وقعت معاهدة لندن بتاريخ 15 يوليو من عام 1840 م في العاصمة البريطانية لندن، وكان طرفها الأول بريطانيا والنمسا وروسيا وبروسيا وطرفها الثاني الدولة العثمانية، والهدف منها وقف توسع محمد على باشا في الأراضي التابعة للدولة العثمانية، وبموجب هذه المعاهدة عرضت الدول الأوروبية على محمد علي باشا سيطرة دائمة على مصر وعكا بشرط سحب جميع قواته من سوريا وعدن والحجاز وجزيرة كريت وجميع الأراضي الواقعة تحت سيطرته.

ما قبل توقيع المعاهدة

دخل محمد علي باشا في صراع مفتوح مع القوى الأوروبية جميعها ما عدا فرنسا التي أعلنت تضامنها معه ووقوفها إلى جانبه، وتعود بداية هذا الصراع إلى أوائل القرن التاسع عشر عندما تعرضت الدولة العثمانية لحالة من التدهور والضعف مما منح فرصة للسياسيين والقادة العسكريين التدخل لإصلاح الأمور، وبالفعل برز محمد علي باشا، وهو قائد عثماني من أصل ألباني أرسلته الدولة العثمانية عام 1801م لتولى شؤون مصر التي كانت في حينها مقاطعة تابعة للدولة العثمانية ثم احتلها نابليون.

وبدأ محمد علي خطته للسيطرة على مصر ببناء تحالفات مع القادة المحليين ليتمكن فيما بعد من وضعها تحت سيطرته وتعزيز سلطته عليها، ثم انطلق في تحديث الدولة المصرية وتطويرها وكانت أولى خطواته زراعة مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية بعدة محاصيل أهمها القمح والقطن، مما عاد على ميزانية الدولة بأموال طائلة استخدمها محمد علي في بناء جيش قوي، وأرسل عدد من المهندسين المصريين إلى الخارج ليتعلموا كيفية تشغيل المصانع الحديثة وإدارتها، وصنعت مصر الأدوات والآلات والأسلحة.

وفي عام 1832م غزت جيوش محمد علي سوريا وتمكنت من السيطرة عليها بعد أن هزمت جيوش الدولة العثمانية في معركة قونية، وفي عام 1839م غزت الجيوش العثمانية سوريا محاولةً استعادتها ولكنها هُزمت مرة أخرى في معركة نزب، وفي شهر يونيو من عام 1840م انشق الأسطول العثماني بأكمله إلى الإسكندرية في مصر، وهذا ما منح محمد علي باشا فرصة للسيطرة على فلسطين ولبنان والسودان وشبه الجزيرة العربية.

ولكن ما حصل لم يرضِ الدولة العثمانية أو الدول الأوروبية التي كانت قلقة بشأن الانهيار العثماني على يد محمد علي باشا، لذلك قررت القوى الأوروبية التدخل لوقف توسع محمد علي باشا، فخرج اللورد بالمرستون مسؤول السياسة الخارجية البريطانية وقال "إنّ محمد علي طاغية عظيم ومعتدي جعل الناس بائسين أكثر من أي وقتٍ مضى".

توقيع المعاهدة وشروطها

بتاريخ 15 يوليو من عام 1840م اجتمع في لندن كل من اللورد بالمرستون ممثلًا بريطانيا، والبارون نومان ممثلًا النمسا، والبارون برينوف ممثلًا روسيا، والبارون بيلوف ممثلًا بروسيا، وشكيب أفندي ممثلًا الدولة العثمانية، ووقعوا جميعًا على المعاهدة التي تقضي بإلزام محمد علي باشا سحب جميع قواته من المناطق التي سيطر عليها وإعادتها للسلطان العثماني وفي المقابل منحه وذريته سيطرة دائمة على مصر وعكا، ومن شروطها أيضًا إخضاع محمد علي للسلطان العثماني.

موقف محمد علي باشا من معاهدة لندن

رفض محمد علي باشا الامتثال لمطالب المعاهدة ودعمته في قراره فرنسا التي تخلت عنه فيما بعد خوفًا من مواجهة أربع دول أوروبية، فواجه محمد علي باشا حملة عسكرية وحشية لم تستطع جيوشه الصمود أمامها ليجد نفسه مهزومًا.

وعلى أثر ذلك أعلن في شهر نوفمبر من ذات العام قبول شروط الإتفاقية مُجبرًا، فسحب قواته من جميع المناطق التي سيطر عليها باستثناء مصر وعكا، وأعاد الأسطول العثماني الذي انشق عن الدولة العثمانية وبذلك تحطمت أحلامه ببناء إمبراطورية قوية تكون وريثة للإمبراطورية العثمانية.

رأي النقاد والسياسيين في معاهدة لندن 1840م

يرى النقاد والسياسيون بأنّ معاهدة لندن كانت بمثابة البداية التي سمحت للدول الأوروبية المتمثلة ببريطانيا والنمسا وروسيا وبيلاروسيا التدخل في شؤون الدولة العثمانية، وكانت فرصة لتظهر بريطانيا للعالم أجمع أنها دولة قوية ذات مكانة في المنطقة، ومن جهة أخرى كانت بريطانيا حريصة على عدم وجود قوة إقليمية جديدة تسيطر على الطرق البحرية والأراضي التي تربطها مع مستعمراتها في الشرق الأقصى.

على الجانب الآخر يقول النقاد والسياسيون على كل شخص أنّ يتخيل ما كان سيبدو عليه الشرق الأوسط وشبه الجزيرة العربية في حال أكمل محمد علي باشا فتوحاته وتحقيق هدفه بإقامة إمبراطورية عظمى بديلة للإمبراطورية العثمانية، خاصةً في ظل ما كان يتمتع به من حنكة وبصيرة ودهاء وقوة.

معاهدة لندن الثانية 1913م

وقعت معاهدة لندن الثانية بتاريخ 30 مايو من عام 1913م في العاصمة البريطانية لندن وهي ما يُطلق عليها اسم مؤتمر لندن للسلام، وكانت هدنة لوقف حرب البلقان الأولى بين الأطراف المُتحاربة التي تتمثل بالدولة العثمانية واليونان وصربيا وبلغاريا والجبل الأسود، وكانت المعاهدة برعاية بريطانيا وإيطاليا وألمانيا وروسيا والنمسا.

شروط معاهدة لندن الثانية

تضمنت معاهدة لندن الثانية عدة شروط وضعتها الدول العظمى، وتتمثل هذه الشروط بما يلي:

  • إلزام جميع حلفاء البلقان بعلاقة صداقة وسلام فيما بينهم، وكذلك بين رعاياهم وورثتهم وخلفائهم.
  • تنازل الدولة العثمانية لحلفاء البلقان عن كافة الأراضي التي تسيطر عليها في قارة أوروبا.
  • تنازل الدولة العثمانية عن جزيرة كريت لحلفاء البلقان، ويتوجب عليها التنازل لصالحهم عن حقوق السّيادة وعن جميع الحقوق التي تمتلكها في الجزيرة.
  • يُقر جميع ممثلي دول الحلفاء بإسناد مهمة تحديد ملكية الجزر العثمانية في بحر إيجه وشبه جزيرة جبل آثوس (ما عدا جزيرة كريت) إلى ألمانيا والنمسا والمجر وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا، فهم من يحددون مصيرها.
  • يصرح السلطان العثماني وأصحاب الجلالة الحلفاء بالموافقة على إحالة المسائل المالية الناتجة عن الحرب والأراضي المتنازع عليها إلى اللجنة الدولية التي ستُعقد في العاصمة الفرنسية باريس، وعلى أنّ تختار كل دولة ممثل لها يشارك في اللجنة.
  • يتوجب على جميع دول الحلفاء تسوية المسائل المتعلقة بأسرى الحرب والتجارة وأي مسائل أخرى بموجب اتفاقيات خاصة فيما بينهم.