في ما يقرب من 3000 منطقة".

 

الاكتفاء المادي

مثل كافة شعوب حوض الأمازون الأخرى، لدى شعب الماتسيس معرفة كبيرة بغابات الأمازون ومواردها النباتية والحيوانية المُتنوعة، فبالإضافة إلى الصيد والجمع، فهم يمارسون أيضًا "الزراعة المُتنقلة"  حيث أنها النظام النموذجي في الأمازون، ويتم خلالها حرق قطعة أرض وحصاد الأخشاب منها واستبدالها بزراعة المحاصيل الاستوائية حتى استنفاد مغذيات التربة.

ويتم من خلال هذا النظام الزراعي، والذي يسمى "الانتقال المتكرر" أو الزراعة المُتنقلة، الانتقال إلى أراضي زراعية جديدة غير مُطهرة لتكون غنية بالمغذيات المطلوبة من أجل إنتاج محاصيل زراعية مُتنوعة، وهذا التنقل هو من جعل الماتسيس شعوب شبه بدوية، وفي الوقت الحالي، يعيش معظم أفراد الماتسيس في مجتمعات أكثر استقرارًا، وأتى ذلك بعد تَعلمهم نُظم زراعية أكثر استدامة من الزراعة المُتنقلة.

"يستخدم شعب الماتسيس السهام والأقواص في الصيد بدلًا من البنادق لارتفاع تكلفة الذخيرة".

 

الإيمان والمعتقدات

مثل قبائل الأمازون الأخرى، يؤمن أفراد الماتسيس بالأديان الوثنية المُتمثلة في الروحانية، وهم يعتقدون أن لا فرق بين العالم الروحي والمادي، فعلى سبيل المثال يعتقدون أن التماثيل المُجسمة للحيوانات تحمل أرواحًا أيضًا مثل باقي الحيوانات الحية وأن النباتات لديها روح حيوانات ولذلك تساعدهم في الشفاء من الأمراض، ويعتنق العديد من أفراد الماتسيس المسيحية، خصوصًا أولئك الذين يرتبطون بالقبائل الأخرى مثل ماروبو، كوروبو، شيبيبو، أماهواكا، كولينا.

وعادةً ما يطبقون العلاجات خارجيًا على الجسم-دهان الجسم بالأعشاب- ونادرًا ما يتناولون الأدوية، وتتضمن الطقوس الدينية الشائعة استخدام مادة سامة مشتقة من ضفدع شجرة سام (فيلوميدوسا ثنائي اللون) ويشار إليها باسم كامبو أو أكاتي من قبل سكان الأمازون الأصليين.

"يُذكر أن هنالك تقليد سيء عند الماتسيس وهو أكل لحوم الأموات، وذلك لاعتقادهم أنهم بذلك يبتلعون أرواحهم ليزدادوا عمرًا وقوة."

 

الهيكل الاجتماعي لدى الماتسيس

يُفضل الماتسيس تعدد الزوجات مثل العديد من القبائل الأمازونية الأخرى، حيث يكون لكل رجل أكثر من زوجة، وتقليديا، كانت عائلة الماتسيس تعيش في منازل طويلة تُسمى (مالوكا) تأوي ما يصل إلى 100 شخص مجتمعين، وبشكل عام، يتم الزواج بين أبناء العمومة، أي، تتزوج المرأة من ابن عمها، ويُقدس مجتمع الماتسيس القرابة حيث تكون الروابط الأسرية هي العامل المهيمن في أنظمتهم السياسية.

"يدهن أفراد الماتسيس أجسادهم ووجوههم بالرسومات والألوان التي تميزهم عن الفصائل الأخرى وتحميهم من الأرواح الشريرة كما يزعمون، ويرتدون ملابس خفيفة جدًا وبعضهم لا يرتدي ملابس على الإطلاق"

 

الأنظمة السياسية لدى شعب الماتسيس

قديمًا لم يكن لدى شعب الماتسيس رؤساء، سواء لمجتمعاتهم أو لقبيلتهم، مثل العديد من القبائل الأمازونية الأخرى، وتُتخذ القرارات المهمة التي تؤثر على المجتمع بالإجماع المُتبادل بين الشيوخ، أما في الوقت الحاضر، فهم غير مُنظمين على الإطلاق فلكل قرية رئيسها الخاص.

"وهو وضع جعل من السهل على الغرباء التلاعب بشعب الماتسيس واستغلالهم، فعلى سبيل المثال، في الوقت الحالي، يضع الغرباء خططًا لحصاد الأخشاب القيمة من محمية ماتسيس المجتمعية دون إبلاغ أو الحصول على موافقة شعب الماتسيس".

 

التاريخ الحديث لشعب الماتسيس

حتى عام 1969، كانت قبائل الماتسيس في حالة حرب مع العالم الخارجي، وخاصة مع الحكومة البيروفية بسبب تقليد ماتسيس المتمثل في اختطاف النساء من خارج قبيلتهم، فكان هذا التقليد هو المصدر الرئيسي للتوتر مع البيروفيين وبلغ ذروته في منتصف الستينيات عندما أمر رئيس بيرو "فرناندو بيلاندي" سلاحه الجوي بقصف مجتمعات ماتسيس بالنابالم.

بالإضافة إلى ذلك، قام الجيش البيروفي بغزو قراهم وإحراقها، ونتيجة لذلك، تخلى الماتسيس عن مستوطناتهم النهرية، وفروا إلى مناطق المرتفعات العميقة في غابات الأمازون، وبعدها تعلم اثنان من المبشرين المسيحيين لغة الماتسيس وتم قبول هؤلاء المبشرين في مجتمعات ماتسيس وأنهوا بنجاح الأعمال العدائية مع البيروفيين وغيرهم من هنود الأمازون.

"بالإضافة إلى ذلك، نجحوا في تطبيق نظام تعليم ثنائي اللغة في مجتمعات الماتسيس، وهو نظام يكمل تقليد الماتسيس الشفهي ويساعد في الحفاظ على ثقافة الماتسيس من جيل إلى جيل".

 

منظمة السكان الأصليين

شُكّلت حركة شعبية لحقوق السكان الأصليين من قبل معلمين من الماتسيس لمنع استغلال الغرباء لشعوبهم وأراضيهم، وتتضمن أهداف الحركة أيضًا التعليم المستمر لشعب الماتسيس فيما يتعلق بتقاليدهم الثقافية، وحتى الآن، لا تقدم حكومة البيرو أي مساعدة طبية ولا يوجد متخصصون في الرعاية الصحية في أراضي الماتسيس، ولسوء الحظ هناك مرضين، الملاريا والتهاب الكبد، يفتكون بأفراد قبائل الماتسيس.