هناك الكثير من أنواع شعر الزجل أبرزهم فن العتابا والميجانا، وهذا يعني أن العتابا والميجانا ينتمون لنوع الأدب نفسه، والزجل هو واحد من أشهر الفنون الشعبية التي تتضمن أبيات شعرية كالشعر العربي، لكن بلغة عامية ارتجالية يطلق عليها "اللغة المحكية"، ويحدث الزجل على هيئة مناظرة بين شخصين أو مجموعة من الأشخاص وتترافق معه بعض الأصوات والنغمات الموسيقية لآلات معينة، وعلى الرغم من أن هذا الشعر ظهر في المغرب أولًا، إذ تعود أصوله إلى الأندلس، ينتشر بكثرة الآن في دول الشام لا سيما لبنان وغرب سوريا، وهذا يعني أن الزجل يأخذ أوزان مشتقة من العروض العربي، مع إجراء تعديلات عليها لكي تتوافق مع اللهجات العامية المختلفة، وبالتالي يمكننا أن نقول عليه إنه شعر عامي لا يتقيد بقواعد اللغة العربية.

الفرق بين فن العتابا والميجانا

على الرغم من أن العتابا والميجانا ينتمون لشعر الزجل، هناك اختلافات وفروقات بين كل منهم، والتي يمكن توضيحها فيما يأتي أدناه:

فن العتابا

العتابا هي أحد أشهر أنواع الزجل التي لها مكانة مرموقة في الغناء الشعبي في كل من فلسطين ولبنان وبلاد الشام بصورة عامة، وغرب العراق، وتردد في مختلف أنواع المناسبات كحفلات السمر والأنس والأعراس، وتنشد مصاحبة للميجانا في الغالب، ومن حيث أصلها فإنها كسائر أنواع التراث المنقول، يختلف الباحثون في أصلها ومعناها، لكن من الأقوال الشائعة أن العتابا تأتي من "العتب أو العتاب".

بجانب أن معظم أصحاب الغناء والموسيقى أكدوا أن العتابا هي فن فلسطيني الأصل، عرف وانتشر في بلاد الشام ثم العراق، وتتركب العتابا من بيتين كل بيت منهم له شطرين، حيث تكون الأشطر الثلاثة الأولى متفقة في اللفظ ومختلفة في المعنى، وهذا ما يطلق عليه اسم "القافية المجنسة"، أما الشطر الرابع منها فينتهي بالباء الساكنة التي تسبقها الألف أو الفتحة، وفي أحيان كثيرة تبدأ العتابا بكلمة أوف، والتي تأتي من الفعل "أف" بمعنى أتضجر، ومن أجمل الأمثلة عليها ما يأتي:

جبلنا بدمنا ترابو جبلنا                         ومهما الدهر غضباتو جاب النا

منبقى هون ما منترك جبلنا                       تراب الأرز أغلى من الدهب

وأيضًا:

أنا لكتب سلامي بحبر جـازْ                     على اللي خـلّوا حـْوالي ما تـنـْجـازْ

وبْأيا شرِع وفراقـْكم جازْ                                   وبأيّ كْتاب حلَّلتوا الجفا

وقيل في العتابا أيضًا:

نـِزِل دمعي على خـدّي حـرقني                        مثل الزيت بالمقلي حرقني

أنا تمنيت ربي ما خلقني                                 خلقني للمرارة والعــذابْ

وفيها أيضًا:

أنا لابكي وأبـَكيّ بـْعـاد وقـْرابْ                   ومنْ دمـِع عيني لـَمـَليّ ظروف وقِربْ

متى يا ظـعن لِـحبابْ تِقربْ                                وأجازي الليّ في غيبتنا اشـْتفى

وهناك العديد من شعراء العتابا المعروفين الذين أبدعوا في أدائها وغنائها، لكن أبرزهم الشاعر والفنان الفلسطيني الأصل الذي عاش في لبنان وسوريا يوسف الحسون الشهير بأبي العلاء، الذي استطاع أن يجدد فيها ويطور من قوافيها ويبتكر طرق جديدة لغنائها، وأصبح صاحب مدرسة شعرية في العتابا والميجانا والقصيد، وغنى إلى جانبه العديد من الفنانين مثل: رفعت مبارك وأسعد سعيد وجريس البستاني وغيرهم، ومن أشهر شعراء العتابا الآخرين: اللبناني أسعد الخوري الفغالي المشهور باسم شحرور الوادي، وعبد الله مرعب المشهور باسم آلان مرعب والملقب بملك العتابا اللبنانية وملك الهوارة، والسوري أحمد تلاوي أبو حسين، واللبناني إلياس النجار.

فن الميجانا

فن الميجانا أيضًا من أنواع الزجل المشهورة جدًا والمنتشرة في دول الشام لا سيما في لبنان وفلسطين، حيث يرددها الشعب في مختلف مناسباته وتكون مصحوبة مع العتابا، واختُلف في أصلها ومعناها مثلها مثل العتابا وسائر الفنون التراثية المنقولة، إلا أن مارون عبود قال إن أصلها مشتق من كلمة "يا ما جانا" بمعنى " ما أكثر ما أصابنا"، وقال لحد خاطر إن أصلها يعود إلى "يا ماجنة" من المجون، بمعنى "أيتها العابثة المستهترة".

أما أنيس فريحة فذهب إلى أن أصل الميجانا سريانيًا من جذر "نجن"، والتي تعني الغناء، وقال أيضًا إن أصلها يمكن أن يكون " يا ما جنى" بمعنى "ما أكثر ما ظلم" أو "ميجانة" المتحولة من كلمة "مرجانة"، وقال أيضًا إن ميجانا وعتابا هما ابنتا أمير كانتا تتغنيان بالأغاني العاطفية، إلا أن مالك جندلي قال إن أصل الكلمة فينيقي وتعني الكرامة وإن معناها بالكردية هي روحي، وفي المعجم الوسيط الميجنة هي المئجنة من الفعل أجن، ومعناها مدقة القصار أو القَصَرَةُ وهي قطعة خشبية، والقصار هو الرجل الذي يقصر الثياب.

وحسب التعبيرات العامية الشائعة تبدأ الميجانا بكسرة ويكون مطلعها بيت شعري شطره الأول "يا ميجانا يا ميجانا يا ميجانا"، وشطره الثاني يأخذ نفس القافية ويكون مختلفًا في المعنى، ويكون شطرا البيت الأول والشطر الأول من البيت الثاني على نفس القافية، أما الشطر الثاني من البيت الثاني فيكون على قافية المطلع "نا"، وكل دور من الميجانا يكون مكون من أربعة أشطر مثل العتابا، حيث تنتهي الثلاثة أشطر الأولى بجناس أو مقفاة، أما الشطر الرابع فيرجع إلى القافية العامة، لكن الميجانا تأتي على الوزن اليعقوبي الذي يتكون بيته من 24 حركة صوتية مقسمة على 12 لكل شطر، ومن أجمل الأمثلة عليها ما يأتي:

يا ميجانا يا ميجانا يا ميجانا                  أعطينا عيونك تا نسـل سيوفنا

قد الحلو ما يوم قدامي خطر                 إلا ما حبو مر عَ بالي وخطر

وشو هم حبو يكون مرصود بخطر           ما دام كل الحب تعتير وهنا

قلبي أنا كيف شكل فيني أحملو            وكل ما حلو قبالي مرق بشعلو

وحتى إذا بنوم الهنا بيبصر حلو            بيشعل حريق الحب بنوم الهنا