كانت حرب البلقان الثانية نتيجة مباشرة لحرب البلقان الأولى، ووقعت في البلقان بين بلغاريا من جهة ورومانيا واليونان وصربيا والجبل الأسود والإمبراطورية العثمانية من جهة أخرى، على إثر عدم رضى البلغار عن حصتهم من أراضي البلقان التي تمّ تقسيمها عقب حرب البلقان الأولى، ممّا دفعها للانقلاب على حلفائها السابقين.

دوافع الحرب

قسّم الحلفاء أراضي دول البلقان بينهم بعد إجبارهم الدولة العثمانية على الخروج منها عقب أحداث حرب البلقان الأولى، ولكن سرعان ما توترت العلاقات بين الحلفاء المنتصرين في البلقان بسبب تقسيم الغنائم وخاصة مقدونيا، فوقعت مناوشات بين كل من رومانيا وصربيا واليونان وبلغاريا حول توزيع فتوحاتهم المشتركة في مقدونيا، وشكلت اليونان وصربيا تحالف ضد بلغاريا، وكانت بداية الحرب ليلة 29-30 يونيو 1913، عندما أمر الملك البلغاري فرديناند جيشه بمهاجمة الجيشين اليوناني والصربي في مقدونيا، ونجح الهجوم الذي كان مفاجئ في البداية، ولكن تصدت القوات الصربية واليونانية له لاحقًا بفعالية.

الخطط البلغارية للحرب

بدأ الطموح الوطني البلغاري بالظهور منذ عام 1912، حيث سعى الملك فرديناد –ممثّلًا- لبلاده إلى بذل أقصى جهوده لضم كلًا من مقدونيا وتراقيا الغربية والشرقية وأدرنة والقسطنطينية وسالونيك، وعلى الرغم من إرسال روسيا العديد من الرسائل التحذيرية الواضحة بشأن الطموحات البلغارية غير الواقعية، هاجمت القوات البلغارية القسطنطينية ونجحت في السيطرة على أدرنة وواصل ملك بلغاريا عملياته العسكرية لتحقيق طموحه في تتويج نفسه ملكًا على القسطنطينية، ولكن خسر البلغار جهودهم المبذولة في الاستيلاء على القسطنطينية وتراقيا، ممّا دفعهم لاتخاذ قرار الحرب ضد حلفائهم السابقين.

ما قبل الحرب

تزامنًا مع تحركات البلغار سعى العثمانيون في الشرق لاستعادة تراقيا التي أجبروا على التنازل عن أراضيها بعد حرب البلقان الأولى، كذلك غضب الرومان في الشمال من إشعال البلغار لفتيل حرب جديدة ضد صربيا في الغرب واليونان في الجنوب، وعلى إثر ذلك حدثت مجموعة من التحركات والاتفاقيات السرية والعلنية بين الأطراف المعارضة لطموحات بلغاريا في المنطقة، منها إعلان الجبل الأسود وقوفه إلى جانب صربيا في حال اندلاع حرب صربية بلغارية وتسوية رومانيا خلافاتها مع صربيا، مع توقيع المجر والنمسا على تحالف عسكري تمّ على إثره تحذير بلغاريا رسميًا من أنّ التحالف لن يبقى على الحياد في حال اندلاع حرب جديدة في البلقان.

بدء الحرب

بدأت حرب البلقان الثانية رسميًا في 29 يونيو 1913 بعد تحضير بلغاريا لقواتها، وكان الخصوم الرئيسيون للبلغار الصرب واليونانيين، الذين كانوا أبرموا تحالف سري قبل قيام حرب البلقان الثانية، وبدأت الحرب بمهاجمة القوات البلغارية للقوات الصربية، وخاضت الدولتان معارك حامية الوطيس، من ضمنها معركتي كاليمانسي وبريغالنيكا، وخسرت بلغاريا في كلتا الواقعتين خسائر فادحة ممّا أجبرها على التراجع، فعلى الرغم من قوة أداء الجيش البلغاري، لم يتمكن من تحقيق أي إنجازات تُذكر على أرض الواقع ولم تقتصر الخسائر على القوات البلغارية بل عانى الجيش الصربي أيضًا من خسائر كبيرة، وفي نفس الوقت هاجمت القوات الرومانية والعثمانية بلغاريا، حيث كانت رومانيا تعاني من توتر علاقاتها مع بلغاريا منذ انتهاء حرب البلقان الأولى، لذلك أرادت الاستيلاء على المزيد من الأراضي لنفسها، أما الدولة العثمانية فوجدت حرب البلقان الثانية فرصة لاسترداد الأراضي التي فقدتها حديثًا عقب حرب البلقان الأولى، وبالرغم من ذلك لم يكن للرومان والعثمانيين دور كبير في العمليات العسكرية ولم يقدموا ما قدم كل من الصرب واليونانيين من خسائر، ونظرًا لعدم تمكّن بلغاريا من تحقيق أي مكاسب فإنها سعت إلى إيجاد مخرج من هذه الحرب.

نتائج حرب البلقان الثانية

لم تدم حرب البلقان الثانية طويلًا، فمدتها الإجمالية تزيد قليلًا عن الشهر، فكانت نهايتها في أغسطس عام 1913، نتيجة سعي البلغار إلى إنهاء الحرب بعد تكبدهم لخسائر فادحة ومحاصرتهم بين الجيوش اليونانية والصربية من الجنوب والغرب، والجيش الروماني الذي كان يضرب من الشمال، إلى جانب الضربات العثمانية المتتالية، ونتيجة لذلك تمّ توقيع معاهدة القسطنطينية ومعاهدة بوخارست، كان أولها معاهدة بوخارست التي وقعها البلغار وخصومهم الرئيسيون في دول البلقان، وهم الصرب والرومان واليونانيين والجبل الأسود، وذلك في 10 أغسطس 1913، اضطرت بلغاريا وفقًا لبنود المعاهدة إلى التخلي عن أراضيها في دول البلقان، أما معاهدة القسطنطينية فأجريت في 29 سبتمبر 1913 بين الدولة العثمانية وبلغاريا.

آثار حروب البلقان

من أبرز آثار حروب البلقان التي شملت جميع الأطراف المتنازعة ما يلي:

  • وقوع خسائر عسكرية هائلة، حيث خسر البلغار نحو 65000 رجل وخسر اليونانيون 9500 رجل والجبل الأسود 3000 رجل والصرب 36000 رجل وخسر العثمانيون حوالي 125000 رجل، إلى جانب وقوع عشرات الآلاف من القتلى المدنيين بسبب الأمراض وأسباب أخرى.
  • زيادة رغبة جميع الأطراف المشاركة في الحرب من سعيهم لاستعادة خسائرهم وتعويضها، فمثلًا سعى اليونانيون إلى تحقيق المزيد من المكاسب في آسيا الصغرى، والصرب في البوسنة، وعاد البلغار إلى إظهار رغبتهم في الاستيلاء على مقدونيا.
  • عزل بلغاريا عن روسيا، حيث كانت بلغاريا أهم رابط لروسيا في البلقان بسبب قربها من القسطنطينية وتحقيقها مكاسب عالية في حرب البلقان الأولى، ممّا جعل روسيا تمارس ضغطها لجعلها قاعدة حيوية لها في المنطقة.
  • ازدياد طموحات الصرب والجبل الأسود في ألبانيا، وهو ما زاد من كراهية النمسا والمجر لهاتين الدولتين، ممّا دفع النمسا إلى محاربة الصرب لاحقًا.
  • بعد انتهاء حروب البلقان كانت الدولة العثمانية خسرت أكثر من 80% من أراضيها في أوروبا، والتي يقطنها حوالي 4 ملايين نسمة.