أنتجت الفلسلفة البوذية أهم هيكل معماري ذي دلالة رمزية كبيرة في الهند بعد وفاة بوذا في القرن الخامس ق.م يُعرف باسم ستوبا، وهو المكان الذي خصص لأتباع بوذا ولقائه حيث دفنت بقايا جسده المحترقة، وللتأمل ومناقشة فلسفاتهم، فكانت ستوبا العظيمة (بالإنجليزية: Great Stupa) أول هيكل معماري فلسفي عقدي بوذي والذي عُرف مكان حج للبوذين من مختلف أنحاء العالم، إضافة لكونه مكانًا لإلهام الناس السلام الروحي والصفاء، بجانب أنه معلم تعليمي لفهم البوذية لأي شخص ومن أي خلفية ثقافية.

يُعرف ستوبا (بالإنجليزية: Stupa) بأنه أقدم نصب تذكاري منبثق عن الفلسفة البوذية ويضم آثار مرتبطة ببوذا، إضافة لاحتوائه آثار مقدسة لأشخاص آخرين، وهو هيكل ذو شكل نصف كروي اشتق شكله من مدافن التلال الهندية قديمًا ما قبل البوذية، ويتكون من قاعدة دائرية توفر الدعم للقبة، وغالبًا ما يضم ستوبا النحت الذي يصور الأحداث في حياة بوذا، إضافة إلى الشخصيات الشعبية الأسطورية، وهو نوع من أنواع الأبراج أنشئ في الأصل للاحتفاظ برماد جثة بوذا ورفاقه، ليتوسع المفهوم لاحقًا ويصبح ستوبا مكانًا يضم النصوص المقدسة أيضًا.

يشار إلى أن بناء ستوبا انتشر في الهند بعد وفاة بوذا ومن ثم انتقل إلى جميع أنحاء العالم وتطور إلى آثار مختلفة مثل داجيبا (Dageba) في سيرلانكا ومعبد بوروبودور المتدرج في جاوة والباغودا أو الأبراج متعددة الطوابق في الصين واليابان وكوريا.

تاريخ بناء الستوبا

يعود تارخ ستوبا إلى 2500 عامًا حين توفى شاكياموني بوذا والذي طلب أن توضع رفاته في مكان مألوف يشكل مركزًا وليس في المدافن المنتشرة آنذاك والتي كانت مجرد أبراج من التراب والأحجار، فتم بناء ستوبا شكلًا متطورًا عن المدفن الهندي أو البوذي القديم إذ أخذ الشكل المتراكم للتراب (نصف كروي).

وبني أول ستوبا في القرن الثالث ق.م وأطلق عليه اسم ستوبا العظيمة من قبل الإمبراطور أشوكا والذي ضم رماد بوذا، ويشار إلى أن بناء ستوبا العظيمة انتهى في القرن الأول ق.م، حيث بلغ ارتفاعها 54 مترًا وعرضها 37 مترًا، متخذًا شكلًا مقببًا للدلالة على الشخص الجالس في حالة تأمل كما كان يفعل بوذا، فالقاعدة تمثل ساقيه المتقاطعين في حالة التأمل، والجزء الأوسط يمثل جسم بوذا، والجزء العلوي يمثل الرأس، وعليه يمكن القول إن ستوبا هو هيكل ديني ذو دلالة رمزية بحتة.

وتشير الأساطير إلى أن الملك أشوكا، الذي يُعدّ أول ملك يعتنق البوذية، أمر ببناء 84000 ستوبا وقسم رماد بوذا عليها جميعًا، حيث كان السبب في انتشار ستوبا في شمال الهند والأقاليم الأخرى التي تعرف اليوم باسم نيبال وبنغلادش وأفغانستان وباكستان، ومن ثم باقي دول العالم، وإن كان بأشكال مختلفة ومسميات أخرى.

هيكل بناء ستوبا

تُعدّ ستوبا العظيمة في سانشي النموذج الأساسي لعمارة ستوبا حول العالم، وهو هيكل معماري يتميز بثلاث خصائص معمارية هي:

  • التل نصف الكروي (أندا)

يطلق على الجزء نصف الكروي في ستوبا اسم أندا (بالإنجليزية: Anda)، وهو يشير إلى الكومة التي كانت تغطي القبور قديمًا، وهو المكان الذي يحتوي على آثار بوذا والمعروف باسم (حجرة البقايا)، ويشار إلى أن التل نصف الكروي مع مرور الوقت اكتسب رمزية الموطن الجبلي للآلهة في مركز الكون.

  • هيكل حديدي مربع (هارميكا(

يأخذ الهيكل الحديدي هارميكا (بالإنجليزية: Harmika)، والذي يقع أعلى التل نصف الكروي في ستوبا، شكل سياج وهو دلالة على أن المكان موقع دفن مقدس أو إشارة إلى الجنة.

  • العمود المركزي (شاترا)

اشتق العامود المركزي شاترا في عمارة ستوبا (بالإنجليزية: Chattra) من المظلات التي وضعت على المدافن القديمة سابقًا لتوفير الحماية، ومع مرور الوقت توسعت الدلالة الرمزية للشاترا إذ أصبح يمثل مركز الكون، وهو المحور الذي ينحدر من خلاله الآلهة من السماء ويصبح بين البشر، ويشار إلى أن العمود المركزي يضم ثلاث دوائر تشير إلى أسس الإيمان الحقيقي في الفلسفة البوذية وهي: بوذا والقانون الديني البوذي (دارما) والمجتمع الرهباني (سانغا).

الخصائص الفلسفية لبناء ستوبا

تمتع بناء ستوبا بعدة خصائص فلسفية منبثقة عن البوذية وفيما يأتي ذكرها:

  • يتمتع بناء ستوبا برمزية العقل المستنير، فهو الرمز لزرع بذور التنوير والسلام في أذهان من يرونه من البشر من مختلف الثقافات والأديان.
  • تحتفظ ستوبا بالآثار المقدسة التي تقدم البركات والجدارة لكل من حولها إذ تعمل على تحرير الكائنات من خلال رؤيتها أو لمسها أو من خلال تقديم القرابين لها، وهذا يشمل حتى الكائنات الحية من الحشرات والحيوانات التي تلامسها.
  • تُعدّ ستوبا ترياق للحرب والجوع والمرض، وهي سبب من أسباب الشفاء، إذ يعد الضوء القادم من ستوبا علاجًا للعديد من الأمراض.
  • ينشر ستوبا البركة من خلال الريح ومياه الأمطار والغبار، فالريح التي تلامس ستوبا تصبح مباركة وتحرر كل ما تلمسه بعد ذلك من العوالم السفلية من خلال تنقية الكارما (الأفعال والأعمال) السلبية، وكذلك مياه الأمطار بعد أن تلامس ستوبا وتصبح جارية في الأرض فهي تحرر جميع الكائنات الحية التي تلامسها من العوالم السفلية وكذلك الأمر بالنسبة للغبار.

الغاية من بناء ستوبا

تنظر الفلسفة البوذية إلى الحياة بأنها معاناة، فالمرء يعاني بسبب نقص ما وبمجرد امتلاك هذا الشيء يُخلَق الخوف من فقدانه، وفي حال حدث الفقدان تتملك الشخص مشاعر الخسارة، والإنسان يبقى في هذه الدائرة ما دام على قيد الحياة إلا في حال فهم الحقائق النبيلة الأربع للبوذية، وهي:

  • أولًا: الحياة معاناة
  • ثانيًا: سبب المعاناة هو الرغبة
  • ثالثًا: يجب التغلب على سبب الرغبة
  • رابعًا: عندما يتم التغلب على الرغبة فلا مزيد للمعاناة، مما يعني ولادة جديدة

ويشار إلى أن بناء ستوبا أنشئ ليكون المظهر المادي الدال على فهم الحقائق البوذية الأربع من خلال التمركز والإرتقاء بالنفس وممارسة الطقوس الدينية  والتركيز على الطاقة في موقع ستوبا.

أشهر ستوبا حول العالم

انتشر بناء ستوبا شكلًا معماريًا دينيًا في الهند وانتقل إلى مختلف بلدان العالم التي تضم الديانة والفلسفة البوذية، وفيما يأتي ذكر أهم مباني ستوبا حول العالم وأشهرها:

  • سانشي ستوبا أو ستوبا العظيمة (Sanchi Stupa)، الهند
  • روانويليسايا (Ruwanwelisaya)، سريلانكا
  • بوداناث ستوبا (Boudhanath Stupa)، نيبال
  • سوايامبوناث ستوبا (Swayambhunath Stupa)، نيبال
  • بوروبودور (Borobudur)، جاوة
  • مائة وثمانية ستوبا (The One Hundred and Eight Stupas)، الصين
  • جولدن روك ستوبا (Golden Rock Stupa)، ميانمار
  • بينالمادينا ستوبا (Benalmadena Stupa)، إسبانيا
  • ستوبا دارماكايا العظيمة (The Great Stupa of Dharmakaya)، الولايات المتحدة الأمريكية
  • ستوبا العظمى من الرحمة العالمية (The Great Stupa of Universal Compassion)، أستراليا