حرب كالينجا (بالإنجليزية: The Kalinga War) هي أحد أهم الحروب الهندية التي قامت بين الإمبراطورية الماورية تحت قيادة أشوكا وولاية كالينجا التي تقع على الساحل الشرقي في ولاية أوديشا الحالية في الهند، والتي دارت أحداثها على تلال داولي الواقعة تحديدًا على ضفاف نهر دايا، والتي تُصنف من أكبر المعارك والحروب وأكثرها دموية في تاريخ الهند إذ أسفرت عن وقوع آلاف القتلى الذين يقدر عددهم بما يقارب 250 ألف شخص.
تميزت مملكة كالينجا بازدهارها وإدارتها ثقافيًا مما زاد من أطماع أشوكا في السيطرة عليها، وهو أحد ملوك الإمبراطورية الماورية في الهند المتوفي عام 238 ق.م والذي عززت رعايته انتشار البوذية في جميع أنحاء الهند، والمعروف بالدرجة الأولى بغزوه الدموي لمملكة كالينجا الذي نبذ بعدها الغزو المسلح واعتمد مبدأ الفتح دارما (بالإنجليزية: Dharma)، أي اعتماد مبادئ الحياة الصحية (المبادئ الأساسية للوجود الكوني أو الفردي)، وهو أحد أهم المبادئ الدينية في الهند.
يذكر أن حرب كالينجا أثرت على المسار التاريخي للهند فعلى الرغم من وجود العديد من الحروب المماثلة لها، كانت الوحيدة التي غيرت التاريخ الكامل للمنطقة، خاصة بعد كم الدمار الناتج عنها وانتشار البوذية على إثرها، ومن ناحية أخرى أحدثت هذه الحرب تغيرًا على أحد أهم أباطرة موريان الذي وعد بوقف الأعمال الحربية إلى الأبد وأظهر اللطف والرحمة، ويمكن القول إن حرب كالينجا أدت إلى بداية عصر الفتح الروحي وانتهاء الفتح الدموي العسكري في الهند.
خلفية حرب الكالينجا
بعد وفاة أول مؤسس لسلالة موريا خلال القرون الوسطى المتأخرة أو ما يعرف بالعصر الحديدي في الهند (الإمبراطور شاندراغوبتا الأول)، كانت الإمبراطورية الماورية تضم معظم مناطق الهند الحديث وروافدها باستثناء كالينجا التي تميزت بموقعها الجعرافي الاستراتيجي الواقع على طريق تجاري مؤدي إلى جنوب شرق آسيا وضمت العديد من الموانئ والقوات البحرية المهمة، وهذه العوامل مجتمعة جعلت كالينجا محط أنظار أباطرة موريان الذين رأوا فيها دولة قوية على أطراف الإمبراطورية الماورية.
من ناحية أخرى كان استقلال كالينجا سببًا في تعطيل خطوط الاتصال بين عاصمة الإمبراطورية الماورية وممتلكاتها في شبه الجزيرة الهندية الوسطى مما زاد من أطماع أشوكا في السيطرة عليها، ويذكر أن كالينجا تاريخيًا حكمت من قبل إمبراطورية ناندا حتى عام 321ق.م، وحاول شاندراغوبتا احتلالها آنذاك إلا أنه فشل في ذلك، ليواصل حفيده أشوكا المسيرة وغزاها بعد توليه العرش عام 261م.
وأرسل أشوكا مبعوثية إلى كالينجا لإخضاعها لسيطرته إلا أن المملكة رفضت الخضوع بسبب دعم رعاياها وقوتها العسكرية، ونتيجة لذلك قرر أشوكا شن الحرب عليها كونها أحد أهم الولايات للتكامل السياسي للهند، فهي الدولة الفاصلة بين الشمال والجنوب، بجانب أن وقوعها ضمن منطقة توسع الإمبراطورية الماورية في المنطقة الجنوبية كان أحد أهم الأسباب في احتلالها والسيطرة عليها من قبل أشوكا.
ومن ناحية أخرى كانت كالينجا محتكرة للمحيط الهندي ومسيطرة على الحركة التجارية مما جعلها أحد الدول المتحكمة في التجارة الخارجية خاصة للإمبراطورية الماورية، ويعد هذا العامل من العوامل المهمة التي جعلت حرب كالينجا قائمة لا محال، ويرى بعض المؤرخين أن رغبة أشوكا في زيادة قوته وسلطته وتوسيع مملكته كانت أحد أسباب قيام هذه الحرب أيضًا في نهايات القرن الثالت قبل الميلاد.
تاريخ حرب كالينجا
شكلت كالينجا (ولاية أوريسا حاليًا) والتي عرفت قديمًا باسم "رب المحيط" (بالإنجليزية: Lord of the Ocean) جزءًا من إمبراطورية ناندا تاريخيًا ثم حصلت على استقلالها لفترة وجيزة وذلك إلى أن شن عليها الإمبراطور أشوكا حربًا في السنة الثانية عشرة من حكمه وتوليه العرش، ودافعت كالينجا بكل قوتها عن حريتها واستقلالها وواجهت جيش أشوكا إلا أنها هُزمت شر هزيمة وقُتل الآلاف من قوتها العسكرية وأُسر العديد منهم، وخلفت الحرب الدمار المادي الكبير.
وحاول أشوكا تحويل الحرب من حرب دموية إلى حرب دينية بعدما خلفته من قتل ودمار حيث ساعد في انتشار البوذية آنذاك، ويذكر أن المكان االذي خيم فيه جنود أشوكا يضم اليوم ستوبا ومعبدًا ونقوشًا بوذية جذابة ويعد من أهم المناطق التاريخية ذات الأحداث العسكرية والدينية المهمة المساهمة في انتشار الديانة البوذية على وجه الخصوص، ومن الجدير ذكره أن كالينجا شهدت بعد عدة قرون من الحرب العديد من التغيرات وشكلت القوة الأساسية للمنطقة ما بين القرنين السادس والسابع ميلاي.
نتائج حرب كالينجا
انتصر أشوكا في حرب كالينجا إلا أنه خلف العديد من الخسائر في الأرواح والممتلكات بشكل كبير جدًا، وتشير بعض المصادر إلى أن أكثر من 100 الف جندي قتلوا في صفوف جيش كالينجا بينما أسر ما يقارب 150 ألف من الجنود والذين يعتقد أنهم قتلوا بعد ذلك، ويشار إلى أن كالينجا وبعد وقوعها تحت حكم أشوكا أصبحت المقاطعة الخامسة لإمبراطورية ماجادا (بالإنجليزية: the Magadha Empire).
يذكر أن السيطرة على كالينجا ساعدت على توسيع الإمبراطورية الماورية وأصحبت حينها توسالي أو توشالي عاصمة كالينجا الجديدة، وأدت هذه الحرب إلى تخلي الإمبراطور أشوكا عن سياسته الإمبريالية التوسعية إلى الأبد، حيث نبذ القسوة والحرب واتخذ طريق اللاعنف والمحبة والصدق والحقيقة في الحكم، وتبنى البوذية ونشرها طوال حياته داخل الهند وفي الدول المجاورة، ومن ناحية أخرى يرى العديد من المؤرخين أن حرب كالينجا كانت سببًا غير مباشر في انهيار الإمبراطورية الماورية لاحقًا عام 185 ق.م.
أهمية حرب كالينجا في التاريخ الهندي
على الرغم من الانتصار الذي حققة الإمبراطور أشوكا في حرب كالينجا، خرج غير راضٍ عن هذه النتائج بعد تدهور مملكة كالينجا التي عرفت بازدهارها وفنانيها الموهوبين وشعبها المسالم، إذ ظهرت مليئة بالدم والحزن واليأس، ووسيلة للتكفير عن هذه الحرب بدأ الإمبراطور أشوكا بنشر البوذية من جبال الهيمالايا إلى سيلان ومن بورما إلى اليونان، وأصبح أحد أهم أتباعها وكانت هذه الحرب الأولى والأخيرة للإمبراطور أشوكا، مما أثر على تاريخ المنطقة خاصة من الناحية الدينية العقدية والروحية.