ربما صادفت يومًا أحد أبيات قصيدة مرثية الأندلس وصادفك اسم الشاعر الذي أبدعها وأبكانا ندمًا على المجد الضائع! وربما تساءلت عن كُنيته وما السر وراءها وإلى أي المدن يُنسب؟ وربما مرّ أمامك يومًا اسم العالم عباس بن فرناس وتساءلت عنه وأين نشأ وإلى أي أرض تعود جذوره؟

إليك بعض المعلومات عن رندة مدينة الجبال والجسور والمنازل البيضاء.

أين تقع مدينة رندة؟

تقع مدينة رندة (بالإنجليزية Ronda) في الجنوب الإسباني في إقليم الأندلس في منطقة جبلية شمال غرب مقاطعة مالقة على ارتفاع 750 متر فوق سطح الأرض، وتُعدّ حلقة الوصل التي تربط بعض مدن المقاطعة شمالًا، حيث تحدّها مدينة إشبيلية من الشمال ومن الغرب مدينة شذونة. وتتميز أيضًا بوجود نهر لبين الذي يقسمها إلى نصفين وبالسلاسل الجبلية الشامخة التي تحيط بها ووديانها الخضراء. ويحيط بها بعض المستوطنات التي تعود إلى عصر ما قبل التاريخ.

مساحة مدينة رندة وعدد سكانها

تصل مساحة مدينة رندة إلى 481,31 كم2 وهي مساحة صغيرة مقارنة بالمدن الأخرى في نفس المنطقة، وذلك بالرغم من من أنها تُعدّ واحدة من أهم مدن إقليم الأندلس في الماضي والحاضر!

ويصل عدد السكان المحليين الذين يعيشون فيها إلى نحو 36.000 نسمة، إلى جانب بعض السكان الأجانب الذين يصل عددهم إلى نحو 1150 نسمة، وتُعدّ من أقل المناطق في الكثافة السكانية في إقليم الأندلس.

الطقس في رندة

نظرًا لوقوعها في جنوب إسبانيا، يتأثر طقس مدينة رندة بمناخ منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط فترتفع درجات الحرارة فيها في فصل الصيف ويصبح الجو حارًا للغاية، وتقلّ درجات الحرارة في فصل الشتاء ويصبح الجو باردًا للغاية وقد تتساقط الثلوج في بعض الأحيان.

لمحات تاريخية عن مدينة رندة

  • كانت الشعوب الكلتية أو السلتية هم السكان الأوائل لرندة حيث سكنوها وعاشوا بها في القرن السادس قبل الميلاد وأطلقوا عليها اسم "أورندا".
  • انقسمت رندة قديمًا إلى جزأين، رندة القديمة التي استوطنها الفينيقيون والتي تبعد عشرين كيلو متر عن رندة الحالية، ورندة الجديدة (الحالية) التي بناها الرومانيون واستخدمها القائد الروماني سكيبيو الإفريقي حصنًا في الحرب البونيقية الثانية؛ ويُذكر أن يوليوس قيصر هو من أطلق عليها اسم "رندة".
  • مرّ على رندة واحتلها الكثير من الإمبراطوريات، فقد احتلها السويبيون في القرن الخامس قبل الميلاد، ثم الإمبراطورية الرومانية الشرقية، ثم القوط حتى فتحها العرب عام 713 ميلاديًا.
  • وبعد سقوط الدولة الأموية في الأندلس، اتخذها الإفرنيون عاصمة لمملكتهم الصغيرة، ثم ضمّها المعتضد بن عباد إلى طائفته حتى انتهاء الحكم الإسلامي وسقوطها في يد ملك قادس بعد حصار قصير.
  • عانى مسلمو رندة من محاكم التفتيش الإسبانية، وأُجبروا ومعهم اليهود على اعتناق المسيحية أو مغادرتها دون ممتلكاتهم، مما أجبر الكثير منهم على اعتناق المسيحية وممارسة شعائر دينهم سرًا.
  • كانت العربية اللغة الرسمية في رندة إبان الحكم الإسلامي حتى أصدر فيليب الثاني مرسومًا يحظر استخدامها تحدثًا أو كتابة، وأمر جميع المسلمين بإبقاء أبواب منازلهم مفتوحة يوم الجمعة كي لا يؤدون صلاة الجمعة، وفرض ضرائب باهظة عليهم.
  • تسببت أوامر فيليب الثاني ومراسيمه المتعصبة الجائرة في ثورة المسلمين في مدينة رندة، واستطاع المسلمون تكوين جيش الفهري وهزيمة الإسبان لكنهم عادوا بمذبحة جماعية قُتل فيها معظم المسلمين أما من بقي منهم بيع عبدًا.
  • وفي القرن التاسع عشر، لم تسلم رندة من الغزو الفرنسي بقيادة نابليون بونابرت ويُقال إن عدد سكانها انخفض من 15600 نسمة إلى نحو 5000 نسمة خلال ثلاث سنوات.
  • في عام 1918، اتُخذت رندة مقرًا لجمعية رندة حيث صُمم العلم والنشيد الأندلسيين وملابس الجيش.
  • عانت رندة من الحرب الأهلية الإسبانية أيضًا وهجرها العديد من سكانها هربًا من تلك الحرب ومن الفاشية.

الطراز المعماري في رندة

مرّ برندة العديد من الإمبراطوريات التي وضعت بصمتها على طرازها المعماري، فتضمّ المدينة المعالم الرومانية وأشهرها الجسر الروماني، والمعالم الإسلامية التي تشير إلى التراث والطراز الأندلسي والعربي والتي تمّ تجديدها أو تكييفها لتناسب الطراز المسيحي، وأكثر ما يميز المدينة هي منازلها المزدانة باللون الأبيض تأثرًا بالعمارة المغاربية في شمال إفريقيا.

أهم المعالم في رندة

تضمّ رندة ثلاثة جسور هي الأشهر من بين معالمها، وهي الجسر الروماني والجسر القديم أو الجسر العربي والجسر الجديد وهو أطولها بارتفاع 120 متر من قاع الوادي.

وتضمّ أيضًا حلبة مصارعة الثيران التي تُعدّ الأقدم في إسبانيا، ويوجد أيضًا حمامات عربية تحت المدينة تعود إلى القرنين الثالث عشر والرابع عشر. وتوجد كنيسة سانت ماري التي بُنيت على أنقاض المسجد الكبير الذي لم يتبقَ منه سوى المحراب داخل الكنيسة.

شخصيات من رندة

كانت رندة إحدى مدن الخلافة الإسلامية في الأندلس ووُلد وعاش بين طياتها الكثير من الشخصيات التي أثّرت في العالم وفي التاريخ، ومن بينهم:

أبو البقاء الرندي صالح بن شريف

وُلد الشاعر الأندلسي أبو البقاء الرندي وعاش في رندة في الفترة من 1204 إلى 1285، وإليه تُنسب واحدة من أشهر المرثيات في التاريخ وهي مرثية الأندلس؛ ويُذكر أن له برندة ساحة باسمه تُسمى "ساحة أبي البقاء الرندي".

العلامة الصوفي ابن عباد النفزي الرندي

وُلد الشاعر الصوفي وأحد أعلام السُنّة ابن عباد الرندي وعاش في رندة في الفترة من 1333 إلى 1390 وبها ألّف العديد من الدرر الإسلامية مثل الرسائل الكبرى والرسائل الصغرى وفتح الطرفة وغيرها من المؤلفات.

العالم أبو القاسم عباس بن فرناس

وُلد العالم عباس بن فرناس في مدينة رندة وعاش بها في الفترة من 810 إلى 887 في زمن حكم الدولة الأموية، وهو المعروف بمحاولة الطيران الشهيرة، ويُعرف أيضًا بأنه شاعر وعالم في الرياضيات والفلك والكيمياء. ويُذكر أنه في عام 2011 افتُتح جسر يحمل اسمه في قرطبة وافتُتح مركز فلكي باسمه في رندة تكريمًا له.

رندة والتأثير الأدبي والثقافي

من الجدير بالذكر أن مدينة رندة والأحداث التي مرّت بها كانوا مصدر إلهام للكثير من الكتّاب والأدباء الذين اتخذوها مقرًا لهم وقاعدة يطلقوا منها إبداعاتهم الأدبية مثل الكاتبان الأمريكيان إرنست هيمنجواي وأورسن ويلز اللذان قضيا فترة طويلة في الجزء القديم منها، وكتبا عن عاداتها في مصارعة الثيران.

ويوجد أيضًا الشاعر الألماني راينر ماريا ريلكه الذي قضى فترات طويلة فيها حتى إن مكان إقامته في رندة أُحيل إلى متحف يضمّ أعماله وهو القائل "بحثت في كل مكان عن مدينة أحلامي ووجدتها أخيرًا في رندة، ولا يوجد في إسبانيا مكان أكثر روعة من هذه المدينة الجبلية الجامحة".

وفي عام 2006، أطلق مصمم الأزياء الإيطالي العالمي الشهير جورجو أرماني مجموعته الجديدة من أزياء مصارعي الثيران في مدينة رندة.